أبريل 29, 2024

اللاذقية- كامل عباس: كلنا شركاء
أصدر رهط من المثقفين السوريين – كتّابا وصحفيين وفنانين – بيانا بتاريخ 15/9/2016 حول الاتفاق الأمريكي الروسي بخصوص الوضع السوري .
إن الفنانين والكتاب هم أكثر الناس تحسسا لقضايا شعوبهم وشعورا بآلامها في كل زمان ومكان, ولكنهم  ليسوا الأمثل لخدمة قضاياها سياسيا, بل قد تضر بها أحيانا حساسيتهم الزائدة كما هو باد في البيان الذي نحن بصدده   .
واذا تجاوزنا لغة البيان التي تنطلق من الأخلاق والقيم والمعايير الانسانية – وصلت اللغة حد الشتيمة لرئيسي اكبر دولتين في العالم بوصفهما من معدومي الانسانية – لقلنا أن البيان يقرأ حركة التاريخ من منطق يساري يرى بالطبقة العاملة وحلفاؤها هم مشعل التاريخ وليس الطبقات الوسطى, ويتبنى مفهوم الثورة في التغيير الاجتماعي وليس الاصلاح , ولا يجيد فهم توازن القوى بين السلسلة الايجابية والسلسلة السلبية على الأرض, ردّت الحياة على مفهوم الأمبريالية الذي يتبناه البيان وخاصة في منطقتنا , فإسرائيل صنيعة الأمبريالية تبدو الآن بعين المواطن العفوي العادي أرحم بالشعب الفلسطيني قياسا بما فعلته الديكتاتورية بالشعب السوري . نسأل الأعزاء الذين يدعون الى تغيير العالم , من هي القوى التي ستغيره ؟ اليست موجودة في تلك الدول الموصوفة امبريالية ؟ ام أنكم تعولون على دور حركات التحرر في ذلك التغيير ؟
ان الأزمة بين روسيا وأمريكا حول سوريا ليست سوى الجزء العائم من جبل الجليد حيث الصراع بينهما كأكبر قوتين عسكريتين على هذا الكوكب – كون القوة هي التي تتحكم بمسار التاريخ وليس القانون حتى الآن –  من أجل تكييف النظام العالمي الجديد بما يخدم مصالهما ومصالح راس المال العالمي –  والبيان كان محاولة للوصول الى ذلك التفاهم بدءا من سوريا .
أما سبب الأزمة الحقيقية فهو منطق التطور الذي يلح على حاجة البشرية لكي يتقدم القانون درجة اضافية على حساب القوة كما تقّدم بعد الحرب العالمية الأولى والثانية مما يفسح المجال لإجراء تنمية اجتماعية عريضة لصالح الانسان وحقوقه تكون قادرة على اخراج القرية الكونية الحالية من عنق الزجاجة التي وضعتها بها القوى الطبقية الفاسدة وسبّبت مشاكله على صعيد الاقتصاد والسياسة والارهاب والبيئة .  واذا كانت امريكا  مثلا لا تمانع  من التنازل ولو قليلا في الاقتصاد والسياسة وحقوق الانسان من أجل الحفاظ على الهيكل الرأسمالي , فان روسيا تصر على استعمال القوة العارية الممثلة بعضلاتها العسكرية لفرض شروطها كما كان الأمر ايام الأمبراطوريات القديمة . لم تكن الثورة السورية سوى القشة التي تكاد تقصم ظهر البعير بين الدولتين حيث أظهرت عجزهما عن حماية المدنيين من القصف العشوائي ومن ورائهما مجلس الأمن المناط به احلال الأمن والسلم الدوليين . واذا كانت امريكا والغرب تدعم روسيا بشكل غير مباشر من اجل أن تعيد الشعب السوري الى بيت الطاعة الأسدي فان استعمال القوة المفرطة من قبلها وصل الى درجة قد تقلب الطاولة على الجميع .
لانعلم كيف ستحل المشكلة بين الدولتين وهل ستتطور الأمور الى حرب عالمية ثالثة يتقدم بها القانون درجة اضافية كما تقدم بعد الحرب العالمية الأولى والثانية , ونشهد ولادة مجلس أمن جديد لا فيتو فيه لخمس دول قوية تستعمله وفقا لمصالحها وليس وفقا للحفاظ على الأمن والسلم الدوليين , ام ان حضارة وثقافة الجنس البشري ستضغط على القوتين من اجل ذلك التفاهم عبر السلم وليس عبر الحرب .
ما نعلمه أن التفاهم بين رسيا وأمريكا ومن ورائهما الأقوياء في المجتمع الدولي من اجل تقاسم المنطقة والعالم قد يخرجنا من المولد بلا حمص رغم كل تضحياتنا لأن القوانين الاجتماعية تعمل بهمجية اشد من همجية القوانين الطبيعية اذا لم نستطع فهمها  من أجل اتقاء شرها ,
الكرة الآن في ملعب الديمقراطيين والعلمانيين السوريين أمثال الموقعين الذين دفعوا من حياتهم سنوات طوال عرفوا فيها الملاحقة والسجون من اجل الخلاص من الحكم الأسدي كما يقول البيان بحق , حيث يجب عليهم ان يراجعوا حساباتهم من أجل مساعدة شعبهم , فالمجتمع الدولي لن يساعدنا اذا لم نساعد أنفسنا .
على سبيل المثال لا الحصر أصدر اعلان دمشق عام 2005 وثيقة كان للمثقفين العلمانيين والديمقراطيين دور اساسي فيها وقد اقترحت منذ ذلك الوقت خطة لدفع بسوريا دولة وشعبا كي تلتحق بالعصر ومما جاء في احدى فقراتها
بناء دولة حديثة، يقوم نظامها السياسي على عقد اجتماعي جديد. ينتج عنه دستور ديمقراطي عصري يجعل المواطنة معيارا للانتماء، ويعتمد التعددية وتداول السلطة سلميا وسيادة القانون في دولة يتمتع جميع مواطنيها بذات الحقوق والواجبات، بصرف النظر عن الجنس أو الدين أو الإثنية أو الطائفة أو العشيرة، ويمنع عودة الاستبداد بأشكال جديدة.
واذا كان النظام السوري قد ضّيق على كل أنصار الوثيقة وحاصرهم ومنعهم من تفعيلها على الأرض فما هي حجتهم بعد نشوب الثورة وظهور مناطق محررة في سوريا تخلو ممن يحملون تلك الرؤيا وتبنى فيها مؤسسات تدار وفق الشرع الالهي الذي يعد درجة الى الوراء قياسا بالمناطق التي تدار من قبل النظام . واذا كان الجوار الاقليمي والدولي قد وقف مع هؤلاء ومّدهم بالمال والسلاح ليقطع الطريق على من يريد أن تدار تلك المناطق وفق عقد اجتماعي جديد في سوريا قائم على المواطنة خوفا على امتيازاتهم,  فما هي حجتنا الآن  بعد أن بدا العالم يتكلم عن حاجة سوريا لنظام علماني وديمقراطي لأنه وجد أن من دعمهم أصبحوا يشكلون خطرا على مصالحه في المنطقة أكثر من خطر الدول المدنية أو على الأقل يوازيها .
لقد أصدرت الهيئة العليا للمفاوضات وثيقة لا تقل عمقا عن وثيقة اعلان دمشق الأولى تتبنى نفس مفهوم وثيقة الاعلان وترسم خارطة طريق لبناء تلك الدولة وتطلب مساعدة العالم لها لتنفيذ ذلك أيمانا منها بان الرأي العام العالمي وثقافة وحضارة البشرية أصبحتا قوة لايستهان بها امام القوة العسكرية , ولكن استمرارنا على نفس الفهم الذي صاغه بيان المثقفين سيجعل الفرصة تضيع كما ضاعت فرصة الوثيقة الأولى .
ما احوجنا في الداخل السوري الى تشكيل جسم وازن يتمحور حول دولة مدنية يُسهل على الهيئة اقناع العالم بمساعدتنا ويجعلها بعيونهم ذات مصداقية في طرحها وليست اداة سياسية لقوى خارجية يخدمها هذا الطرح حاليا .
هنا يأتي دورنا كعلمانيين ديمقراطيين, ولكن مع الأسف الشديد لم نستطع انهاء تشرزمنا وتفتنا حتى الآن .
أنا اعتقد ايها الأعزاء لو أنكم وجهتم جهودكم لإقناع رفاق لكم يتبنون منهجكم حول الامبريالية ولهم نفس التاريخ النضالي-  مثل فاتح جاموس وسليم خيربك ونمرود سليمان وهيثم مناع وغيرهم- لكي يقفوا  معكم جانب الدولة المدنية التي تنادي بها الهيئة العامة – بدلا من مراهنتهم على دولة تصنفونها في البيان امبريالية – لكان ذلك أكثر فائدة للقضية السورية   .
أتمنى من كل قلبي أن يصدر المثقفون السوريون بيانا ثانيا بنفس عمق الأول يحض على إنهاء تلك الشرزمة للعلمانيين والديمقراطيين ومن ثم حمل لواء الدولة المدنية من الداخل السوري.
اقرأ:
كامل عباس: الدولة الروسية الحالية تنقلنا من الأمل بها الى الألم منها



المصدر: كامل عباس: ما لم يقله المثقفون السوريون في بيانهم الأخير

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك