مايو 2, 2024


 فهد المصري* : كلنا شركاء
خفايا إدارة الصراع المسلح في سورية عن بعد !! ؟؟
 ” الموك ” و” الموم ” في  وادي الذئاب

من منح الأذن للأسد ؟
   اعتاد الكثير من السوريين والمتابعين للشأن السوري على مصطلحات متعددة وكثيرة مع استعار الحرب في سورية ومنها “الموك” و” الموم” Military Operations Center – MOC  وهي تسميات لغرفة عمليات عسكرية ـ أمنية واحدة باشراف عدد من القوى الاقليمية والدولية الفاعلة في الملف السوري  بقيادة أمريكية و تقسم لقسمين (الأول في أنقرة ـ تركيا و الثاني في عمان ـ الأردن) نشأت منذ النصف الثاني من عام2013 إلا أنها بدأت بالتطور منذ عام 2014 بعد أن كانت تعمل وتنشط  أغلب دول “الموك” بشكل شبه فردي انطلاقا من دول الجوار منذ الربع الأخير من عام 2011 أي بالتزامن مع بدء نجاح الأسد وحلفائه في القضاء على سلمية ثورة السوريين ودفعهم للاضطرار بشكل تدريجي على حمل السلاح للدفاع عن أنفسهم ليمتلك منظومة الأسباب والتبرير في استخدام كل أنواع العنف و القوة في مواجهة الاحتجاجات الشعبية المناوئة لحكمه مع ملاحظة غاية في الأهمية أن الأسد استخدام خيار العنف بعد أن حصل على الأذن بذلك وهذا ما أكده  وأسره الأسد نفسه لشخصية عسكرية الأكثر قرباًَ منه و يثق بها.
أصدقاء أم أعداء  للشعب السوري؟
غرفة “الموك” و”الموم” والتي تمتلك بنك و قواعد معلومات ميدانية (طورتها تدريجيا ـ تراكميا) هدفها إدارة وضبط العمليات العسكرية وفقاً لبنك الأهداف المحدد لديها وجداول المواعيد المحددة للعمليات حسب التطورات الميدانية و السياسية إلى جانب تأمين أنواع وكميات محددة من الدعم العسكري واللوجستي والمالي و ضبط وتدريب بعض الفصائل المقاتلة التي اصطلحت تسميتها ب “الفصائل المعتدلة” أي الفصائل التي تقبل وتلتزم بالشروط التي تفرضها أجندة وسياسات الدول الراعية والداعمة و تحقيق التوازن بين قوات المعارضة وقوات النظام على قاعدة لاغالب ولا مغلوب.. لا منتصر ولا مهزوم .. في إطار إدارة حرب استنزاف مفتوحة محلية ـ إقليمية بهدف إعادة رسم خارطة المنطقة برمتها بعد عقد المؤتمر السري الأخير لمجموعة بيلدربرغ في درسدن الألمانية بتاريخ 10 حزيران/يونيو 2016 عقب نهاية مئة عام من صلاحية  اتفاقية سايكس ـ بيكو في  16 أيار/مايو  2016 .
نقتلكم وبأيديكم !
تدير خيوط الحرب ومفاصلها الولايات المتحدة  وقوى خفية و دون أن تطلق رصاصة واحدة أو تتدخل عسكرياً بشكل مباشر ويتم من خلالها تدمير جميع قدرات وإمكانيات الدول والشعوب المستهدفة ومنها سورية تمهيدا لتفتيتها والسيناريو :  إعطاء الأذن للأسد بالقتل والتدمير للحفاظ على حكمه و التغاضي عن جرائمه وسنترك حلفائه يساعدونه بشريا وعسكريا لنستنزفهم أيضا وسنمنح أنواع محددة من السلاح للسوريين للدفاع عن أنفسهم وهم سيضطرون لتنفيذ ما يطلب منهم لأن الأهداف المطلوبة تنطلق منها الحمم والقذائف التي تقتلهم وتشردهم وتدمر بيوتهم فوق رؤوسهم و حتى تحقيق كل الأهداف المطلوبة من تدمير مقدرات الدولة و قتل مئات الآلاف و تدمير مدن وقرى بأكملها (لأنها ستكون بحاجة لاحقا لإعادة بناء) وتهجير الملايين والتغيير الديمغرافي وتحقيق استحالة العيش المشترك بين مكونات المجتمع حينها تتم الإطاحة بالأسد المجرم وتفتح ملفاته و يعاد رسم خارطة المنطقة إلى دويلات ضعيفة  على أسس طائفية متناحرة و تحت شعارات براقة للحل السياسي كالفيدرالية وحماية حقوق الأقليات والنتيجة أن القاتل والقتيل هم أبناء البلد نفسه ومن أبناء المنطقة نفسها والمستهدف أرضهم وتاريخهم و هويتهم ضمن صراع  يراد له أن يكون مذهبيا ودينيا شيعي ـ علوي ـ اسماعيلي ـ درزي ـ سني ومسلم ـ مسيحي وتنافر عربي ـ كردي ولزيادة وتيرة العنف والتطرف والتطرف المضاد كان لابد من السماح بدخول الجهاديين والمتطرفين من جميع أصقاع الأرض بغية التخلص من أجزاء منهم ومن ثم توجيه من يتبقى نحو مناطق أخرى مستهدفة وما حدث في سورية خلق مفهوم جديد من الحروب حيث أن هناك سبع طبقات من الحرب في سورية و وصلت إلى ذروتها وهي (حرب الاستباحة)..
جميع أنواع وأشكال وأحجام الدعم الذي تلقته فصائل المعارضة بمختلف ألوانها تطور بشكل تدريجي وارتبط بتطور الصراع المسلح ونشأت معه عشرات الغرف العسكرية مع دخول العشرات من الأطراف و القوى والأجهزة الأمنية العربية و الإقليمية والدولية في الملف السوري وجميعها عملت وأرسلت فرق عملها للتواصل عن كثب مع مسرح العمليات في سورية وشكلت قواعد ومكاتب اتصال وشبكات علاقات وتجنيد تحت غطاء وتسميات مختلفة في دول الجوار وبشكل خاص في تركيا الأطلسية (القوية ، ذات الإمكانيات الهائلة) و في الأردن ( الضعيف ، ذو الإمكانيات المحدودة) باعتبارهما الدول الأساسية شمال وجنوب سورية  التي سمحت بدخول واستضافة آلاف المنشقين عن حكم الأسد من مدنيين وعسكريين وعدة ملايين من اللاجئين و باستثناء العراق ولبنان شرق وغرب سورية اللذان استضافا أيضا نسبة أقل من اللاجئين و الواقعان تحت النفوذ الإيراني واللذان تعمل فيهما دول “الموك” بأشكال متعددة واستراتيجيات مختلفة.  
أحجار على رقعة شطرنح
رغم الفوضى وعدم التنظيم (المدروس والمتعمد) للدعم العسكري والمالي  لفصائل المعارضة نتيجة تنافس و تباين أهداف وأجندات كل دولة وجهة وطرف داعم ونزوعها للعمل بشكل شبه مستقل إلا أن الدعم لم يكن قط  خارج إدارة و رقابة وسيطرة و تدقيق و تنسيق مع الأجهزة الأمنية في دول العبور نحو سورية (تركيا ـ الأردن) بيد أنه من نافل القول أنه يمكن أن تدخل الأراضي السورية سواء للمعارضة أو حتى لنظام الأسد رصاصة واحدة دون موافقة أمريكية و الولايات المتحدة هي التي تحدد ما هو مسموح وما هو ممنوع من أنواع ومستويات الدعم العسكري المتوجه لفصائل محددة من المعارضة سواء كان من قوى ودول أو المشترى من قبل أفراد وأطراف  من الأسواق السوداء للأسلحة.
ورغم أن غرفة “الموك” و”الموم” هي لتنظيم الجهود المشتركة بين الدول الأعضاء فيها إلا أنها تعتبر شكلاً من أشكال تنظيم الخلاف و التباين والتنافس بيد أنه هناك عدد من الفصائل المسلحة خارج نطاق الغرفتين وتتلقيان الدعم مباشرة من الدول أو القوى الداعمة والراعية لها والمشرفة عليها مثل النصرة في حين أن فصائل مثل “قوات الحماية الكردية”أو” قوات سورية الديمقراطية” تتلقى دعما بأشكال مختلفة ومتعددة من روسيا وإيران ونظام الأسد بل وحتى دول غربية على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية التي أوجدت قاعدة جوية ومقر لإدارتها على التراب السوري في محافظة الحسكة و تحت غطاء وحجة محاربة “داعش والإرهاب” بالتزامن مع دغدغة مشاعر الانفصاليين من الكرد وإيهامهم أن الهدف إقامة كيان كردي.
القسم الأول لغرفة “الموك” ومقرها عمان ـ الأردن (على الأغلب انضمت روسيا للغرفة مؤخراً قبل نحو عام بقبول وتنسيق أمريكي ـ إسرائيلي في إطار التنسيق والتعاون الثلاثي وتبادل المعلومات الاستخبارية بالتزامن مع تطور التعاون والعلاقة والتنسيق بين روسيا والأردن ـ طبعا إيران ليست عضوا في الغرفة)  ومسؤولياتها تبدأ من الجنوب انطلاقا  من الحدود السورية ـ الأردنية وصولاً إلى ريف حمص الجنوبي وأنشأ “الموك” معسكرات تدريب في الأردن و كذلك في الجنوب السوري وفي تركيا بل وحتى في قطر  وخرج عدة دفعات من المقاتلين.
غرفة الموك يمكن تحديد واختصار جوهر أهدافها الأساسية هو حماية أمن إسرائيل عبر ضبط المنطقة الجنوبية حتى حدود العاصمة دمشق ومنع التسلل في المنطقة الحدودية العازلة بين سورية وإسرائيل في الجولان  المحتل والرقابة والإدارة الصارمة للفصائل ولمجريات المعارك القريبة من المنطقة.
الولايات المتحدة و رغم أنها قامت بتقسيم سورية إلى خمس جبهات (الشمالية ـ الجنوبية ـ الغربية والوسطى ـ الشرقية ـ حمص ) عقب رعايتها لاجتماع مغلق و بإشراف وتنظيم  قطري ـ تركي و حضور ممثلين عن أجهزة أمنية للعديد من الدول في مدينة أنطاليا التركية في ديسمبر/ كانون الأول 2012  بمشاركة ممثلين عن عشرات الفصائل المسلحة (بعد أقل من شهر على تأسس  الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة في الدوحة، قطر في نوفمبر 2012) والذي أسفر عن اختيار 30 شخصية بما يعادل ستة شخصيات عن كل جبهة ضمن إطار ما سمي مجلس القيادة العسكرية العليا المشتركة وعينت العميد سليم إدريس كرئيس للأركان منذ كانون الأول/ ديسمبر 2012 حتى تاريخ إقالته بتاريخ 16/02/2014 وتعيين بديل عنه إلا أن هذا المجلس وهيئة الأركان بقي دورها وحضورها باهتاً وهامشياً ولم يتخطى حدود الاستهلاك الإعلامي ودون حضور أو تأثير على الداخل السوري وكانت شكلاً من أشكال الضعف والفساد والتبعية للمال السياسي والوصايات الخارجية فالهدف من كل التشكيلات السياسية الناشئة والتنظيمات العسكرية ومن كل المعارك وبعد كل الدمار والدم والتهجير هو كسر إرادة السوريين لدفعهم نحو نداء الخلاص للقبول بكل ما يتم فرضه في إطار تسوية سياسية معينة بعد توافق مصالح القوى اللإقليمية والدولية.
الجبهة الجنوبية
مجمل فصائل المعارضة في الجنوب السوري والتي كان أغلبها ضمن شبه أطر تنظيمية في مجالس عسكرية ضعيفة حسب المدن والمحافظات ، انضبطت تحت مصطلح وشكل تنظيمي جديد ” الجبهة الجنوبية ” والتي تأسست في  14شباط / فبراير 2014 و تعد مناطقها الأقرب للانضباط والسيطرة من باقي المناطق السورية ،وجل الفصائل فيها من الجيش السوري الحر أو ما تبقى منه ويتراوح تعداد مجموع المقاتلين فيها بنحو 30000 ألف مقاتل وبعد نشوء “الجبهة الجنوبية” بدأ يبرز دور وحضور “الموك”.
