أبريل 27, 2024

© Pro Helvetia / Christian Beutler

تُمثل لطيفة الشخش سويسرا في “بينالي البندقية” لهذا العام. في هذا اللقاء، تقول الفنانة: “أبدًا لا تكون الذكريات شخصية فقط، وعدم تمثيل هوية محددة يُعتبر ثراءً”.

هذا المحتوى تم نشره يوم 23 أبريل 2022 – 09:00 يوليو,

ميريت أرنولد

هكذا بدأت القصة: “أردت أن أتعلم العزف على البيانو”، تقول لطيفة الشخش. “يَلزمكِ آلة بيانو”، أجابها فنانٌ صديق، “ومن أجل آلة البيانو تحتاجين إلى شقة، ومن أجل الشقة تحتاجين إلى بلد”، فقررت لطيفة أن تكون سويسرا ذلك البلد.

منذ عشر سنوات، تعيش الفنانة الفرنسية المولودة في المغرب مع أطفالها في مدينتي “فيفي” و “مارتيني”. لا يهم إذا كان أيضًا الحب أو أسبابٌ أخرى جاءت بها إلى سويسرا؛ إنها حكاية جميلة تقودنا مباشرةً إلى الجناح السويسري في البندقية الذي اختطت الفنانة لأجله طرقًا موسيقية جديدة.

تقول لطيفة الشخش: “كانت لديَّ حاجةٌ كبيرة لإعادة تشكيل عملي وفهم كيف كنت أعمل حتى الآن”. يبدو أن الاستراحات في مسيرتها المهنية حتى الآن كانت قليلةً فعلًا. منذ إنهائها دراستها الفنية بداية العشرية الأولى من هذه الألفية، وذلك في فرنسا حيث درست في كل من غرونوبل وليون وسيرجي بالقرب من باريس، كانت تحقق نجاحًا سريعًا بتراكيبها الفنية الكبيرة.

سنويًّا كانت تَظهر في مجموعاتٍ كثيرة وتُشارك كذلك في معارض فردية. في العام 2013 حصلت على جائزة مارسيل دو شامب، وهي أهم الجوائز الفنية الفرنسية، وفي العام 2015 على جائزة زيورخ للفن.

The Concert أو “الحفلة الموسيقية” بالجناح السويسري في الدورة التاسعة والخمسين لـ “بينالي البندقية”. في الصورة عرض تفصيلي للتركيب الفني Installation. Christian Beutler/Keystone

مؤخرًا جرى ضمها إلى برنامج “Pace Gallery”، التي تُعتبر أضخم غاليري في السوق العالمي للفن. أما مشاركتها الفردية في بينالي البندقية فتُعتبر منصّةً للقفز في مياه الفن الدولية.

تعترف لطيفة الشخش بأنه “من الواضح أن بينالي البندقية ليس الوقت المثالي لاستجواب الذات”. كان باستطاعتها الاستمرار بالوسائل المجرَّبة، لكنها استخدمت المشروع لاستكشاف مجالٍ غريب: “بدلًا من العمل كفنانة بصَرية عملتُ كما لو أنني موسيقية”. خلال فترة التحضير التي دامت عامين درَسَت الشخش الآلات والنظرية وتلقّت دروسًا في الغناء. لا يتعلق الأمر هنا بمشاركتها كموسيقية، بل بالأسئلة الأساسية: “ماذا يحصل في كياننا عندما نعزف الموسيقى أو نسمعها؟ كيف نعيش الوقت في الموسيقى؟ وكيف أستخدم هذه الإدراكات في الفن البصري؟”

أعمال فنية من الزمن

كانت الموسيقى حاضرةً في أعمالها الكبيرة منذ فترةٍ طويلة قبل بينالي البندقية. في العام 2012، أنجزَت أولَ “طبل” لها؛ وهو عبارة عن شاشات رسم دائرية بقطر مترين تقريبًا تركَت حبرًا أسودَ يقطّر عليها. العمل بيّنَ الفترة الزمنية في كل حالة: “عندما تسقط قطرات الحبر على الشاشة تنتج نغمة طبل، هكذا وصفت العمل. في الأساس لم أكن أفكّر بالطابع الموسيقيّ. ما كان يهمني هو الفترة الزمنية للقطرة. لكن النتيجة كانت موسيقى”.

تركيب فني بعنوان “The sun and the set” (أي “الشمس والغروب”)‘ لدى عرضه في مدينة شارلوروا في بلجيكا سنة 2020. Leslie Artamonow

قبل أن يتحول تركيز لطيفة الشخش على الموسيقى، كان تركيزها في الواقع، وقبل كل شيء، على الزمنية التي كانت تثير اهتمامها وتعطي لأعمالها طابعًا أدائيًّا. في أعمالٍ مثل جدارية «Cross Fades» أو «The Sun and the Set Series» غطت اللوحة بطبقةٍ من الأسمنت؛ فقط لكي تعود لخدشها في أماكنَ معينة وتكشف عن أجزاءَ منها. أما قطع الإسمنت، فهي تبقى ملقاةً على الأرض كأثرٍ لذلك.

خلال إبداع العمل تكون الفنانة وحدها، لأن ذلك ليس عرضًا مُخصّصًا للجمهور. لكن رؤية مسار العمل تمنح الأعمال الفنية عُمقًا زمنيًّا وتفتح آفاق السرد. ماذا حصل؟ ستبرز اللوحة أم تختفي؟

ما الذي نسمعه عندما تكفّ الأشياء عن الحركة؟

من أجل عرضها في بينالي البندقية، زادت لطيفة الشخش من حدّة هذه المواضيع. ولهذا الغرض استفادت من خبرة وتجربة كل من الملحن وعازف الإيقاع الكسندر بابل ومؤرخ الفن والـ “دي جي” السابق فرانشيسكو ستوكي.

مشهد من تركيب فني بعنوان “Falling, lovely and beautiful” (أو: “السقوط، حلو وجميل”) ، لدى عرضه في “كشك غينت” ببلجيكا سنة 2018. Tom Callemin

«The Concert»، يُسمّى المعرض الذي سيُعلن أخيرًا عن سرّهِ في الثالث والعشرين من أبريل الجاري. لكن مَن ينتظر حضور حفل موسيقيّ، فإنه على خطأ. على الأكثر، ستشعر الزائرات والزائرون كما لو كانوا بعد حفلٍ موسيقي.

عندما يكون المرء مشبّعًا بالموسيقى، لكنها موسيقى تفتتت إلى قطعٍ من الذكريات؛ وعندما ينعكس رنين القطع كأصداء في ذاكرتنا: لازمة، قطعةٌ من كمان، قطعةٌ محددة من طبل، لكن أيضًا انطباعات بصرية، مثل لعبة ضوئية: “في حفلٍ موسيقي لا يكون المرء وحيدًا أبدًا”، تقول لطيفة الشخش، وتضيف: “المرء حشدٌ من الناس يتحركون في الإيقاع نفسه. بعد الحفل الموسيقي أعود وحيدةً. أمتلك ذاكرتي من جديد وتذكّري الشخصي بهذه الموسيقى. ما الذي أسمعه حينما يخيّم الصمت؟”

في هذه اللحظة، تبدأ إعادة تركيب الماضي في السرد الشخصي. يبدو بالنسبة للطيفة الشخش أنه في الخسران، الذي يعني عدم عودة الزمن، تكمن طاقةٌ إبداعية وحريةٌ كبيرة: “بالطبع هنالك سوداوية في عملي لكن الانزياح الزمني يُمكّننا من أن نقف جانب الأشياء ونشعر بها بشكلٍ مختلف”.

لوحة فنية بعنوان Noise and Missing Words (أي ضجيج وكلمات مفقودة) (2014) © Latifa Echakhch

المشترك في الذكريات الشخصية

غالبًا ما تعمل لطيفة الشخش مع الذكريات الشخصية أيضًا. تُرسَم لها صور رحلاتها الملتَقطة بهاتفها اليدوي على ستائر مسرح ضخمة فتقوم بربطها بأشياء شخصية تَطليها بالحبر الأسود: “أستخدم مثل هذه الأشياء كمنطلق لذكرياتي، وهنا لا يتعلق الأمر بقصتي الشخصية. جميعنا نشعر بأننا متفردون، لكننا في الحقيقة نحمل الكثير من المشترك؛ أول لقاء حب مثلًا ليس أمرًا متفرّدًا. أحاول أن أفهم ذكرياتي ومشاعري بشكلٍ دقيق، لأجد فيهما المشترك مع الآخرين”.

ترتقي الشخش بالشخصي إلى السياسي. التذكّر الذي يشير إلى أشياء كثيرة من بينها خلفيتها المهاجرة، مرتبط أيضًا بـ “الاستلاب”؛ هكذا هو عنوان إحدى مجموعاتها الفنية. عندما جاءت وهي في سن الثالثة إلى مدينة آكس لاي بان (Aix-les-Bains) الواقعة في جبال الألب في مقاطعة سافوا، توقف والداها عن الحديث باللهجة المغربية في المنزل. سعَيَا إلى أن يندمجا هما وأطفالهما اندماجًا تامًّا وتحمّلا خسران ثقافتهما: “ما يعتبره الكثيرون تعددية ثقافية إيجابية لم يكن بالنسبة لي تعدّدًا ثقافيًّا على الإطلاق، لقد عشت الازدواجية مثل الكثير من الوافدين، لا أنتمي، لا لهذه الثقافة ولا لتلك”، تروي لطيفة الشخش، التي تعبّر في الكثير من أعمالها عن هذا الفقدان.

لوحة فنية بعنوان Dérives (أي انجرافات)، 2015. ©Reinhard Haider

على سبيل المثال في سلسلة الرسوم «Noise and Missing Words»، من العام 2018، لم يتبقَّ من النصوص الشعرية العربية سوى علامات التشكيل. في العام 2007 نشأ أول عمل من مجموعة «Dérives»، حيث تعاملَتْ مع فنون الزخرفة والعمارة الإسلامية. رسمَتْ على الأرض بمادة القطران شكلًا هندسيًّا كبيرًا جدّا، إلى درجة لم يعد معها من الممكن استيعاب كامل الشكل. لاحقًا قامت بتطوير الموضوع على شاشةٍ مستخدمةً مادّة الإكليريك. تَظهر الخطوط مثل آثار الفنانة التي تتشوش الطرق إلى جذورها الثقافية، وكتجوالٍ بلا هدف، ذلك التجوال الذي حاول من خلاله “الموقفيون” في ستينيات القرن الماضي اكتشاف المدينة.

الثراء هو أن لا أمثّل شيئًا

سابقًا كانت لطيفة الشخش تحب أن يكون لها هوية واضحة: “كنت أحب أن أقول نعم أنا مغربية، نعم أنا فرنسية، أو الآن، نعم أنا سويسرية. لكن ذلك ليس صحيحًا. اليوم أنا ألاحظ بأنه ثراء كبير أن لا أمثل شيئًا، بل أكون في كلّ مكان، وليس في أيّ مكان”.

عمل فني بعنوان “فنتازيا” (علم فارغ، أبيض) في معرض نظم تحت مسمى “ILLUMInations” (أي إضاءات) في إطار بينالي البندقية لعام 2011. © 2011 Roberto Marossi

في العام 2011 كانت الفنانة أعطت في بينالي البندقية توضيحًا لفكرة الانتماء الوطني، وذلك من خلال عملها البارز «Fantasia» ، فقد زرعت الطريق في “جيارديني” طولًا وعرضًا بسَوارٍ دون أعلام. على الرغم من ذلك فإنها تدرك بأن مشاركتها في الجناح السويسري كـ “ممثلةٍ لسويسرا” له معنى مختلف: “قررتُ أن أعيش في سويسرا. كانت هذه هجرتي وليست هجرة والديَّ الفرنسيَّيْن. بالإضافة إلى ذلك فأنا جزءٌ من تاريخ الكثير من الفنانات الأجنبيات والفنانين الأجانب الذين شكلوا الثقافة السويسرية”.

بدون موسيقى حقيقية على الإطلاق لا يمكن أن يُقام عملها «The Concert» ويمضي. بمناسبة المعرض تصدر أسطوانة تحتوي على قطعة موسيقية مدتها إحدى وعشرون دقيقة، كان الكسندر بابل سجلها في برلين مع عدة موسيقيين: “المرء يسمع موسيقى وفضاءات الأجنحة وحصى “جيارديني” وصدى أحاديثنا. الأسطوانة تختصر بحثنا الذي دام عامين، وذلك في مدوَّنةٍ موسيقية”، تقول لطيفة الشخش بنشوة واندفاع ثم تختم: “عندما سمعت الإسطوانة شعرت بأنني أتحسّس ما عشته خلال السنتين الماضيتين من إيحاءٍ نَغَمي”.

مقالات مُدرجة في هذا المحتوى

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد:

اقرأ ايضاً: أفضل اشتراكات القنوات العربية (عالية الجودة)

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك