مارس 28, 2024

أمريكا فشلت في توفير أعداد كافية لاختبارات كورونا، رغم جارتها الأصغر كندا أثبت أن الأمر ليس مستحيلاً، كما أن هناك دولاً عدة أقل في الإمكانيات الاقتصادية من أمريكا تمكنت من حل المشكلة.

ويعد هذا الفشل الأمريكي جراء سياسات الحكومة الأمريكية وعدم تمكنها من الاستعداد الكافي لمواجهة كورونا، حسبما ورد في تقرير لمجلة Foreign Policy الأمريكية. 

في عام 2018 اجتمع ممثّلو الحكومة الأمريكية، والحزبين في الكونغرس، ورئيس مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها، وآخرون من أجل مناقشة كيفية الاستجابة في حال حدوث انتشار لإنفلونزا جديدة. 

ونص تقرير الدراسة على التالي: “تضاءلت الصحة العامة على كافة المستويات محلياً وحكومياً وفيدرالياً، نتيجة سنوات من الميزانيات الضئيلة لتنفيذ المهام. والاستجابة بفاعلية للجائحة تتطلّب عاملين مُدرّبين ومرنين وأقوياء في مجال الصحة العامة”.

وكان ذلك الفيروس مُزيّفاً، لكن الدروس المُستفادة حول الطاولة تجلّت فائدتها مع انتشار كوفيد-19 حالياً حول العالم.

أمريكا بطيئة للغاية في تتبع الفيروس

ومنذ ظهور عددٍ من الحالات أواخر فبراير/شباط، كانت أمريكا بطيئةً للغاية في تتبُّع انتقالات الفيروس الجديدة، وتعرقلت جهود المعامل في اختبار المرضى، وسعى الرئيس إلى التقليل من مدى انتشار الفيروس. 

ودعا الرئيس دونالد ترامب إلى مؤتمرٍ صحفي في حديقة الورود بعد ظهر الجمعة 13 مارس/آذار، للإشادة باستجابة حكومته للأزمة، والتأكيد على جهوده لزيادة الوصول إلى الاختبارات.

الرئيس الأمريكي قلل من أضرار كورونا في البداية/رويترز

وانطلاقاً من يوم الخميس 12 مارس/آذار، نقلت مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها أنّ الولايات المتحدة اختبرت أكثر من 13 ألف عينة -مع الأخذ في الاعتبار وجود عدة عينات للمريض واختبار بعض المرضى عدة مرات. (هناك أكثر من 1,800 حالة إصابة مُؤكدة بكوفيد-19 في أمريكا).

كوريا الجنوبية تتفوق على أمريكا بشكل ساحق وأيضاً كندا

ويتضاءل هذا الرقم عند مقارنته بالاختبارات التي أُجرِيَت في البلدان الأخرى، مثل كوريا الجنوبية، حيث أتاحت السلطات الاختبارات على نطاقٍ واسع. إذ أبلغت سول مثلاً عن إجراء أكثر من 200 ألف اختبار حتى يوم الجمعة، واكتشفت إصابة قرابة الثمانية آلاف شخص هناك.

وتبدو إحصاءات الاختبارات الأمريكية المُتواضعة ضعيفةً مقارنةً بجيرانها في الشمال (كندا).

إذ قضت كندا شهري يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط في تشييد البنية التحتية للاختبار والمراقبة -وهي جهودٌ تُشبه إلى حدٍ كبير النماذج الموضوعة على طاولة المداولات في مدرسة جون هوبكنز. ونجحت كندا في تقليل أثر الفيروس حتى الآن من خلال اكتشاف الحالات مُبكّراً والتحقيق في أصولها.

وفي كندا، نجحت السلطات الصحية الإقليمية والفيدرالية في اختبار 15 ألف مريض بطول البلاد. وعلى المستوى الوطني، لم تشهد كندا سوى 157 حالة فقط -وغالبيتها لأشخاصٍ وصلوا من دول أجنبية. 

ولا توجد الكثير من الحالات المعروفة لانتقال العدوى من شخصٍ لآخر داخل كندا حتى الآن، ويرجع هذا لأنّ الأشخاص المُصابين بالعدوى أُودِعوا في الحجر الصحي أو عزلوا أنفسهم ذاتياً على الفور.

كيف تفوقت كندا الصغيرة على أمريكا العظيمة؟

قضت كندا العقدين الماضيين في الاستعداد لهذه اللحظة.

فبعد أن أنهك فيروس السارس كندا في عام 2003، وجد تقريرٌ عن استجابة كندا أنّ “تجربة السارس كشفت أنّ كندا ليست مُجهّزةً بما يكفي للتعامل مع جائحةٍ حقيقية”. وأونتاريو تحديداً “لم تكُن لتصمُد في مواجهة حالتي تفشّ مُتتاليتين لوباءٍ بحجم السارس على هذا النطاق الواسع”. 

ووجد التقرير كذلك أنّ المقاطعات الأخرى لم تكُن أحسن حالاً -فضلاً عن أنّ قدرة الحكومة الفيدرالية على المساعدة كانت ضعيفة.

لذا شرعت كندا في تحسين قدرتها على إجراء الاختبارات -علاوةً على أنّ وكالة الصحة العامة الكندية عقدت تدريبها الخاص على طاولة المداولات من أجل الاستعداد لجائحة إنفلونزا. وجهّزت معامل المقاطعات البنية التحتية اللازمة لتتمكّن من إجراء الاختبارات والتحقّق منها دون مساعدة الحكومة الفيدرالية. وفي الوقت ذاته، زاد المعمل الوطني للأحياء الدقيقة -الذي تُديره الحكومة الفيدرالية- في وينيبيغ من قدرته الخاصة على دعم تلك الجهود.

وحين ضرب كوفيد-19 هذا الشتاء، بدأ المعمل الوطني في استقبال الاختبارات من المعامل في كافة أنحاء البلاد -والتي وصلت متأخرةً بطبيعة الحال نظراً لضرورة إرسال العينات عن طريق البريد العادي أو السريع. ولكن بحلول منتصف فبراير/شباط، وسّعت مقاطعتا كولومبيا البريطانية وأونتاريو، اللتان شهدت كافة الحالات المُبكّرة، نشاط معاملها لتُنفّذ الاختبارات للمرضى محلياً وتتحقّق من نتائجها. وانضمت إليها مقاطعات كيبيك وألبرتا مؤخراً.

وقالت كريستا أورشينكو، تقنية المعامل الطبية في أونتاريو: “في أونتاريو، تخلّينا عن التأكّد من صحة الاختبارات عبر المعمل الوطني للأحياء الدقيقة قبل بضعة أسابيع”.

قلق في نيويورك بعد انتشار كورونا/رويترز

وواصل معمل وينيبيغ دعمه لجهود الاختبارات الأخرى. وحين حطّت طائرةٌ من اليابان تحمل ركّاباً كانوا على متن سفينة الرحلات Diamond Princess، أنشأ المعمل الوطني للأحياء الدقيقة معملاً متنقلاً لمراقبة أي شخص قد يُعاني من الأعراض.

وحين نُقارن تلك الجهود بما حدث في الولايات المتحدة، نجد أنّه حتى الأيام الأخيرة من فبراير/شباط، وبالتزامن ظهور عشرات الحالات في مختلف أنحاء البلاد؛ كانت كافة الاختبارات تُجرى مباشرةً من خلال مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها في أتلانتا بجورجيا.

وقالت أندريا برينزي، عالمة الأحياء الدقيقة السريرية: “على حد فهمي، لم تكُن سياسة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية الأصلية تسمح للمعامل المحلية عالية التعقيد بإجراء الاختبارات حتى وقتٍ قريب. وكانت كافة العينات تُرسل إلى مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها في حال إجراء الاختبار”.

وحتى مع بدء المستشفيات والعيادات المحلية في اختبار المرضى داخل أمريكا، ظلّت القدرة العامة مُنخفضة. إذ يجمع مركز American Enterprise Institute البحثي تحديثات يومية حول أعداد المُصابين الذين تستطيع مُختلف المرافق التعامل معهم. وفي التاسع من مارس/آذار، قدّر المركز أنّ مُختلف مواقع الاختبار حول البلاد لا تستطيع التعامل مع أكثر من ثمانية آلاف مريض يومياً -وهذا بعد يومٍ واحد من إعلان نائب الرئيس مايك بينس توزيع مليون مجموعة اختبار في كافة أنحاء البلاد. وبحلول يوم الجمعة، ارتفعت القدرة اليومية إلى قرابة الـ25 ألف مريض يُمكن اختبارهم يومياً.

ولا يزال ضعف التمويل مُكوّناً رئيسياً في هذا الفشل. وكتبت رابطة معامل الصحة العامة، التي يتواجد أعضاؤها على الخط الأمامي في الاختبارات المحلية، في وقتٍ مُبكّر من العام الجاري أنّها تشهد “اتجاهاً مُقلقاً على المدى البعيد من ضعف تمويل الصحة العامة” رغم الزيادة المُتواضعة التي أقرتها مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها. وحدّدت حجم الفجوة بين ميزانيتها الحالية وبين الميزانية المطلوبة لتوفير خدمات الصحة العامة الكافية بـ4.5 مليار دولار.

وقالت غريس كوبين، رئيسة إدارة الخدمات الصحية بولاية تكساس، في تقريرٍ نشرته الرابطة: “حين تنفد تلك الأموال، مع استمرار وصول العينات، سنضطّر إلى العثور على حل. أو سنلجأ إلى اختبار عينات أقل”.

كما أعاقت الإرشادات عملية الاختبار أيضاً. ومنذ البداية، وضعت كندا وأمريكا معايير لتعريف من يجب اختبارهم -وهم الأشخاص الذين سافروا إلى بلدان تحوي عدداً كبيراً من حالات كوفيد-19، أو تواصلوا مع شخصٍ فعل ذلك. لكن الإرشادات الكندية نصّت على أنّ الأشخاص الذين “لا يتوافقون مع تعريف الحالة، ولكنّهم يُعتبرون مُعرضين لخطر كوفيد-19 بواسطة طبيبٍ مُعالج، سوف يُسمح لهم بالخضوع للاختبار”. لكن الإرشادات الأمريكية لم تنُص على ذلك. إذ اشتكى مئات الأمريكيين على موقع Twitter من أنّهم لم يستطيعوا الخضوع للاختبار، رغم إظهارهم أعراض كوفيد-19.

وكتب جيكوب ميرسكي، الطبيب في مستشفى ماساتشوستس العام، تغريدةً حول أنّ القيود لا تزال تحُدُّ من القدرة على إجراء الاختبارات حتى يوم الجمعة.

“تحدّثت إلى إحدى مريضاتي هذا الصباح. إذ ظهرت في العيادة قبل 10 أيام. وكانت كبيرة السن وتُعاني داء الانسداد الرئوي المزمن، وتستخدم دعم الأكسجين 24 ساعة طوال أيام الأسبوع. وخرجت مسحة الإنفلونزا الخاصة بها بنتيجةٍ سلبية، لكن تبيّنت إصابتها بالالتهاب الرئوي. وأنا مصدومٌ بسبب عجزي عن اختبارها حتى اليوم، لأنّها لا تستوفي المعايير اللازمة”.

ونقل الاتحاد الوطني للممرضين، الذي يُمثّل الممرضين في كافة أنحاء الولايات المتحدة، أنّ أعضاءه مُنِعوا من الخضوع للاختبار حتى في أعقاب اتصالهم بكوفيد-19.

وأبلغت إحدى الممرضات الاتحاد: “اضطررت للانتظار في صفٍ طويل حتى أحصل على النتائج. وهذا ليس توزيع تذاكر في متجر، إنّها حالة طوارئ صحية عامة! أنا مُمرضةٌ مسجّلة، ويجب أن أتأكّد من أنّني لست مُصابة بالمرض قبل أن أعود لرعاية المرضى”.

وحتى في أعقاب تخفيف الحكومة الأمريكية لشروط استيفاء المعايير، وسماحها للأطباء بتحديد هوية من يستحق إجراء الاختبار، أكّد ترامب “إنّنا لا نرغب في أن يخضع الجميع للاختبار، فهذا ليس ضرورياً على الإطلاق”.

أمريكا تلجأ لجهاز سويسري يجعل المعامل تحت رحمة الشركة المنتجة

وتدافعت المؤسسات لعلاج النقص في إجراء الاختبارات. وفي يوم الجمعة، قرّرت إدارة الغذاء والدواء تسريع إنتاج جهاز اختبار جديد من شركة الرعاية الصحية السويسرية العملاقة Roche Holding AG. إذ قال ممثّل الشركة لوكالة Bloomberg الأمريكية: “لقد زدنا بالتأكيد سرعتنا لعشرة أضعاف”.

لكن هذا الاختبار، الذي يعمل على أنظمة كوباس 6800/8800 الخاصة بالشركة السويسرية، قد لا يُساعد في إصلاح مشكلات القدرة على المستوى المحلي.

وقالت كريستا: “إنّها أجهزة تحليل مؤتمتة، لذا فسوف تزيد تكرار الاختبارات بالتأكيد”. لكن العيب يكمُن في أنّ كوباس هي أنظمةٌ مُغلقة، أي “أنّك ستكون تحت رحمة ما تضعه شركة Roche في أنظمتها”. 

وفي حين ستزيد تلك الأنظمة من القدرة داخل المقر الرئيسي لمراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها، فإنّ المعامل المحلية التي تمتلك الأجهزة ستُضطّر إلى الاعتماد على الشركة من أجل الحصول على مواد كيميائية مُحدّدة لتعمل أجهزة التحليل. بينما يسمح المعيار الحالي، الذي تستخدمه كندا والدول الأخرى، للمعامل بالحصول على تلك المواد الكيميائية من أيّ مكان.

وملياردير صيني يتبرع بـ500 ألف مجموعة اختبار

والمشكلة الدقيقة للاختبارات دفعت بالملياردير جاك ما، مؤسس شركة التجارة الإلكترونية العملاقة Alibaba، إلى التبرّع للحكومة الأمريكية بـ500 ألف مجموعة اختبار.

وبدأت بعض مناطق البلاد في التقدُّم بسرعةٍ أكبر. ففي نيو روتشيل بنيويورك، التي شهدت طفرةً في عدد الحالات؛ افتتح الحاكم أندرو كومو مركز اختبار بالسيارة، والذي من المُتوقّع أن يختبر 500 مواطن يومياً في الأسبوع المقبل.

وخلال جلسة استماع الكونغرس حول كوفيد-19 يوم الخميس، لخّص مُدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية أنثوني فوسي الوضع كالتالي: “بخصوص فكرة خضوع أيّ شخص للاختبار بسهولة كما يحدث في البلدان الأخرى -نحن لسنا مُجهّزين لها. هل أعتقد أنّنا يجب أن نكون مُجهّزين لها؟ نعم. ولكنّنا لسنا كذلك”.

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك