مايو 16, 2024

رزق العبي: كلنا شركاء
يحدثُ في سوريا أن تكرار الفاجعة بين الحين والآخر يؤدي إلى نسيان ما قبلها، ينساها الجميع، إلا أنها تبقى محفورة في ذاكرة من بقي حيّاً وعاشها، وللفجيعة أنواع، إلّا أنّ أقساها في سوريا هو فقدان الأحبّة، وللفقد أيضاً طرائق، حرق، غرق، تعذيب، قصف، وأقساها وقعاً في النفس، الموت خنقاً، هذا ما هزّ غوطة دمشق الشرقية.
المنقذ يصبح ضحية
“في تلك الليلة الصيفية في الحادي والعشرين من آب عام 2013، من حزّة إلى عين ترما إلى جوبر وزملكا وكفربطنا وسقبا وحمورية، قصفت قوات النظام تلك المناطق بغاز السارين السام، يوم الأربعاء هذا لم يكن يوماً عادياً”، قالت “وعد البلخي” التي فقدت زوجها في تلك الليلة، مع أكثرِ من ألفي شخص دُفنوا خنقاً بفعل الإجرام الممنهج الذي نال وضاعة تنفيذه نظام بشار الأسد.
وأضافت “وعد” في حديث لـ (كلنا شركاء): “زوجي كان يعمل بما يشبه حالياً الدفاع المدني، وعلمنا أن المنطقة سيتم استهدافها بالغاز، إلا أن زوجي رفض الخروج من الغوطة خوفاً من الاعتقال، وظلّ يعمل على نقل الجرحى وإخلاء المباني بعد القصف حتى استشهد وهو ينقذ أحد الأشخاص”.
لحظات أقسى من أن تصفها الكلمات، ومهما أبلغت ضيفتنا بالوصف تبقى القصة الحقيقية بتفاصيلها أكثر رعبناً لمن عاشها، لحظة بلحظة، تابعت “وعد” وهي أم لطفلين: “صلّى زوجي الفجر، وذهب ليساعد في انتشال مصابين، كانت الأعداد كبيرة جداً، حمل أحد الأشخاص بين ذراعيه، بضعة أمتار، وقع صاروخ محمّل بالسارين قربه، سقط أرضاً هو والمصاب، واستشهدا، لنعلم فيما بعد أن فعالية الغاز تكون مركزة جداً في أولى لحظات القصف، استشهد زوجي والمصاب في أحضانه قد استشهد معه أيضاً”.
تتحول المجزرة إلى أرقام
يصاب الشخص بالشلل، والاختناق، قالت “وعد”: “زوجي والشخص الآخر لم تظهر عليهم علامات الغاز مثلما ظهرت على الباقين، حيث لم يخرج زبد من أفواههم، ولم يستفرغوا حتّى، إلّا أن بقعاً صفراء ظهرت على الوجه والرقبة، وهذا دليل على أنّ الغاز لم يصل لكل أنحاء الجسم”.
الرقم الذي وثقه الناشطون آنذاك كان 1700 شخصاً بالاسم، إلّا أن الرقم الحقيقي أكبر من ذلك بكثير، لأن هنالك عائلات بأكملها دُفنت دون أن يُسجلها أحد ويوثقها حتى ولو برقم، وعن هذا قالت “وعد”: ” لأيام عدّة بقي الناس في حزّة وعين ترما وغيرها يجدون عائلات بأكملها مستشهدة ولم تُدفن بعد، وهنالك عائلات استشهد منها 41 شخصاً وعائلات 16 شخصاً، زوجي كان في 33 من العمر، وترك لي (ليث وقيس) الأول خمس سنوات والثاني سنتين”.
ليلة الحشر
أسماها الناس آنذاك في غوطة دمشق الشرقية بليلة الحشر، لأن أغلبهم كانوا يعلمون أنّ المنطقة سيتم استهدافها بالغاز، وفي هذا الجانب قالت “وعد”: “كنتُ أعلم وكان زوجي يعلم أنّ خروجه من البيت هو الخروج الأخير، ولكن لم أتمكن من منعه من الذهاب لإنقاذ الناس، ولكن من أصعب اللحظات أنه وبعدما دفنا الناس أتتنا معلومات طبية أنّ العديد من الحالات ربما لم تمت بعد وتمّ دفنها وهي مختنقة فقط”.
صبيحة ذلك اليوم، ورغم تلك المجزرة الشنيعة التي ارتكبها النظام، أعطت أفرع الأمن أقنعة واقية لعناصرها وتوجهوا لاقتحام الغوطة، وتم استهداف الغوطة في تلك الفترة بعشرات الغارات، والناس لم تدفن بعدُ موتاهم.
هي مجزرة مروعة طوتها الأيام بعدما مرّت مرور الكرام في المحافل الدولية، ولم يكترث العالم لها، إلا ببعض الشجب والتنديد، ولتبقى حاضرة في ذاكرة الذين نجوا أو فقدوا عزيزاً في تلك الحادثة.
اقرأ:
(جيش الإسلام) يستعيد عدة نقاط في حوش نصري بالغوطة الشرقية



المصدر: في ذكرى مجزرة الكيماوي… ناجيةٌ فجعت بزوجها تروي بعض إجرام بشار الأسد

انشر الموضوع