مايو 1, 2024

من المذهل مجرد التفكير في الأمر، ولكن هناك سابقة شهدت انتهاء المطاف ببرشلونة داخل قاعات المحاكم، حيث يُمكن أن تنتهي معركته الجارية مع ليونيل ميسي. المعركة التي اندلعت يوم الثلاثاء الـ25 من أغسطس/آب، حين أخطر ميسي النادي برغبته في الرحيل بعد قرابة 20 عاماً من خدمة البلوغرانا. والمذهل هنا أن مواقف الطرفين تعني أن المطاف سينتهي بهما إلى قاعات المحاكم من جديد، في حال ثبات كل منهما على رأيه.

وبدءاً من جوسيب بارتوميو، وصولاً إلى “العقل” المخضرم في كرة القدم والمدير الرياضي بيب سيغورا، بالإضافة إلى تعيس الحظ كيكي سيتين، ومدربه المساعد إيدير سارابيا، وانتهاءً بـ”السكرتير الفني” رامون بلانز؛ لا يسعني أن أتخيل كيف ينظرون إلى أنفسهم في المرآة الليلة أو خلال الأيام والأشهر المُقبلة. إذ أخذوا حب ميسي وتفانيه العظيم للنادي ومن ثم أردوه قتيلاً.

وها قد وصلنا إلى تلك النقطة. وفي الواقع أعتقد أن بارتوميو ومعاونيه سيتجاهلون حجتي، بالنظر إلى أنها تتضمن سابقةً تاريخية دقيقة، وتوجيهاً جيداً، ورؤيةً ناضجة. ولكنني سأعرضها على أي حال.

إذ إن التعاسة والخلاف بين الجانبين، علاوةً على قصور كفاءة النادي باستمرار، كلها أمورٌ تعني أن الوقت قد حان لرحيل ميسي عن برشلونة.

حين قرر مجلس خوان لابورتا عام 2008، أن وجود ميسي كان مهماً للغاية من أجل الثورة التي تحدث في برشلونة، خاصةً بعد تصعيد مدرب فريق برشلونة الرديف بيب غوارديولا إلى الفريق الأول، بدرجةٍ تمنعهم من السماح له بالمشاركة في الفوز بالميدالية الذهبية لكرة القدم لصالح الأرجنتين خلال دورة الألعاب الأولمبية في بكين؛ كان الصراع طويلاً ويتسم بسوء التقدير والمزاج المتقلب، وانتهى إلى حكم في صالح النادي بواسطة محكمة التحكيم الرياضية، صاحبة السلطة القضائية النهائية.

وحينها شعر رئيس النادي آنذاك، الذي لطالما كان من أشد منتقدي المجلس الحالي ورئيسه بارتوميو، بأنه مُحاصَرٌ بين مطرقةٍ وسندان كما هو الحال مع المسؤولين في الكامب نو، اليوم. إذ كان لابورتا متحفزاً من أجل بدء الموسم الجديد بوجود ميسي في الفريق الأول؛ من أجل التأهل إلى دوري الأبطال وعدم خسارته بداعي الإصابة في الصين بعد إمضاء بضعة أعوام دون إحراز ألقاب، خاصةً في ظل وجود فريقٍ هزيل والمخاطرة -التي بدت كبيرة للغاية حتى من وجهة نظر غوارديولا نفسه- بتصعيد شابٍ لم يتم اختباره من قبل على حساب رابحٍ مُخضرم مثل جوزيه مورينيو.

لكن غوارديولا أخذ واحدةً من أكبر المخاطرات في تاريخ كرة القدم المعاصرة، وتحدى رؤساءه بمجرد تعيينه، حين أخبر ميسي بأن عليه الذهاب إلى الصين، وجادل لابورتا حتى وافق الأخير على مضض، ثم جنى ثمار تلك المخاطرة حين أبهر الأرجنتيني الجميع في الأولمبياد وفاز بالميدالية الذهبية، قبل أن يعود لينفجر كأنه قنبلةٌ نووية كروية طيلة الأعوام الـ12 اللاحقة.

وإحقاقاً للحق، لن يغيب ميسي بضعة أسابيع هذه المرة ثم يعود مليئاً بالامتنان في حال تخلى برشلونة الآن عن حقه في العقد الذي يمتد حتى نهاية يونيو/حزيران المقبل، وتجنب نزاعاً قضائياً لإنفاذ أحقيته التعاقدية. إذ ستكون هذه هي النهاية في حال مغادرته، داخل أرضية الملعب على الأقل. لكن “البورفاكس” الذي أرسله ميسي إلى النادي يوم الثلاثاء، لم يكتفِ بطلب السماح له بالرحيل بكل بساطة، أي عن طريق شراء نادٍ آخر له بسعر مناسب، بل اقترح أيضاً أن اللاعب بإمكانه استغلال بند “الخروج المجاني” في عقده الذي انتهى فعلياً في شهر مايو/أيار.

وفي حال اختار فريق ميسي الجدال حول هذه الفكرة في المحكمة، فسوف يكون نادي برشلونة ملزماً بالرد، وبالتالي أعتقد أن المقارنة التي أجريتها مع ما حدث في صيف 2008 القاسي ما تزال في محلها.

كان بيب غوارديولا عام 2008 في مواجهة شخصٍ مُحطم ومنهار ويحمل ضغينةً على الأرجح، رغم أن ميسي كان في الـ21 من عمره فقط. ولاحظ غوارديولا ذلك وأدركه. لذا راهن بشدة على أن أياً كان ما سيحدث في أولمبياد ذلك العام، فلن يكون أسوأ من حرمان ميسي من شيءٍ يستحقه، وهو يعلم أنه يستحقه.

فكيف سيسير السيناريو بالنسبة لسماسرة السلطة في برشلونة عام 2020 إذا أجبروا ميسي على البقاء رغماً عنه، أو لجأوا إلى المحكمة لفرض أحقيتهم بحرمانه من الحرية، أو الحرية بالسعر العادل؟

وربما يقول البراغماتيون إنه “لا أحد أكبر من النادي، حتى وإن كان ميسي”، لكننا سنتجاهلهم، لأنهم لا يعلمون شيئاً مطلقاً عن الموقف أو أبطاله. إذ إن احتمال وجود ميسي المستاء، بنصف جهوده، وهو يُفاوض عدة أندية في منتصف الموسم، مُجرداً من شارة القيادة، ومصطدماً بمدربٍ جديد عنيد يفتقر إلى الكياسة مثل رونالد كومان، سيكون احتمالاً كارثياً.

ولا أعني أنه يجب السماح له بالرحيل لمجرد أنه سيغضب بالطبع، فأنا لا أدعو لذلك؛ بل يجب السماح له بالرحيل، لأنه يستحق مضاعفة إنجازاته في آخر سنوات مسيرته الرائعة، وسط بيئةٍ تنافسية مُتطلبة، حيث يُلزم كل موظف بالتميز يومياً. وعلاوةً على ذلك، يجب السماح له بالرحيل، مجاناً أو مقابل سعرٍ رمزي، لأن ميسي ليس مجرد لاعبٍ عادي أو نجمٍ معتاد؛ لذا فإن جمهور كرة القدم بمشجعيه، ولاعبيه، ومدربيه، وإعلامييه، ورعاته، وكل عشاق الرياضة، يستحقون رؤية ميسي سعيداً وملتزماً ومزدهراً وكاسِراً وناجحاً تحت الاختبار خلال السنوات الثلاث أو الأربع المقبلة.

ومن المتوقع أن تكون الأشهر الـ12 المقبلة، بمثابة وقتٍ ذهبيٍ ضائع بالنسبة لميسي، في حال ظل هذا المجلس في منصبه حتى الانتخابات الإلزامية الصيف المقبل. وتزداد الأمور كارثيةً بالنسبة لبرشلونة وكل المهتمين بأمر النادي، لأن هذا المجلس كان يجلس في انتظار الكارثة المُقبلة عليه مثل أحمق عنيد، منذ بضعة أشهر. إذ يُمكن اعتبار خسارة نجمٍ مثل نيمار نتيجة العجز الكامل عن تفسير وفهم الموقف وإدراك بواطن الأمور، بمثابة لا مبالاة أو خطأ عابر، لكن تكرار النمط نفسه مع أعظم لاعبٍ على الإطلاق، يُمثل ببساطة عدم كفاءة على نطاقٍ هائل. وأعني هنا أنه حين رفض نيمار تعديل عقده في أكتوبر/تشرين الأول عام 2016، والذي كان سيعني زيادةً كبيرة في بند الشرط الجزائي (بما يتجاوز 262 مليون دولار المنصوص عليها في عقده)؛ بدا مجلس إدارة برشلونة كأنه لم يدرك مطلقاً حقيقة أن هذا الرفض كان بمثابة رسالةٍ واضحة ومقصودة: “أنا أنوي الرحيل في سوق الانتقالات الصيف المقبل“.

وواصل سلطان الكامب نو التصرف كأنه إمبراطور يرتدي حلته الجديدة، حتى أودع مسؤولو باريس سان جيرمان 262 مليون دولار في مكاتب لا ليغا بمدريد ونقلوا لاعب برشلونة العبقري إلى العاصمة الفرنسية. وكان الجميع يعلمون أن سلطان الكامب نو فقد ثيابه، لكنه واصل التفاخر بارتداء الحلة المغطاة بريش النعام. وحقيقة أن هذا السيناريو يتكرر من جديد بعد ثلاث سنوات فقط، ومع موهبةٍ ودعامةٍ تاريخية للنادي مثل ميسي، حقيقةٌ لا يُصدقها عقل. وفي الواقع، يجب أن تكون هذه الخطوة بمثابة جريمةٍ جنائية إن كانت هناك عدالةٌ كروية في هذا العالم، حتى وإن اقتصرت عقوبتها على قضاء فترةٍ تحت المراقبة أو مجرد تنظيف القمامة في الشوارع.

فحين تفاوض رجال ميسي على تجديد عقده في عام 2017، ساوم ممثلوه بقوة من أجل وضع بندٍ ينص على السماح له بالمغادرة مجاناً خلال أي فترة انتقالات صيفية اعتباراً من مايو/أيار 2018 وصاعداً، في حال طلب من النادي الرحيل قبل نهاية مايو/أيار.

ومرةً أخرى، أي إيضاحٍ أكثر كان المسؤولون التنفيذيون في الكامب نو يحتاجونه ليفهموا أن ميسي كان يُفكر بالفعل في أن وقتاً عصيباً مثل هذا الأسبوع قد يحل على النادي، نتيجة قلة كفاءة المسؤولين المشغولين بمصالحهم الشخصية بدرجةٍ تُجبره على القول: “أنا أفضل من أن أكون معكم. أنا راحل”. ومنذ اللحظة التي خرج فيها ممثلو ميسي من مكتب بارتوميو عام 2017، كان على بارتوميو ومساعديه أن يبذلوا كل جهدهم في جمع لاعبين، وبناء استراتيجيات، واتخاذ قرارات ومواقف تضمن أن يظل ميسي سعيداً وأن يبقى في النادي حتى اعتزاله. لكنهم بدلاً من ذلك أساءوا التصرف إلى حدٍّ أعياه، وجعلوه يأسف على حبه وإخلاصه لبرشلونة، وهو ما أعلنه مراراً وتكراراً.

إن رحيل ميسي أشبه بإعلان بابا الفاتيكان إلحاده، أو اختيار جماهير الأهلي المصري غريمهم التقليدي الزمالك كفريقهم المفضل الثاني.

ستكون هناك جلبةٌ من الآراء الغاضبة. إذ سنسمع مقولات مثل: “ميسي خائن”، و”ليس من حقه أن يفرض شروطه على النادي”، وصولاً إلى “يجب أن يستقيل بارتوميو”، و”الانتخابات الطارئة لا مفر منها”. لكن دعوا أبصارنا لا تزغ عن حقيقة أن هذا الرجل، وبغض النظر عن النادي الذي تشجعه، قد أبهج حياتنا طيلة الأعوام الـ15 الماضية.

إن ميسي هناك وسط أسماءٍ مثل محمد علي كلاي، ومايكل جوردن، وخوان مانويل فانجيو، وجاك نيكولاس، وتايغر وودز، ورافاييل نادال، وروجر فيدرير، وأضف إليهم أساطير رياضتك أياً ما كانت. ميسي في ذلك المستوى. وفي الواقع أتحداك أن تنكر أن حياتك صارت أفضل وأكثر إشراقاً ومرحاً وبهجةً بعد أن شاهدت ميسي خلال سنواته مع برشلونة. لا تدع ذلك يغيب عن نظرك.

ومن أبرز الانتقادات التي يُوجهها المتشككون إلى ميسي، تفضيله حتى الآن اللعب لنادٍ واحد، وهو الانتقاد الذي أجده ساذجاً. فوحدهم العظماء يخرجون عندما يقضون حياتهم المهنية كاملةً في مكانٍ واحد يفعلون الشيء نفسه، لكنهم يظلون دائماً استثنائيين.

والأمر الثاني هو مسألة كأس العالم. نعم هو لم يفز بكأس العالم. لكن كأس دوري أبطال أوروبا باتت بطولةً أهم وأبرز، والفكرة السخيفة القائلة إن مارادونا فاز بكأس العالم وحده باتت مجازاً مملاً للغاية.

غير أن أحداً لا يُنكر أن ميسي يطمح إلى الفوز بتلك الكأس بالشغف نفسه، ليُبرهن على حبه وتفانيه للأرجنتين كما أعتقد، وليُرضي طموحه الشخصي للمجد. والآن أراهن على أن الطريقة التي تجاهل بها النادي صديق ميسي المقرب في الكرة، لويس سواريز، كان لها تأثيرها على سرعة اتخاذه تلك الخطوة. لكنني أراهن أيضاً على أن سبب اشمئزازه الأساسي مما يجري حوله في الكامب نو، هو رغبته في التمرين واللعب بنادٍ شديد التنافسية كل أسبوع من الآن وحتى تنافس الأرجنتين، إن سنحت له الفرصة، في نهائيات كأس العالم 2022، التي أظنها ستكون الأخيرة في مسيرته الكروية الدولية.

ولكن إلى أين سينتقل ميسي: مانشستر سيتي؟ باريس سان جيرمان؟ إنتر ميلان؟ إنتر ميامي؟ لا أعرف ما هي تفضيلاته، لكن تلك الخطوة لم تُتخذ دون أن يكون ميسي قد حدد وجهته التالية، ولو مبدئياً على الأقل.

مانشستر سيتي؟ سيكون ملاذاً آمناً وفي دوريٍ سيحبُّه. ولو أنني متأكدٌ من أن غوارديولا، بأخذ رغبته في أن يضغط السيتي على الفرق الكبرى في الاعتبار، سيكون مدير تلك الصفقة. لكن الأمر سيكون في يد المالكين، ومن له أن يناقش نواياهم؟

باريس سان جيرمان؟ إذا استطاعوا أن يجمعوا ميسي، ونيمار، وكيليان مبابي، وأنخيل دي ماريا في الفريق نفسه، فإن كل من لا يُثير هذا الاحتمال ذهوله بحاجةٍ للمساعدة.

إنتر ميلان؟ ليس الدوري الأفضل، وليس النادي الأفضل، لكنه نادٍ حاول مراراً وتكراراً لسنواتٍ طوال أن يحظى بميسي.

إنتر ميامي؟ لا. فقط لا. قد تعجبه المدينة أو يعجبه المشروع، لكن معايير زملائه وموقعه في الملعب لا تناسب ما يحتاجه الآن.

وبأي حالٍ فإن لديه مباراةً كبيرة ليكسبها أولاً، مباراةً لو أن إدارة برشلونة لديها فيها أية لياقة ستوفر على نفسها عشرات الملايين من اليوروهات عبر الانصياع بسلاسةٍ والقول: “لقد أخفقنا يا ليو. ونقبل أنه حان وقت رحيلك. شكراً لك. بالتوفيق، وليباركك الرب”.

لكن المؤسف أن تنابلة السلطان في الكامب نو سيتخبطون على الأرجح ليتركوا الموقف يزداد سوءاً لا تحسناً.

-هذا الموضوع مترجم عن موقع شبكة ESPN الأمريكية.

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك