مايو 13, 2024

فورين بوليسي: ترجمة ريما قداد-السوري الجديد
ظهرت العديد من التكهنات، على نطاق واسع، فيما إذا كانت الرئيسة المنتخبة، والتي كانت تشغل منصب وزير الخارجية سابقاً، ستستمر باتباع المزيد من سياسات التدخل العسكري وعرض العضلات أكثر مما فعل أسلافها.
وفي حال فازت في الانتخابات، في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني، فالحكمة التقليدية تتجلى في تعامل كلنتون مع الشؤون الخارجية على نحو أقل تحفظاً من طريقة باراك أوباما. وبالتالي تكون أكثر جاهزية لاستخدام القوة العسكرية في تحقيق أهداف الولايات المتحدة في أنحاء العالم المختلفة.
وهذا أحد الأسباب الكامنة وراء إحجام أنصار “بيرني ساندرز” عن تبني رئاستها، كما أن الافتراض القائم على أن بعض جوانب شخصية كلنتون_ من قبيل مقالة “مارك لاندر” في “نيويروك تايمز” والتي حملت عنوان “كيف أصبحت هيلاري كلنتون من الصقور”_ تميل إلى تعزيز تلك الفكرة. ولكن هذا الادعاء، خلافاً لبعض الأمور التي اتُهِمت بها كلنتون (على نحو غريب)، لم يأتِ من فراغ.  إذا دعمت كلنتون بالفعل حرب العراق عام 2003 و”الثورة” في أفغانستان عام ٢٠٠٩ والتدخل المشؤوم في ليبيا في عام 2011 ومن ثم تريد، بكل المقاييس، أن تقوم الولايات المتحدة بأكثر من ذلك في سوريا.
وكما لاحظتُ، فإن معظم المستشارين المقربين منها هم ليبراليون مناصرون للتدخل (أو ما هو أسوأ )، وهذا ما يؤكد المخاوف المتمثلة في أن إدارة كلنتون المستقبلية ستكون مستعدة لتكرار السياسات ذاتها التي لطالما خيبت آمال الكثيرين في الماضي. أضف إلى ذلك، الفرضية المعروفة في أن القادة من النساء يملن إلى التصرف بصرامة أكثر من نظرائهم الذكور_ كما تعلمون، مثل “ماغي تاتشر” و”أنديرا غاندي” و”غولدا مائير”_ وربما ذلك محاولة للتعويض عن الفكرة الدالة على أنهن ربما يتصرفن “بلطف”. لذلك من السهل معرفة السبب في خوف البعض من أن تنحدر رئاسة كلنتون بالولايات المتحدة من الطريق المرهقة إلى مستنقعات يكثر فيها الوهم.
ولكن هل من مبرر حقاً لهذه المخاوف حول كلنتون؟ بالنسبة لي، لدي بعض الشكوك وأنا لست وحيداً في هذا. وفي طبيعة الأمر، إن كانت كلنتون فطنة وأرادت لرئاستها أن تحقق النجاح، فإن آخر ما يجب عليها أن تفعله هو تبني استراتيجية “الهيمنة الليبرالية” الفاشلة في أي شيء أكثر من المعنى المجازي. وبدلاً من ذلك، ستحذو حذو أوباما وتركز على تحقيق التزامات الولايات المتحدة العسكرية الخارجية في أماكن مهمة بالفعل حيث تكون قوة الولايات المتحدة ضرورية (مثل آسيا)، كما ستتهرب بحذر من جميع الأزمات المحتملة التي تطغى على المشهد العالمي.
وإليكم السبب في هذا:
كبداية، كشفت كل من حملة ترامب وساندرز عن الكثير من الغضب والاستياء في الولايات المتحدة في الوقت الراهن، وعن وجود  قدر قليل جداً من التأييد لمزيد من تدخل الولايات المتحدة عسكرياً في أنحاء مختلفة من العالم. وبدلاً من ذلك، هنالك الكثير ممن يعتقد (ببعض الدقة): أولاً، أن فوائد العولمة قد تجاوزتهم وثانياً أن النخبة مثل كلنتون (وترامب في هذا الشأن) قد تلاعبوا بالنظام، أما ثالثاً فهو أن جميع الأفعال الحسنة في مختلف أنحاء العالم تبقي مسؤولو الولايات المتحدة منشغلين لكنها لا تزيد في أمن الأمريكيين ولا في ثرائهم. ولهم الحق في ذلك.
وإذا تجاوزت كلنتون الحد المعقول في العولمة وتوسيع ضمانات الولايات المتحدة وبناء دولة مفتوحة في البلاد البعيدة أو حتى القيام بالمزيد من الأعمال عالية الكلفة فيما يخص الجهود الخيرية الدولية، فإن هذا سيثير غضب جميع أولئك المسحورين بترامب أو ساندرز على نحو كبير. وعلى النقيض من ذلك، إن تمكنت من أن تحظى ببعض الأشخاص خلال عهدها الأول، فإن شعبيتها ستزداد وستسهل عملية إعادة انتخابها. ما الدرس من ذلك؟ ينبغي لكلنتون أن تركز على الإصلاحات الداخلية لا على الحملات الخارجية.
وكما يشير مسؤولان سابقان في وزارة الخارجية وهما؛ “جيرمي شابيرو”  و”ريتشارد سوكولسكي”، بأن ذلك كان ميلها الأساسي طوال الوقت. بالإضافة إلى أن وزير المالية السابق “لاري سمرز” بين لبعض الوقت بأن أفضل خيار لها سيكون في إطلاق برنامج وطني كبير يشمل البنية التحتية. وسيكون من شأن هذه الخطوة، التي طال انتظارها، أن تُعيد الكثرين من أفراد الطبقة المتوسطة والطبقة الكادحة إلى العمل كما ستعزز من اقتصاد الولايات المتحدة على المدى الطويل وتبعد بعض أولئك الغاضبين عن الأشخاص المخادعين مثل ترامب وتعيدهم إلى حظيرة الحزب الديمقراطي.
وبطبيعة الحال، فإن الجمهوريين، سواءً في مجلس النواب أو مجلس الشيوخ، قد يقفون في وجه هذه المبادرة الحكيمة على أسس حزبية بحتة لأنهم لن يرغبوا في أن تحصل المرشحة الديمقراطية على المصداقية في مساعدة الأمريكيين لأن يعيشوا حياة أفضل. ولكن ما العبرة من ذلك؟ حالما تستلم كلنتون زمام الأمور، سيكون فريقها بحاجة إلى استراتيجية متطورة فيما يخص العلاقات الخارجية للتأكد من أن يلقي الأمريكيون باللوم على الحزب الجمهوري والعراقيل التي يضعها أمام البرنامج وليس على البيت الأبيض، في حال أعيقت هذه المبادرة، حتى يتسنى للناخبين طرد الأخير من انتخابات التجديد النصفي.
كما ستعمل كلنتون على كبح ميولها النشطة لسبب آخر وهو: على الرغم من أن معدلات الفائدة عند أدنى حد من مستوياتها القياسية، فليس هنالك الكثير من الركود في الموازنة العامة الاتحادية أو التساهل العام لزيادات كبيرة في الدَين الوطني.
كما أن برنامج البنية التحتية الجدي هذا سيكلف أكثر من تريليون دولار ولربما تطلب الأمر أن تشتري كلنتون ذمم بعض المتشددين الجمهوريين من خلال السماح ببعض الزيادات الدفاعية المتواضعة. كما أنه لا بد من أن يقوم الجمهوريون بمقاومة مشروع الإصلاح الضريبي أيضاً وبالتالي لن يكون هنالك الكثير من العائدات لتوفير الدعم لبرنامجها. وفي حال لم يكن الحصول على المال بالأمر اليسير، فإن آخر خيار أمام كلنتون هو أن تأذن بالكثير من “عمليات الطوارئ خارج البلاد”” حتى وإن تطلب الأمر أن تحث الكونغرس على الموافقة عليها. وخلاصة القول: إن التصرف كصقر ديمقراطي غير نادم سيكون عائقاً أمام رئاستها حتى قبل أن تبدأ كما سيضمن، على الأرجح،  أن تكون رئيسة لدورة واحدة فقط.
والأهم من ذلك كله، هو أن كلنتون لن تجد من بين تلك الأماكن التي قد تميل إلى التدخل فيها مكاناً يبدو التدخل فيه سهلاً أو مغرياً. فقد جر جورج بوش البلاد إلى العراق لأن أحد المحافظين الجدد كان أحمقاً ومغروراً ليقنعه بأن المهمة ستكون سريعة ولن تكلف الكثير كما أنها ستتمخض عن جميع أنواع الفوائد الجيوسياسية. فضلاً عن أن التعاطف الليبرالي مع “الربيع العربي” غير المتوقع جعل التدخل في ليبيا يبدو ضرورياً وممكناً في الوقت عينه. ولكن سجل الأعوام الخمسة والعشرين الماضية لا بد وأن يعلمنا أن الهندسة الاجتماعية من هذا النوع نادراً ما تنجح وتودي غالباً بحياة الكثير من الناس. وحتى تجربة البلقان، التي ما تزال “قصة النجاح” المفضلة للتدخل الليبرالي، فقد كانت مخيبة للآمال إلى حد  كبير.
ولربما ما زالت كلنتون تعتقد أن الولايات المتحدة هي الدولة التي “لا يمكن الاستغناء عنها” وأنه من الأفضل أن “تبذل جهداً” بدلاً من العزوف عن المحاولة. لكنها مع ذلك ليست متحمسة على الأرجح بخصوص تقديم التزامات كبيرة لإصلاح أي من بؤر التوتر الرئيسة في العالم. وبالطبع، ستعمل كلنتون على دعم الجهود الدبلوماسية والاستمرار في مهمات التدريب والغارات الجوية لطائرات دون طيار وبعض الإجراءات الأخرى المحدودة في بعض الأماكن. لكن القيام بأكثر من ذلك لن يحقق انتصارات سريعة ولن يجعل الأمريكيين أكثر أماناً أو ثراءً ولن يكسبها حتى الكثير من الاستحسان هنا في البلاد. باختصار، لن يعود عليها ذلك بالنفع على الإطلاق.
وتجدر بنا الإشارة هنا إلى أن “التركيز” في الأصل على آسيا بدأ عندما كانت كلنتون في منصب وزير الخارجية، وقد كانت من أكبر مؤيدي هذه العملية. ولا تُظهر التطلعات الصينية أي علامات على التراجع، كما ستتطلب الجهود الأمريكية لمواجهتها (ومعالجة بعض المشاكل الأخرى، مثل كوريا الشمالية) بعض التركيز والخبرة والاهتمام المستمر. وإن كل دقيقة ستقضيها الرئيسة المقبلة بالقلق حول قضايا ثانوية _والتي تتضمن، بالمناسبة، تنظيم الدولة الإسلامية _ هو وقت يحيد بنا عن القضايا الاستراتيجية الكبرى. كما أنني على ثقة بأن “شي جين بينغ” سيكون ممتناً في حال استمرت واشنطن بالتلهي والانجراف وراء الأحداث في أماكن أخرى. لكن ذلك خطأً ستتجنبه كلنتون تماماً أثناء فترة رئاستها.
وليس علينا أن ننسى كيف تصرف زوجها عندما كان في المكتب البيضاوي ونوع النصيحة التي سيسديها إليها عندما يحين دورها. في عام ١٩٩٢ تولى بيل كلنتون الحكم تحت شعار “إنه الاقتصاد، أيها الغبي” وقد أخبر سكرتيره الصحفي الأول، جورج ستيفانوبولوس، بأن “الأمريكيين انعزاليون في الأساس”. ولهذا السبب، كثيراً ما تحدث عن “توسيع مفهوم الديمقراطية” و”توسيع” النظام الليبرالي، لكنه، كرئيس، أثبت حذره الشديد في إرسال القوات الأمريكية إلى طريق الخطر. وقد سحب القوات الأمريكية من الصومال ورفض الذهاب إلى روندا وعندما دخل البوسنة دخلها بقدر كبير من الامتعاض (ولمدة محدودة) بالإضافة إلى رفضه إرسال قوات أرضية أثناء حرب الكوسوفو، على الرغم من الضغط الذي تعرض له من قادة الجيش الأمريكي.
وقد قدم كلنتون عدداً من التزامات الأمنية الجديدة في أوروبا وآسيا والخليج العربي وذلك لمجرد اعتقاده الساذج بأن هذه الالتزامات ستضمن تحقيق السلام ولن يكون الوفاء بها ضرورياً على الإطلاق. وعلى غرار باراك أوباما، فقد كان بيل كلنتون يفضل إدارة بؤر التوتر بالوسائل قليلة التكلفة كاستخدام القوة الجوية وتجنب الإجراءات العسكرية المفتوحة. وبإيجاز، من المحتمل أن يقوم أقرب مستشاري هيلاري كلنتون وأطولهم خدمة _وهو زوجها_ بتقديم النصح لها في مقاومة دوافعها الدعوية وتجنب المشاركات المكلفة في أماكن ليست ذات أهمية من الناحية الاستراتيجية.
وإن هيلاري كلنتون، شأنها شأن جميع رؤساء الولايات المتحدة، ستجاهد دون شك في إبقاء الولايات المتحدة في المرتبة الأولى في المجالات الحيوية للقوة العالمية. ومما لا شك فيه أنها ستتحدث كثيراً عن المسؤوليات العالمية الملقاة على عاتق البلاد، كالطابع “الاستثنائي” والقيادة التي لا يمكن الاستغناء عنها.. إلخ. ولكن إن كانت ذكية، سيكون ذلك في معظمه مجرد كلام ولن يكون هنالك الكثير من التنفيذ  في الوقت الذي ستركز فيه على إصلاح بنيتنا التحتية المتهالكة وإصلاح  سياساتنا المتصدعة. وتجنباً لأي خطأ: فإن هاتين المهمتين أكثر أهمية بالنسبة لمستقبل الأمريكيين من محاولة تحديد من سيتولى حكم ما تبقى من سوريا أو من سيتظاهر بأنه يتولى المسؤولية في كابول.
اقرا:
فورين بوليسي: استراتيجية الجنون الأمريكية بسوريا تُنتج متطرفين


المصدر: فورين بوليسي: هل ستتتحدى كلينتون روسيا وتتدخل عسكرياً في سورية لو فازت بالانتخابات؟

انشر الموضوع