مايو 5, 2024

كلنا شركاء: أحمد العربي- الأيام السورية
عقاب يحيى ناشط سياسي سوري مخضرم. عاصر السياسه السوريه كمعارض للنظام الاستبدادي السوري. منذ سبعينيات القرن الماضي. ومنخرط بالمباشر في شأن الثورة السوريه الان. من خلال منابرها المختلفه كالائتلاف الوطني السوري وغيره… له العديد من الروايات . كنا قد قرأنا واحده منها كنسخة الكترونيه وكتبنا عنها. وهذه رواية مطبوعه وقد سبقها ثلاث روايات طبعت ايضا.
بوح امرأة عطشى رواية الثورة السوريه… في بعدين اساسين. ثورة المرأه السوريه. وثورة الشعب السوري… في نسيج واحد متكامل.
لنرى…
تبدأ الرواية عبر بوح ليلى احدى شخصيات الرواية عن نشأتها ومراهقتها وتعايشها مع اهلها وصديقاتها التي جمعت ببنهم المدرسه في سن المراهقه وما بعده.
ليلى وصديقاتها المراهقات محملة بتاريخ من الضوابط والممنوعات والمسلمات عن المرأة. بصفتها الضعيفه والضحيه. والتي خلقت للمنزل ولتكون تابعه لاهلها اباها واخاها وزوجها… واولادها الذكور. بعد ذلك. المرأة التي تنتظر ان يأتي لها الرجل الذي ستبني معه بيتا جديدا وتكرر حياة المرأه امها وجدتها…
ليلى المراهقة وصديقاتها لا يستسلمن لهذه المسلمات الاجتماعيه كقدر. يحاولن عبر التفكير والاحلام والآمال ان يصنعن حياتهم الاكثر قربا من انسانيتهم…
ليلى وصديقاتها تسيقظ بداخلهن الانوثه. وكذلك المحرم والممنوع يعشن احلام يقظه وخيالات. فهذه صديقتها سلمى تطرح تميزها بكونها تدعو لحقوق المرأه وحريتها وحقها بالحب واختيار رجل المستقبل… لكن احلامهم ستتبخر على صخرة الواقع… فاغلب الفتيات ومنهن ليلى وسلمى سيتزوجن زيجة تقليديه. ودورهن القبول التقليدي بزواج مقرر عائليا… ستتزوج ليلى من رجل تقليدي بلا طموح يعيش حياته بروتين دائم. ستتعب معه.. بدء من ليلة زواجها حيث لا يستوعب جهلها وخوفها من تجربة الجنس الاولى وعدم تقدير رهبتها..  وتكون ليلة خوف والم وشبه اغتصاب… زواج ككل زواج ومعانات تتراكم مع بقية المعانات السابقه… سلمى صديقتها ستتزوج زواج تقليدي ايضا. وسينهار ادعاءها عن الحب و حقها بالاختيار وتجاربها الكثيرة السابقه… وسنكتشف عبر البوح بين ليلى وسلمى… ان سلمى تدعي المعرفه وانها تأمل لكنها كالكل جاهله وخائفه ولم يهاجمها الحب ابدا . بل هاجمها زوج يكاد يكون وحشا وبطريقة عنيفة مع الضرب والاساءة اللفظية ايصا كاستعراض مرضي للرجوله… ستتعايش الصديقات كمتزوجات وبصحبة الازواج… سيدخلن في صراع نفسي فكل منهم غير راضية عن زواجها. والبوح بينهم يجعلهن يشتهين ان يعشن تجارب خارج المسموح ولو ان ذلك لا يتجاوز الاماني… لكن زوج سلمى كيحاول التقرب من ليلى عبر السهرات والولائم والتغزل الضمني. ولكن ذلك كله لن يؤدي للوصول للعلاقة المحرمه. فليلى تعرف الحدود بين ما تفكر به وبين المسموح ان تمارسه. تعيش ليلى حياة تقليديه. تتألم من تدخلية اهل زوجها. وعبر صراع مرير معهم يصل لدرجة العنف الجسدي. تخرج مع زوجها للعيش في منزل منفصل . وتضع حدا لاهل زوجها لدرجة انقطاعهم عن التواصل معهم… ستنجب ولديها علي ونور.. لكنها ستكتشف ان حياتها فارغة ولا معنى لها… لذلك تقرر ان تدخل الجامعه وتدرس التاريخ وتتعرف على اجواء جديده… الطلاب وهمومهم واشواقهم لمستقبل افضل. ستنخرط بينهم ستجد من يهتم بالسياسة او الادب والثقافة وستجد ان الجامعة كغيرها ممتلئة بالتنوع الانساني وان السلطة حاضرة بها ككل مناشط الحياة العامه… ستتعرف على مدرسها في احدى المواد الذي سيهتم بها. وتتقرب منه لتكتشف انسانا مقهورا من تجربة حب كانت ستنتهي بالزواج لولا ان حبيبته باعته لفرصة افضل لرجل غني طلبها وذهبت معه.. عاش ازمه وانكفأ.. عبر عن عواطفه لليلى تفهمته. لكنها لم تستطع ان تقدم له شيئا فهي متزوجه ولديها طفلين. صحيح ان زوجها لا يقنعها لكنها لن تخون نفسها… تركته لمعاناته… وعلى المستوى الاجتماعي استمرت الجلسات العائلية بين الصديقات واستمر زوج صديقتها سلمى بالتقرب منها وكانت تصده دوما رغم وجود رغبة غريزية داخلها بان تجرب معه علاقة ما. لكنها كانت تحجم دوما. ووصلت لدرجة مقاطعة السهرات العائلية المشتركة… تخرجت ليلى من الجامعه. لم تستطع ان تعمل بشهادتها عادت للبيت وتربية اولادها ولذات الروتين بكل معاناتها منه.
لكن وفي تطور نوعي يحصل الربيع العربي ومن ثم ربيع سوريا… فيصل الى ليلى وصاحباتها… وخاصة سلمى التي كان الحراك الشعبي لمطالب الناس من اجل الحرية والعدالة والكرامة الانسانية ومحاربة استبداد النظام ومحاربة الظلم والتسلط والفساد والمحسوبية الخ قد اجج الثورية فيراعماقها وشاركت بالتظاهر… واثرت على ليلى واصحابها. وكاغلب الشعب السوري يبادرن للمشاركة بالتظاهر ومطالبة النظام بالاصلاحات… سيعطى لحياتهن قيمة ومعنى. وسيكتشفن ان هذه الثورة حاجة شخصية لكل منهن ليخرجن من عيشهم المفروض عليهن. والظلم الخاص والعام لصينعن حياة الحرية والعدل… انخرطت سلمى وليلى والكثيرات بالتظاهر الذي قتل الخوف في النفوس. وايقظ الانسان باسمى معاني حضورة في الكل… لكن النظام لم يكن ليقبل ان يتنازل. او يحقق اي مطلب للناس فاعتمد على التسويف والوعود الكاذبة. وحاول اقناع الناشطين ان يعودوا الى عبوديتهم السابقه لكنه فشل… وابتدأ بالانتقال الى العنف في مواجهة المظاهرات. اعتقالا وقتلا وتنكيلا…
ستصبح ليلى وسلمى من الناشطات وسيكون لهن ادوار بالتنسيق والمساعده في كل المجلات. سيكون هناك تخطيط وامداد لبعض الناشطين. واخفاء للناشطين المطاردين ونقل للاغذيه والادويه… سيبدأ عمل التنسيقيات وسيكن من الحاضرات في كل ذلك… اما ازواجهم فسيكونوا متخاذلين خائفين.. زوج ليلى سيطالبها بالكف عن النشاط. ملحا على الخطورة والتأثير على العائله والاولاد. وزوج سلمى سيكون مدعيا دعمه للثورة لكنه سيكون مخبرا وسيحاول استدراج ليلى ليأخذ معلومات او يصل اليها جسديا… وفي احدى مرات التظاهر ستلجأ الى بيته بكونه بيت سلمى لتختبئ به. وتجده وحيدا. وسيستغل الفرصة ليعتدي عليها جنسيا. وستداورة وتطعنه في اعضائه التناسلية وتهرب… لكن الاعتقال سيكون بانتظارها… في الاعتقال سترى ليلى وكل ناشط وناشطة الوجه الحقيقي للنظام الذي يقتل المتظاهرين في الشارع. ويذل ويعذب ويدمر انسانية المعتقل على كل المستويات… في المعتقل سيواجهها المحققون بنشاطها وان تقدم معلومات عن الناشطين ولم تكن تمتلك الكثير… ستعذب بكل انواع التعذيب التعرية. التحرش الجنسي. الضرب. الدولاب. الاغتصاب لها ولغيرها… ستجد ليلى والاخريات انهن مستباحات. لا اعتراف بانسانيتهم. وانهم مجرد  ضحايا يستخدمها النظام. عبر حاجته بالتحقيق ولقتل روح التمرد والحرية واستعادة روح العبودية واسقاط اي اعتبار انساني… ستحول ليلى الى السجن بعد المعتقل مع اخريات… انسانة منهارة مستباحة تكتشف ان مطلب الحرية غالي. وان النظام مستعد ان يقتل الشعب السوري كله ولا يتنازل. وان مهمة التوقيف قتل روح التحدي تحويل المعتقل لكتلة ألم ومذلة ورعب و فقدان امل… في المعتقل ستجد ليلى نفسها بين سجينات جنائيات. دعاره وقتل. وتهريب. وغيره. والاغلب ناشطات في الثورة. وبعض المخبرات للنظام… سيعشن حياة مأساوية. مهاجع تكتظ بالسجينات. وطعام لا يكفي. واغتصابات متواليه. ونزلاء جدد. وامراض ساريه. ولا زيارات. والكل يبحثن عن امل ما. وان يعرفن ما يحصل بالخارج. وما موقف اهلها وما اخبار اولادها. وما مصيرهن بعد ان يعرف ما يحصل معهن. خاصة بعد الاغتصاب الذي يسقط القيمة الاجتماعية لهن.. لكنهن كن في آلامهم يعشن موتهم البطيئ وعذابهم الدائم… ستتابع ليلى ومن معها في المعتقل تحدي الحياة. فينظمن انفسهن ويتقاسمن آلامهم ويوحدن مواردهن المالية على قلتها. يعالجن المريضات يواسين المعذبات يتبادلن قصص حياتهم بكل تفاصيل عذابهن كنساء.
وكسوريات تحت ظلم نظام يستعبد الشعب ويظلمه… ستتابع ليلى في احلام يقظتها اخبار ولديها . وستحضنهم في كثير من الليالي وتبكي حرمانها منهم وحرمانهم منها.وستسعد رغم عذابها بتضامن اهلها معها. وسترتاح بانها تخلصت من زوجها الذي طلقها وتبرأ منها. ستتابع اخبار الناشطين. وستكتشف ان صديقتها سلمى قد استطاعت الخروج الى تركيا. وانها تعمل هناك في مناشط الثورة. كدعم واعلام وامداد وفضح للنظام واتباعه… ستمر الايام على ليلى وتمتد الى سنوات خمس… ستموت بعض المعتقلات وسيخرج بعض السجينات الجنائيات. وسيحصل حمل للمغتصبات ورغم محاولة الاجهاض الدائم سيولد بعض الاطفال. الذين رغم كونهم اولاد حرام من هؤلاء المجرمين. لكنهم سيكونوا نوافذ امل لهم. وسيعطون لحياتهم طعما مختلفا. امومه وانسانيه وامل بمستقبل افضل لكل اطفال سوريه… وفي مسار آخر ستكون سلمى في تركيا ناشطة ثورية مع آخرين. وسيطلقها زوجها المخبر المصاب برجولته. وستحب احد الناشطين وتتزوج منه. وسيعيشوا تطورات الثورة وتحولاتها.. العمل السياسي وتعثره وتفرقه وتشرذمه. وجود الانتهازيين والمتسلقين على الثورة. التدخلات الدوليه والاقليميه. وتحول سوريا لساحة صراع دوليه.
سيتابعوا العمل العسكري للثورة. حيث جر النظام الثوار لمربعه حيث تفوقه العسكري. وحيث فتح ألة القتل على الشعب السوري بمساعدة حلفاء له. فاصبح الشهداء بمئات الالاف وكذلك المصابين. والتهجير الذي اصاب الملايين داخل سوريا وخارجها. ستتابع تطور دخول المتطرفين من الاسلاميين الجهاديين الذين تصرفوا كاداة بيد النظام. واعداء للشعب السوري. وقتلوا ونكلوا به. وبرروا ظاهرة محاربة الارهاب. وحولوا الانظار عن ثورة الشعب السوري ضد الاستبداد والظلم والقتل والتشريد.. سيتابعوا تشرذم العمل العسكري كجيش حر وغياب التوحيد والتنسيق والرؤيه الواضحة. وفقدان البوصله والضياع بين اجندة الداعمين وبين المطالب الوطنيه. ستعمل مع حبيبها في مناشط الثورة وخاصة الاعلامي حيث يكشفوا العيوب ويفندونها. وسرعان ما يتحول زوجها الى مستهدف من الارهابيين ومن النظام ومن بعض المنتفعين من الثورة. ويحاولون ردعه اولا ثم يقتلونه اغتيالا وتتيتم سلمى ثانية… سلمى التي ستستمر بمتابعة اوضاح صديقتها ليلى داخل المعتقل. وترسل لها بعض المال وبعض القصاصات. وسيكون لذلك امتلاء نفسي كبير لليلى التي تتابع نشاط صديقتها بفخر… ليلى التي ستصنع حياتها عبر سنوات الاعتقال مع بقية المسجونات. حياة تتكيف مع كل انواع القهر والظلم والاغتصاب والمرض والجوع والموت ووجود الاطفال كنقطة ضوء في ظلام دامس… وفي بداية السنة الخامسة لاعتقال ليلى تحس بمرضها الذي سرعان ما يفتك بها. مرض اقرب للايدز والسرطان مرض ينتج عن كل صنوف الانتهاك والحياة الفير انسانيه… وسرعان ما تموت ليلى.. تموت ليلى كما مات زوج سلمى الحامله بطفلين. سيكونا حبيبها وصديقتها ليلى. سيأتوا الى الدنيا كأمل متجدد بالحياة وانتصار الثورة.. ووصول الشعب السوري الى حريته وحقوقه.
ستنتهي الرواية عبر تواصل نفسي بين الصديقتين سلمى وليلى. تعبيرا عن توحد وجدانهم وعقلهم في ثورتهما وحبهما الخاص وادماجه بالعام… صداقة انتصرت على قهر المرأة وتخلفها ودونيتها وانهزامها ثورة اعادتها لانساتيتها. ولاسترداد حقوقها وحقوق كل الناس. وثورة للناس كلهم الذين قدموا كل شيئ. الروح والعيال والمال و كل شيئ لتحقيق حريتهم وحياتهم الافضل.
في قراءة الرواية نقول…
انها رواية الثورة السوريه بكل تعرجاتها ومنعطفاتها ومسارها وتدخلات كل الاطراف فيها.. بمقدار ما تحتمله روايه.. وهي ايضا رواية ثورة المرأة السوريه المندمجة في الثورة والحاضرة الاصيلة فيها.
انها شهادة الاخ عقاب يحيى على الثورة بكل صدق وشفافيه.
المصدر: قراءة في رواية: بوح امرأة عطشى

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك