مايو 2, 2024

في مفاجأة مدوية -ربما لم يتوقعها حتى صناعه- فاز فيلم “كودا” (Coda) بأوسكار أفضل فيلم، بعدما تنافس مع 9 أفلام أخرى ذات ميزانية كبيرة شارك فيها أشهر النجوم.

كودا عمل صغير يشبه الأفلام  التي اعتدنا على مشاهدتها على قنوات التلفزيون المحلية في صغرنا، فهو فيلم أميركي يقدم قصة فتاة مراهقة في المدرسة الثانوية، ويقدم حقائق الحياة القاسية مغلفة بوعاء من المشاعر اللطيفة التي تخفف الألم، ولكن في داخل هذا الإطار بعض من التجديد الذي ربما جعله يستحق مكانته في قائمة الأفضل.

كودا (Coda) اختصار إنجليزي لعبارة (Child of Deaf Adult) أي “ابن لشخص مصاب بالصمم”، ومن هنا يبدأ تفرد الفيلم، فهو أول عمل يترشح لجائزة أوسكار أفضل فيلم أغلب طاقمه من الصم، ولكن الأمر لم يتوقف عند اختيار الممثلين، لكن الأهم طبيعة أزمات شخصيات العمل بسبب هذه الإعاقة، وكيفية تعامل صناعه معها.

عُرض فيلم كودا لأول مرة 28 يناير/كانون الثاني 2021 في مهرجان صندانس السينمائي. وحصلت “آبل” (Apple) على حقوق توزيعه مقابل 25 مليون دولار في المهرجان. وتم إصداره في دور العرض وعبر خدمة البث “آبل تي في بلس” (+Apple TV) في 13 أغسطس/آب 2021، ليصبح أول فيلم عُرض على منصة إلكترونية يفوز بجائزة أوسكار أفضل فيلم، وتفوز آبل في الحرب التي خاضتها “نتفليكس” (Netflix) أكثر من مرة لتحقيق شروط الجدارة لأعمالها في الأوسكار والمهرجانات السينمائية.

كودا قصة تشبه ولا تشبه كل القصص

من أول وهلة يظهر فيلم كودا كفيلم “بلوغ” أو ما يطلق عليه (Coming-of-age) وهي الأفلام التي تتناول شخصيات في مرحلة المراهقة، وصعوباتها في تحديد ماهية شخصيتها خلال فترة تحفل بالكثير من التغيرات الهرمونية والحياتية، فأحداث الفيلم تتمحور حول المراهقة “روبي” التي تدرس في السنة الأخيرة من المدرسة الثانوية وتمتلك موهبة كبيرة في الغناء، ولكن في الوقت ذاته مقيدة بعائلتها التي يعاني كل أفرادها الصمم ما عداها، فتحولت مع الوقت إلى المترجم المعتمد لهم في تعاملهم مع العالم الخارجي، وحجر الأساس في بقائهم عائلة متماسكة.

لدينا هنا كل قواعد هذا النوع من الأفلام، الفتاة المراهقة ذات الملامح العادية والقلب الدافئ والموهبة الكبيرة، العائلة المتطلبة لكن المُحبة، الزميل الوسيم من المدرسة الذي تبدأ بينهما قصة عاطفية مبتسرة، والمعلم الملهم الذي يدفعها تجاه تحقيق أحلامها.

ولكن المخرجة سيان هيدر لديها عامل إضافي استطاعت عبره إضفاء المزيد على فيلمها البسيط المقتبس في الأساس من فيلم فرنسي، وهو إعاقة أفراد العائلة، التي عززتها بأن هواية الابنة معاكسة تمامًا، وهي الغناء؛ هواية لا تستطيع مشاركتها مع أقرب الناس إليها، ولا يفهمون حتى ماهيتها، مما أدى إلى صراع المراهقة النفسي بين رغبتها في حماية عائلتها للأبد، وشعورها بالواجب تجاههم، وأمنيتها الخفية أن تستطيع يومًا فرد أجنحتها، والطيران بعيدًا نحو مستقبلها الخاص كأي مراهقة أخرى.

اقتباس وخيارات خاصة

فيلم كودا هو النسخة الأميركية من فيلم فرنسي بعنوان (La Famille Bélier) الذي قدم القصة ذاتها عام 2014، وحقق نجاحا تجاريا كبيرا في فرنسا، ولم تلتزم مخرجة النسخة الأميركية سيان هيدر بكل تفاصيل النص الفرنسي، بل أجرت بضع تغييرات، مثل طبيعة عمل الأسرة، والبلد التي يقيمون فيه، لكن الجديد هنا -والذي يصنع كل الفارق- هو طاقم الممثلين.

ففي حين تم تمثيل العائلة في الفيلم الأصلي من ممثلين يتمتعون بكامل قدراتهم الجسدية، ما عدا الأخ الذي تم تقديمه من قبل الممثل الأصم لوكا جيلبيرغ، فإن الفيلم الأميركي من بطولة فنانين مصابين بالصمم بالفعل، وهي مجموعة فنية مثيرة تتكون من مارلي ماتلن الحائزة على جائزة الأوسكار، والممثل تروي كوتسور الذي حصل عن دوره هذا على أوسكار أفضل ممثل في دور مساعد، ودانيال ديورانت، مما أضفى على الاقتباس نوعًا نادرًا من الأصالة.

كذلك 40% من نص الفيلم مكتوب بلغة الإشارة، مع إضافة ترجمة على الشاشة، مما يعتبر أفضل تقديم ممكن لشخصيات صماء في السينما العالمية، وجعل سيناريو الفيلم مختلفًا بشكل قد يكون الدافع وراء حصوله على جائزة أفضل سيناريو مقتبس.

ولكن على الرغم من ثقل الموضوع الذي يتناوله فيلم كودا، من الإعاقة التي تعاني منها الأسرة، وأزمة الفتاة المحتارة بين الذهاب لجامعة يحلم بها أي هاو للفنون مثلها أو البقاء مع أسرتها، فإن الفيلم فرض على نفسه الكثير من المحاذير التي تمنعه من الانغماس في أي مشاعر حقيقة.

ظل الفيلم طوال الوقت على مسافة من الحزن، فكل موقف يدعو إلى إثارة مشاعر المشاهد أو تعاطفه ينتهي بخاتمة ملطفة، حتى لو كانت منافية للمنطق.

وضع صناع الفيلم عملهم في خانة “الأفلام المثيرة للراحة” (Feel Good Movie)، وهي تلك الأفلام التي قد يخرج المشاهد من تجربة مشاهدتها باكيًا لكن في الوقت ذاته مفعمًا بالمشاعر الإيجابية، ها هنا في “كود” تشاهد عائلة تعاني من إعاقة جسدية لكن سعيدة ومحبة ودافئة، ابنة يتم استغلالها منذ الطفولة، استخدمها ذووها كحاجز بينهم وبين العالم، لكن سيذهبون بها إلى امتحانات الجامعة و يدعمونها، وابن أصم وضعه والداه في منزلة متدنية طوال الوقت، في مقابل الابنة التي تسمع والقادرة على مساعدة الأسرة، لكنه يصر على إثبات قدرته أمام ذويه ويظل بجانهم للنهاية.

كل أزمة صغيرة نشأت في الفيلم تم حلها في المشهد التالي، فلم يعط العمل الفرصة للمشاهد حتى يتفاعل مع أزمات أبطاله، كما لو أنه يحميه من هذا العالم الفيلمي، وربما كان  “كودا” أفضل تمثيل حتى الآن قدم لفئة المصابين بالصمم في السينما، لكنه بالتأكيد ليس عملًا حقيقيًا بشكل تام، لأنه غلف مأساتهم بغلاف من البهجة والمحبة وخفة الظل.

ربما سيظل فوز فيلم “كودا” بأوسكار أفضل فيلم لغزًا للأجيال القادمة من محبي السينما، فمن بين 10 أعمال منها أفلام لمخرجين مخضرمين مثل ستيفن سبيلبيرغ وبول توماس أندرسون وجييليرمو ديل تورو، فاز الفيلم الروائي الثاني للمخرجة الأربعينية سيان هيدر، محققًا مفاجأة تفوق الخيال.

مزيد من الأخبار http://www.qamishly.com

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك