أبريل 19, 2024

كلنا شركاء: عبد الرحمن عرفة- أراجيك
أثناء كتاباتي لهذا المقال البسيط، هناك نظام تقنين كهربائي جائر أمرّ فيه أنا إضافةً لـ 20 مليون إنسان سوري آخر، هذا التقنين جعلَ من الكهرباء تشرق لمدّة ساعة ومن ثم تغيب لمدّة 5 ساعات وهكذا دواليك!
لا أريد أن أشاركك بالمعاناة والأحزان، فأنا لست من هذا النوع من البشر الذي يبكي وينوح ويلطم، لكني أردت أن أوضّح لك شيئاً بسيطاً لكي تكون على دراية بمُجريات المقال وخلفياته.
في سوريا الكهرباء هذا حالها، وهي أبسط الخدمات الواجب توافرها، فما بالك إذاً بما هو حال العلم والتعليم في هذا البلد الجريح!
قطعاً كان له نصيب وافر من التقنين والتقشف إضافةً إلى الضمور والتآكل، فالجامعات السوريّة هبطت على المقياس العالمي لأكثر من ضعف الترتيب السابق لها!
لكن بالرغم من كل المآسي، وفي ظل كل شيء قميء قد تعيشونه شخصيّاً أو تشاهدونه على شاشات التلفاز، فإن الأمل لا يزال موجود عند الكثير من الشباب الجامعي القاطن في سوريا، فهم لم يَقفوا مكتوفي الأيدي أبداً، بل بدأوا بالمساهمة في إعادة المستوى العلمي إلى حاله، حتى لو كانت خطواتهم في البداية بسيطة وصغيرة، إلا أنها مُهمة وعلى طريقها الصحيح!
ولعلَ مِن أبرز ما فعله الشباب الجامعي في ظل الوضع الراهن، هو إقدامهم على إنشاء العديد من المُبادرات التعليميّة الجامعيّة التي تهدف إلى رفع مستوى الطالب الجامعي، وإخراجه من القوقعة التقليدية للعلم والدراسة.
ومن أهم وأضخم هذه الفرق التعليميّة كان فريق (كريات الدم الحمراء)، الذي بدأ كـ كريّة بسيطة ثمّ تكاثرت لتشمل عدّة كريات أخرى، ومن ثم كبرت وتوسعت حتى شملت الجامعات السوريّة على اختلاف فروعها!
لا أريد أن أطيل في المقدمة فهناك الكثير من الكلام لأقوله في صلب الموضوع، لكن يجب عليّ أن أخبركم بأن جميع مَن في سوريا يحاول أن يُثبت نفسه بعدّة طرق لعل أبرزها كان الرصاص، أما ما سأسلّط الضوء عليه الآن، مجموعة من الشبان الذين أثبتوا أنفسهم بما هو أقوى من الرصاص والبارود، ألا وهو العلم!
فإليكم ماذا فعلوا، وماذا سيفعلوا، ومن هم وكيف يعملون؟!

التحوّل من الدراسة الورقيّة إلى الإلكترونيّة
تحدثت في البداية عن وضع الكهرباء وعن مدى جوّدته في سوريا، لكن مع كل هذا لم يكن الأمر عائقاً أمام هؤلاء الكريات الحمراء من أجل مواكبة عجلة التطوّر العلميّة والتعليميّة في مُتعلّقات الدراسة وشؤونها.
ثورة الإنترنت والحواسيب والأجهزة الذكيّة، جعلت من الورق شيئاً قديماً سينقرض في الأيام القادمة لا محالة!
فسهولة التصفح والسرعة في الأداء وعدم القابليّة للاهتراء جعلت من الإلكترونيات بديلاً قوياً وشرساً عن الورقيّات في كل شيء، وفي الدراسة كمثال.
لكن دائماً التغيير يكون صعب ومُمل وبطيء، لذلك يُنبذ وتُنبذ فكرته بسبب الصعوبات التي قد تعترض الطريق، لكن وبكل جرأة وبطريقة ربما غير مباشرة، مَهد فريق الكريات الحمراء لعصر تعليمي جديد سينبثق بلا شك في المستقبل القريب، وهو عصر التعليم الإلكتروني.
جَعل فريق الكريات الحمراء مبدأه التعليم الإلكتروني، ولا سيما أنه أكثر سهولة وسلاسة، فالكتب الطبيّة والمراجع وغيرها، أصبحت تُختزل بشكل مُبسط وواضح في ملفات PDF مُجزّأة على شكل ملفات صغيرة سهلة الدراسة وشهيّة الحفظ وأهم شيء أنها غير مُكلفة أبداً، بل مجانيّة!
الخطوة عظيمة حقاً، لا سيما أن العين تحفظ وتدرس قبل العقل أحياناً! فهناك فرق كبير بين محاضرة ورقيّة مُهترئة أكلها الطالب وبلعها عدّة مرات، وبين المحاضرة الإلكترونيّة الملوّنة المليئة بالرسوم التوضيحيّة والروابط!
مهما كان التعلّق بالورق قوياً إلا أنه سيأتي اليوم الذي سينقرض فيه حتماً، فصحيفة الانديبندنت البريطانيّة لم تعد تُصدر نسخة ورقيّة لأنها أدركت واقع الأمر من أوله!
الكريات الحمراء ليسوا في بريطانيا، وليسوا في مثل ظروفها، ولا بمثل ظروف جزر القمر حتى، إلا أنهم فعلوها في ظل ظروف شبيهة بألمانيا النازيّة عندما اجتاحها الحلفاء.
هناك أمل، وهناك فريق، وهناك عمل!
تعزيز فكرة أن هناك شباب مُبدع ويستطيع ويقدر!
في الوطن العربي بشكل عام، هناك قاعدة غير مُصرّح بها تقول بأنه لو أنك أردت أن تكون في منصب – تعليمي مثلاً – يجب أن يكون لديك عدّة صفات من أبرزها:

لديك قدمان، الأولى منهم في الحياة والأخرى في القبر.
شعر أشيب، تفكير أثري، والكثير من رفض الجيل الشاب.

وصفات أخرى قميئة، لكن ما يهمني في مجال التعليم هم هاتان الصفتان فقط، لا أعرف مَن أتى بهذه الأمور وجعلها قوانين مُقدسة وَجب إتباعها، لكن يمكنني القول بأن هذه القاعدة وأمثالها قد تم نسفها على يد أعضاء هذا الفريق وغيره من الفرق.
لقد أثبتوا – بأعمالهم وليس بأقوالهم – أن هناك شباب، وشباب مُبدعين أيضاً، يمتلكون نظرة أمل للأمور بالرغم من كل السواد من حولهم، يمتلكون أهم سلاح غاب عن أصحاب الشعر الأشيب والعقول المتحجّرة والشوارب الكثّة، هذا السلاح يُقال له الأمل!
الكريّات الحمراء أثبتوا أن الشباب قادرين على فعل الكثير، وأنهم قادرين على فعل ما عجز الكبراء عن فعله حتى! بالرغم من بساطتهم وبداية مشاورهم إلا أنهم يمتلكون الكثير والكثير ليقدموه!
يمتلكون الأمل، ومن يمتلك الأمل يمتلك كل شيء!
هناك شيء يُسمّى يوتيوب!
كما قلت، هؤلاء أصحاب الشعر الأشيب والشوارب الكثّة والوجوه المُتجهّمة، لم يسمعوا بشيء يُسمى مواقع التواصل وغيرها، بل على العكس يعتبرون هذه الأمور صفات سلبيّة توصم صاحبها بالعار، فالأمر أشبه بالذين قالوا عند بداية ظهور التلفاز أنه يُسطّح العقول، وهؤلاء نفس الأمر فعلوا لكن مع مواقع التواصل بحكم اختلاف الأجيال.
نهضة التعليم تقوم على مبدأ المواكبة، ومن أبرز ما هو مُفيد خصوصاً في ظل هذه الظروف صعبة، هو مواقع التواصل الاجتماعي، فالعجز عن التواصل الواقعي قد تم حلّه بسبب هذه المواقع!
ولعلَ اليوتيوب كان أبرز المواقع المهيمنة في الموضوع، فأمور الدراسة المتعلقة برفع الفيديوهات المهمة لدى الطلاب خصوصاً الكليّات الطبيّة وما يحتاجون إليه من أمور التشريح والأعضاء وغيرها كانت قد حُلت بسبب اليوتيوب وأمثاله!
مواقع التواصل أصبحت واقعاً صلباً أمام أعين الجميع، قمة الغباء أن ترفضها، وأعلى من قمة الغباء أن تعتبرها عار!
كل شيء له جانب مشرق وجانب مظلم، هؤلاء الكريات أضاءوا الجانب المشرق، ليس بالقنابل الفسفوريّة والمُشعّة، بل أضاءوه بالعلم!
الحل هو التطوّع!
أحياناً قد تفتح التلفاز على أحد البرامج التي تعرض جوانب من الحياة في الغرب، فتندهش من بعض أفعالهم، ولا سيما أنهم يساهمون – أحياناً بشكل جنوني – في أمور التطوّع والمبادرة، ولا تندهش إن رأيت العديد من العناوين على النمط التالي:

مُبادرة (…) لحماية دببة الباندا ومنع انقراضه.
حَملة (…) لتعزيز دَخل المتقاعدين عن العمل.
فريق (…) الطوعي لأجل حماية الأشجار.
فريق (…) لأجل تلقيح ذكور العناكب المصابين بالعمى.

وعدّة أسماء أخرى قد تعتبرها أنت فوريّا بعجرفتك العربيّة التي ورثتها بأنها سخيفة وتافهة، لكن يجب الاعتراف بأن مثل هذه الأمور – التافهة – بنظرك هي من صنعت الغرب ومن صنعت تقدمهم!
التطوّع هو الشيء الوحيد الذي يجعل الفرد يشعر بأنه قادر على التغيير، فعندما تتطوّع في مُبادرة لوقف قطع الأشجار وتنجح المبادرة ويُمنع قطع الأشجار، تلقائيّاً ينبعث إليك شعور مفاده أنك تستطيع أن تغيّر، تستطيع تُعدّل أموراً وجدتها خاطئة ويجب تصحيح مسارها!
الكريات الحمراء، والمبادرات السوريّة الأخرى عززت من هذا الشعور لدى الشباب، ربما يكون الأمر خجول وفي مراحله الجنينيّة لكن أول الغيث قطرة وكل شيء يبدأ صغير ثم يكبر ويكبر ويـ …
التركيب النفسي للإنسان يجعله يُقدم لفعل الخير ليس لذات الخير، بل لأن فعله الخير يمنحه شعور الرضى والقناعة، والتطوّع سبيل عريض جداً لأجل الحصول على مثل هذه الأمور.
التطوّع لأجل إفادة الزملاء بموضوع الدراسة والعلم، ولا سيما في ظل ظروف مُقرفة وقاهرة وتعيسة، سيجعلك تفخر بنفسك وتعتز بها، ولو أنكر البعض ذلك!
البداية مع الدراسة لكن النهاية مع القراءة!
لن يُهزم إنسان يقرأ، لكن ليس كل قارئ قارئ، فنمط قرّاء أحلام مستغانمي وغيرها من أصحاب الأدب النسائي السخيف الذي لا يخدم قضية سوى تحقيق نسبة أرباح عالية لأجل كاتب وكاتبة يُعانون من أعراض سن اليأس، ليس قراءة بل تضيّع للوقت!
مهما كان الشاب مُتزمّتا في دراسته إلا أنه يحتاج إلى مَنفس ومُستراح، يحتاج إلى فسحة هدوء بعيداً عن الدراسة وأكاديميتها، بعيداً الزملاء ومتاعبهم، بعيداً عن كل شيء آخر اعتاد فعله بشكل روتيني مُمل.
وكاقتراح لأفضل صديق في فترة الراحة والهدوء هذه، كان للكريات الحمراء العديد من الاقتراحات المُفيدة والهادفة لأجل تشكيل جيل قوي متين مُثقف متعلم وقارئ!
مشاريع القراءة ومطالعة خير الرفيق والجليس، هي من أبرز أهداف هذا الفريق وأكثرها رواجاً.
على الرغم من أن الموضوع متعلّق بمدى تقبّل الجمهور للأمر، فبالنهاية لا يستطيع أحد أن يُغني عندما يكون المستمعين مجموعة من الطرشان! إلا أنني لا أعتقد أن الإنسان الجامعي لا يقرأ، ولو كتاب واحد في السنة، حتى لو كتابه الجامعي، المهم أن تقرأ شيئاً بدافع الحب والعلم والرغبة في التحسين!
الأمر بدأ بالدراسة، لكن وكعادة الشباب هناك تفرعات كثيرة ومُقترحات جميلة انبثقت من نواة الفريق، وفي مجملها هي هادفة وذات قيمة حقيقيّة.
الكلام ليس كلامي، بل كلام أحد مسؤولي الفريق المتواجدين في دمشق، هناك قراءة وهناك مواهب وهناك أمور كثيرة أخرى!
المهم أن الوصفة موجودة لديهم، ومن معه الوصفة لن يتوه ولن يضيع أبداً!
الديمقراطية لها حصة في الفريق أيضاً!
من الأمور المشرّفة التي قد تراها في فريق شبابي، في ظل وضع مأساوي، هو أنهم فريق يتمتع بروح عالية من الديمقراطيّة وحريّة الانتخابات! ولو أن الأمر بسيط، لكن المعنى عميق، وعميق جداً أيضاً!
لديهم انتخابات دوريّة ومستمرة لاختيار قادة الفريق وفقاً لعدد التصويتات، فهذا الأمر الذي للمرة الثانية وبعجرفة العربي الموجودة في الجينات قد تعتقد أنه أمر تافه، إلا أني سأخبرك بشيء صغير سيغير رأيك.
طبيعة الإنسان تجعله يحب الاستبداد بكل شيء لنفسه، وإن لم تعترف بهذا الشيء فإنك أساساً لم تجرّب أن توضع في منصب سلطة في يوم ما، ولو منصب صغير، كركوبك السيارة بجانب والدك!
الإنسان ظالم ومُستبدّ ولكن هناك شيء واحد يُهذبه ويجعله يتخلى عن غطرسته هذه، وهذا الشيء هو العلم!
كذبَ مَن قال أنّ الأمم تنهض بأمور أخرى غير العلم، العلم هو السبيل الوحيد والحصري للنهوض، غير ذلك صدقني هو (كلام جرائد) كما يُقال في اللغة العاميّة التي نعرفها.
رغماً عن كل شيء، الفريق ديمقراطي ومُنتخب، هناك مبادئ شريفة يلتزمون بها تجعلك تشعر أن مستقبل سوريا سيكون مُشرقاً بقدر ما هو بائس الآن!
عندما قُصفت لندن أثناء الحرب العالميّة الثانية، قال تشرشل مُخاطباً شعبه، هل التعليم لا يزال بخير؟ قالوا نعم، فقال إذاً كل شيء على ما يرام.
وهذا فعلاً ما حدث، كان كل شيء على ما يرام، انتحر هتلر وانتصر تشرشل ومن معه وبقيت بريطانيا بريطانيا!
العلم له رجاله، عفواً أخطأت مرةً أخرى، العلم له ” شبابه “، شبابه الناشئين على مبادئ نزيهة صنعوها بأنفسهم، بالرغم من كل شيء عايشوه وسيعايشوه وربما لمدّة قد تطول وتطول وتطول!
الكريات الحمراء فريق بسيط أثبت جدارته ليس بالرصاص كما يحاول الجميع أن يُثبت نفسه، بل بالعلم والرغبة في النهوض بالمستوى التعليمي نحو الأفضل والأرقى.
ربما الأمر بدأ بكريّة حمراء واحدة ومن ثمّ كريّات، إلا أنني أرى بوضوح خضاب دم كامل قد نشأ من لا شيء! خضاب دم أنشأ معه جهازاً مناعياً سيساهم حتماً في تكوين شاب سوري متعلّم ومثقف وديمقراطي أيضاً!
المدّة لا تهم والتوقيت فليذهب إلى الجحيم، أياً كانت الأمور وما ستؤول إليه، المهم أن هؤلاء الشباب الحالمين موجودين، وأن الوصفة معهم وهذا الأمر بحد ذاته كافٍ!
انتهى المقال، وانقطعت معه الكهرباء، لكن تذكّر دائماً أن هناك شبّان لديهم مشاعل فكريّة لن تنقطع كهرباءها مُطلقاً ولن يجّف عودها أبداً.
بهؤلاء نحن سننهض، وليس بغيرهم!
اقرا:
أثمن الأشياء على كوكب الأرض مواد ومقتنيات لا يمكن أن تخطر على بالك.. اقرأ!



المصدر: كريات الدم الحمراء: فريق تطوّعي سوري نهض بمستوى التعليم في ظروف مأساويّة

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك