مايو 17, 2024


مازن كم الماز: كلنا شركاء
“ما يجري في المشرق العربي و في سورية خصوصا” شيء غير مسبوق , لم يترك شعب في التاريخ لمصيره كما حدث مع الشعب السوري , دون أن تأتي الأساطيل أو البوارج أو قاذفات ال ب – 52 لتنقذ الضحايا .. خلافا للثورات الانكليزية و الفرنسية و الروسية و الأمريكية و الصينية , و آلاف الثورات المهزومة من فجر التاريخ و حتى يومنا , لم يأت أحد لإنقاذ الضحايا , و لأن هذا غير مسبوق البتة في تاريخ ثورات العالم و الشعوب كما نرى , و لأن السياسة قد أصبحت فجأة لا مبدئية و لا أخلاقية على عكس ما كانت عليه دائما منذ وجدت البشرية و منذ ظهر أول حاكم و أول جنرال و شرطي على هذه الأرض , لهذا السبب بالذات فإن أدوات التحليل التقليدية للصراعات السياسية لا تكفي هنا , لأن ما يجري ليس سياسيا بالمعنى الشائع أو المعروف , بل مؤامرة , أو استمرار للحروب الصليبية أو حتى قبل ذلك بكثير …
يذكرنا الدكتور غليون أن أوروبا كانت في بربريتها خاضعة للهيمنة الفكرية و السياسية و العسكرية لإمبراطوريات الشرق , لكن القضية لم تكن فقط “احتلالا” سياسيا أو عسكريا , فهذا الشرق شكل منذ أقدم العصور مهدا لحضارة كونية , مما يعني أن حدودها لم تقتصر على أرضنا , لا أعرف هل يقصد الدكتور غليون هنا عالم الجن أم يقصد كواكب و مجرات أخرى … و يؤكد لنا الدكتور غليون أن هذه الحضارة قد أدت إلى التقريب بين , أو توحيد , أنماط سلوك و أفكار أفرادها , لتصب أخيرا في بوتقة الإسلام , من حمورابي حتى الاسكندر و أباطرة روما انتهاءا بسليمان القانوني .
كان كل هؤلاء تجليات لشيء واحد يسميه الدكتور غليون بسبب ضيق الوقت بالمشرق و يعتبر أن الإسلام هو تجليه الأخير على هذه الأرض , أما الغرب فلم تقم له أي قائمة إلا على أشلاء المدنيات الأخرى , و لهذا فهو في حرب شعواء دائمة ضدنا , ضد ذلك المشرق , و ضد الإسلام , حرب تأخذ شكل مؤامرات لا تنتهي .. و يؤكد الدكتور غليون , أن تلك الحرب أو المؤامرة ما تزال مستمرة … لكن المؤامرة ليست جديدة كما قد يعتقد البعض , إنها قديمة جدا , فعندما ضرب الحجاج مكة و استباح المدينة جرى ذلك بتآمر صريح من امبراطور الروم الذي لم يهب لنجدة الثوار ليوقف المجزرة , و استمر تآمر امبراطور الروم و ملك الأحباش و غيرهم من ملوك الفرنجة و هم يتفرجون على أفواج الثوار المتتالية من خوارج و زيديين و قدريين و جهميين و متنبئين و طامعين بالحكم دون أن يهبوا لنجدتهم تحقيقا لشعارات الكنيسة المعروفة , و ربما كانت المؤامرة أقدم حتى , فلم يهب أبرهة الحبشي مثلا لمساعدة شعراء الصعاليك و لا امرئ القيس ضد خصومهم , متآمرون !!! ..
من الواضح أن احتلال الشرق للغرب ليس حربا و لا مؤامرة عند الدكتور غليون , بل تحضيرا للغرب عند إخواننا العلمانيين , أو خلاصا روحانيا للغرب عند إخواننا المسلمين , الذي هو بالمناسبة نفس ما يقوله المستشرقون على الجهة المقابلة عن احتلال الغرب للشرق … يذكرني كلام الدكتور غليون أستاذ علم الاجتماع السياسي و مدير مركز دراسات الشرق المعاصر في جامعة السوربون بكلام دكتورنا هاني السباعي الذي اعترض على وصف ما تعرض له الزنادقة على يد “دولة الخلافة” “بالاضطهاد” , “فاضطهاد المهدي للزنادقة هو جهاد شرعي , و عنف المهدي مع الزنادقة من باب قوله تعالى “و ليجدوا فيكم غلظة” …
عندما نقمع الآخرين فهم ليسوا ضحايا , و عندما يقمعنا الآخرون فهم ظلمة و طغاة … و التاريخ ليس إلا سلسة طويلة من المؤامرات , كل تراجع و هزيمة تعرضنا لها حتى اليوم , بما في ذلك هزائم الثورة السورية , كان نتيجة هذه المؤامرات , سقوط بغداد كان سببه ابن العلقمي و سقوط خلافة بني عثمان كان نتيجة تآمر كمال أتاتورك و يهود الدونمة , طبعا بغض النظر عن أن الخلافة العباسية و بعدها العثمانية كانتا قد أصبحتا دولا ضعيفة مريضة عاجزة عن الدفاع عن نفسها , رجل الشرق المريض و رجل أوروبا المريض , قبل سقوطها بوقت طويل , و بغض النظر عن أن المفترض أن إرادة الله فوق الجميع , فوق إرادة أتاتورك أو ابن العلمقي , أو باراك أوباما … و ها نحن اليوم أمام حرب كونية جديدة على مجتمعاتنا , التي يرى أستاذنا أن الإسلام هو هويتها أو مركزها أو جوهرها الخ , ما يجري اليوم ليس نأيا بالنفس من جانب كبار هذا العالم بل أكبر تدخل يريد استبدال الدول القائمة بميليشات و عشائر و طوائف و حشود .. نحن أمة واحدة , أما تقسيمنا طوائف و عشائر فهو , كالعادة , مؤامرة علينا ..
و أخيرا نصل إلى جوهر المؤامرة و حقيقتها : إنها تهدف لمنع ظهور قيادة جديدة فاعلة , يسميها بالقيادة التاريخية التي تتجاوز فكرة شخص أو أشخاص يتخذون القرار إلى شخص أو أشخاص يرون الواقع بشكل صحيح و يحددون الأهداف و الوسائل الصحيحة , ناصر أو صدام أو أسد حقيقي بدلا من المزيف , أين أنت أيها المخلص ؟؟! … فعلا دكتورنا العزيز , إننا نفكر تقريبا بنفس الطريقة , نحن “موحدون” جدا في وعينا و تفكيرنا و سلوكنا و نظرتنا لأنفسنا و “الآخر” و انتظارنا , الذي طال لكنه لم يمت , للمخلص أو للفوهرر القادم , ما قلته يا سيدي ليس إلا درسا بليغا في الولاء و البراء , لا فض فوك … 



المصدر: مازن كم الماز: عندما تحدث برهان غليون عن الولاء و البراء

انشر الموضوع