مايو 19, 2024

زاهر سحلول- الغارديان : ترجمة  محمود محمد العبي- كلنا شركاء
عملنا في مستشفى تحت الأرض للبقاء في مأمن من الغارات الجوية، وشاهدنا جرحى يمكن علاجهم لكنهم يموتون؛ بسبب شح الموارد الطبية.
لا يوجد سوى 30 طبيباً في حلب، ويصف هؤلاء الأطباء الوضع بالمذهل والكارثي، ولقد رأيت الوضع بنفسي. حيث يتوجب عليهم إجراء عمليات البتر لأطفال على أرضية غرف الطوارئ من دون تخدير أو تعقيم. وعلاوة على ذلك، نفذت لديهم مخزونات زمر الدم وأكياس السيريوم والمضادات الحيوية ومسكنات الألم.
ويشقى الأطباء في توفير الرعاية الصحية للسكان المصابين بصدمات نفسية- وهم حوالي 300000 شخصاً؛ لأن النظام يقصف مستشفياتهم بشكل يومي، ويتم استنفاذ الإمدادات الطبية والأدوية.
يعملون دون توقف في الأشهر الثلاثة الماضية، من خلال تعاملهم مع تدفق عدد كبير من الإصابات المتنوعة وكثرة المرضى الذين تم سحبهم من تحت الانقاض حيث يعانون من إصابات مروعة.
في عامة سوريا وخصوصاً في حلب، يتم استهداف المستشفيات في كثير من الأحيان من قبل الحكومة السورية وفي الآونة الأخيرة من قبل الطائرات الحربية الروسية. وقد سجل أطباء من أجل حقوق الإنسان 382 هجمةً على المرافق الطبية، منها 344 هجمة من قبل النظام وروسيا. وكانت روسيا والنظام مسؤولين عن مقتل 703 من أصل 757 من العاملين في المجال الطبي في الحرب حتى الآن. ناهيك عن مغادرة معظم الأطباء من حلب.
كما ذكرت مؤسستي: الجمعية الطبية الأمريكية السورية، أن شهر تموز/ يوليو كان أسوأ شهر للهجمات على مراكز الرعاية الصحية منذ بداية الصراع. حيث قُدِرَ عدد الهجمات بـ 43 هجمة في الشهر على المرافق الصحية – أكثر من هجمة في اليوم. وعلى سبيل المقارنة، هذا العدد من الهجمات على مدى ستة أشهر في عام 2015، و47 هجمةً من كانون الثاني/ يناير إلى أيار/ مايو .
قبل بضعة أشهر، قمت أنا واثنان من زملائي برحلة محفوفة بالمخاطر من شيكاغو إلى حلب من أجل التطوع في مهمة طبية مع الجمعية الطبية الأمريكية السورية . حيث عملنا في مستشفى تم بناؤه بعمق  20 متراً تحت الأرض؛ لأنه تم استهدافه عشر مرات في السنوات الأربع الماضية. عملنا وعاشنا ونمنا في المستشفى، وكنا نسمع دوي انفجارات تهز الأرض بقربنا. حيث تم تشغيل المستشفى عبر مولد يعمل بالديزل.
وكان غريباً جداً بالنسبة لي- كأخصائي في العناية المركزة من شيكاغو- أن أشاهد ممرضات وأطباء في مستشفى تحت الارض في مدينة محاصرة في الشرق الأوسط. كان المستشفى الأكبر في حلب ، يجري 4000 عملية جراحية في كل عام. ففي وحدة الرعاية المركزة، عاجلت ضحايا الضربات الجوية الروسية والسورية الأبرياء. وما زلت أتذكر بقوة أحمد حجازي، الذي تم سحبه من تحت أنقاض منزله المدمر بعد انفجار برميل متفجر ألقته طائرة النظام المروحية بينما كان نائماً.
كانت إصابة أحمد في العمود الفقري والرئة. حاول الأطباء لمعالجة حالته بالمواد الطبية المحدودة للغاية. لم نكن قادرين على نقله إلى تركيا لإجراء عملية جراحية لإنقاذ حياته بسبب قصف قوات النظام اليومي لطريق المدينة الوحيد؛ في محاولة من النظام لتطويق المدينة. وبعد بضعة أيام، استسلم أحمد، حيث تعرض لسكتة قلبية وفارق الحياة.
أحمد واحد فقط من آلاف المدنيين الأبرياء الذين يمكن إنقاذهم في أي نزاع أو منطقة كوارث أخرى بوسائل بسيطة. كانت وفاته- ووفاة عشرات الآلاف من المدنيين- بسبب عدم حصوله على الرعاية الطبية المناسبة. ويشكل ذلك جريمة حرب.
منذ مغادرتنا، أصبح الوضع أكثر حرجاً بسبب الحصار. قالت لي طبيبة التوليد الوحيدة في المدينة أنها كانت تستخدم خيوط الخياطة لتخيط الجروح بعد القيصرية بسبب نقص في الغرز/ الخيوط الجراحية. وقالت أن معظم الأطفال حديثي الولادة يعانون من انخفاض حاد في الوزن لأن النساء الحوامل لا يستطعن الحصول على الفواكه أو الخضروات أو الحليب أو اللحوم أو الفيتامينات. ناهيك أن المواد الغذائية وحليب الأطفال أصبح نادراً، لذلك من المتوقع، وللمرة الأولى في تاريخها الحديث، ستشهد حلب أطفال يعانون من سوء التغذية الحاد.
ليس كافياً ذرف الدموع على الصور الأطفال المصابين في سوريا. وأيضاً معانقة أطفالكم ليست كافيةً. الاستجابة الإنسانية المتوقعة عند رؤية شخص في محنة هي في بذل قصارى جهدنا لتخفيف محنتهم؛ لأن الأطفال السوريين ليسوا دمى نبكي عليها.
نحن مسؤولون وكذلك قادتنا السياسيون، إذا لم نتصرف عند مشاهدة أشرطة الفيديو لأطفال سوريين يبكون بألم شديد؛ لأن مجرمي الحرب يقصفونهم لهم أو يقنصونهم. ومن الضروري أيضاً نشر معاناتهم عبر تويتر وفيسبوك، ولكن ذلك لا يعفينا من فعل ما هو أكثر نفعاً- وهو إنقاذ حياتهم وبناء مستقبل أفضل لهم.
ويمكن لكل شخص القيام بعدة أمور في الوقت الراهن لمساعدة الأطفال السوريين مثل عمران دقنيش، وهو طفل الخمس سنوات من حلب المحاصرة – عبر صورة لفتت اهتمام العالم تُظهر وجهه المغطى بالغبار وبالدم بعد أن تم انقاذه بعد غارة جوية – وملايين من الأطفال السوريين المتأثرين من النزاع في سوريا.
احشدوا الآن، وادعو قادتكم السياسيين ورئيسكم عبر الطلب من بلدكم ممارسة القيادة الأخلاقية لوقف الإبادة الجماعية وانقاذ حلب الآن. في الولايات المتحدة، لا ينبغي لنا أن ننتظر الرئيس القادم حتى يتولى منصبه. فبحلول ذلك الوقت، سيكون الأمر متأخراً جداً. يجب أن نضع حداً لإنهاء الإبادة الجماعية في مقدمة جدول الأعمال الوطني.
وهذا يعني خطط محددة لوقف الإبادة الجماعية وإحلال السلام. لأن ما يحدث في حلب يؤثر علينا جميعاً، أينما نعيش. أزمة اللاجئين، وازدياد كراهية الأجانب، ورهاب الإسلام، والمشاعر المعادية للاجئين، والإرهاب كلها تداعيات ناجمة عن الأزمة في سوريا. يجب على القادة الوطنيين حشد الإرادة السياسية لوضع حد للأمر:

أسسوا مع جماعات دينية ومدنية في مدينتك بهدف تشكيل ائتلاف أوسع يمكنه إجبار قادتنا السياسيين على التحرك. هذه هي الطريقة الأميركية والديمقراطية. إذا قلنا “لن يتكرر هذا أبداً”، علينا أن نعني ذلك، وينبغي أن يكون لدينا قادة سياسيين مسؤولين إذا فشلوا في اختبار الإبادة الجماعية.
   تكلموا في الجمعيات الطبية والاجتماعات. ادعوا المتحدثين إلى مستشفياتكم لمناقشة الهجمات على مراكز الرعاية الصحية. يجب على المجتمع الطبي ألا يتسامح مع الوضع الطبيعي الجديد، حيث يتم رمي 150 عاماً من اتفاقيات جنيف والمعايير الإنسانية الدولية تحت الحافلة كل يوم. حيث يمكن للمجتمع الطبي أن يلعب دوراً رئيسياً في إجبار القادة السياسيين إلى الاستماع إلى نداءات ممرضي حلب الذين يكافحون من أجل إنقاذ الأرواح في حين يتم قصفهم عبر آلة الحرب الأكثر تقدماً.
   تطوعوا في بعثات طبية لمساعدة اللاجئين. هناك العديد من المنظمات غير الحكومية، بما في ذلك “الاستجابة العالمية سامس”، التي تقدم الإغاثة الطبية للاجئين السوريين في البلدان المجاورة وأوروبا. انضموا لـ “تجربة تغيير حياة” عبر مد يد الشفاء للاجئ يائس يعيش في خيمة ويفكر في أن العالم قد تناساه.
   شكلوا فرعاً للمساعدة في إعادة توطين اللاجئين السوريين في مدينتكم باتباع خطوات شبكة التجمع السورية. حيث أُعيد توطين أكثر من 13210 لاجئ سوري في الولايات المتحدة حتى الآن، ومن المتوقع أن يرتفع الرقم في السنوات القليلة المقبلة.
   اعطوا بسخاء. نحن بلد العطاء، لذلك دعونا نقوم بأفضل ما بوسعنا من خلال التبرع للجمعيات الخيرية والمنظمات غير الحكومية التي تمس حياة الآلاف من اللاجئين السوريين أو  السوريين المحتاجين في الداخل السوري بما في ذلك حلب.

ربما أصبح قصف حلب المحاصرة الحدث الأكثر أهمية في الإبادة الجماعية في سوريا، والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 450000 شخصاً منذ عام 2011، بالإضافة إلى هجوم الغوطة الكيماوي. حيث حذر المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا أنه “بين الآن و كانون الأول/ ديسمبر، إذا لم نتمكن من إيجاد حل، لن يكون هناك شيئاً اسمه حلب بعد ذلك”. عندما ينقشع الغبار وتظهر الحقائق، سيتم عرض قصف حلب كواحد من أسوأ جرائم الحرب منذ الحرب العالمية الثانية.
كما قالها في الآونة الأخيرة تشارلز هاينز، وهو مدير مركز الحرية الدينية: “ما سيستذكره أجيال المستقبل طويلاً بشأن هذه اللحظة من التاريخ ليس خطاب منمق عن جدران الحدود أو رسائل بريد إلكتروني محذوفة. ستذكرنا الأجيال القادمة – وتقاضينا – لما فعلناه أو لم نفعله لوقف الإبادة الجماعية”.
رابط المادة المترجمة: هنا
العنوان من المصدر:  انا طبيب في شيكاغو.. هذا ما شاهدته عندما ذهبت للمساعدة في حلب



المصدر: مترجم:طبيبة التوليد الوحيدة في حلب تستخدم خيوط الخياطة لعمليات القيصرية

انشر الموضوع