منذ حزيران/يونيو 2015 أي منذ أكثر من عام بعد فشل عدة فصائل من السيطرة على مدينة درعا في إطار عملية “عاصفة الجنوب”، تواترت المعلومات التي تؤكد تجميد “الموك” لأي دعم لبعض من هذه الفصائل و برزت تحديدا منذ الشهور الستة الأخيرة حالة الجمود الشامل للأعمال العسكرية في الجنوب و أثبتت المخابرات الاردنية قدراتها وإمكانياتها الكبيرة (بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية لدول ” الموك “) على شل وتجميد نشاط الجبهة الجنوبية للمحافظة على توزان القوى بين المعارضة والنظام في محافظة درعا ورغم أن عددا من الفصائل بدأت تعلن تذمرها وتمردها نتيجة حالة الاحتقان الشعبي من جمود التحركات العسكرية لجأ “الموك” لسياسة التهديد و العقاب مجددا عبر إما طرد ممثل الفصيل المتمرد من عضوية “الموك” أو إيقاف الدعم المالي والعسكري وإغلاق الحدود الأردنية أمام جرحى أي فصيل متمرد أو يحاول القيام بعمل عسكري منفرداً دون أوامر وأذن “الموك” وأيضا تحت طائلة تصنيفه في خانة التطرف أوالإرهاب و ربما التصفية. و في سياق الحديث عن قدرات الأجهزة الأمنية الأردنية كان لا بد من الإشارة ربما أن عدداً من قادة التنظيمات (الإسلامية) المسلحة في الجنوب السوري وعلى رأسها جناح جبهة النصرة هم أردنيون!
إسرائيل
دون أدنى شك تتابع إسرائيل وأجهزتها الملف السوري بدقة متناهية ولكن تدخلها العسكري المباشر منذ 2011 وحتى اليوم تجلى بتوجيه ضربات جوية محددة في الريف الغربي لدمشق حيث استهدفت مستودعات صواريخ وأسلحة استراتيجية للحرس الجمهوري خشية وقوعها بيد المعارضة بعد سقوط النظام كما انطلقت غارات جوية بدءا من المناطق الحدودية مع لبنان من جهة الزبداني والديماس ومخبر البحوث العلمية في جمرايا ثم وصولا للقلمون حيث تم استهداف عدة شحنات لأسلحة وصواريخ باتجاه لبنان استهدفت مستودعات للصواريخ وللأسلحة الاستراتيجية في ريف اللاذقية إلى جانب ضربات متعددة لبعض الفصائل لشل بعض التحركات العسكرية في الجنوب السوري وبشكل خاص في المناطق الموازية من الجولان المحتل.
كل الضربات العسكرية الإسرائيلية لم يكن هدفها اسقاط الأسد بل تقليم أظافره وإضعافه و تدمير الأسلحة الاستراتيجية التي يمتلكها ومنع وصول الأسلحة والصواريخ الإيرانية إلى حزب الله في لبنان لكن المستغرب هو عدم استهداف شحنات الاسلحة الكيماوية التي تسلمها حزب الله من دمشق عام  2013 والتي تم تخزينها في عدة مواقع في لبنان.
ابتلاع الجولان  ومخطط التقسيم
تجميد الجبهة الجنوبية تزامن مع تحركات يقوم بها فريق إسرائيلي (من أبرز شخصياته : يوفال رابين نجل الجنرال اسحاق رابين عراب اتفاق أوسلو ـ خامس رئيس حكومة إسرائيلية وأحد أهم متخذي القرارات في الشؤون الخارجية، العسكرية والأمنية)  لفرض منطقة عازلة على أن تضم مناطق واسعة في الجنوب السوري وبما في ذلك محافظة السويداء (ذات الغالبية الدرزية) و المثير أنه في ذات الوقت عقد بنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل اجتماعا لحكومته في الجولان السوري المحتل وأعلنه أرضا إسرائيلية للأبد !!!؟؟؟
من الملاحظ أن تجميد الجبهة الجنوبية تزامن مع سلسلة من العمليات العسكرية التي قام بها الطيران الروسي بالتعاون مع بقايا قوات تنظيم الأسد والميليشيات الإيرانية والتابعة لها في مناطق حمص وحماة وإدلب وحلب وريف دمشق وبعض مناطق الساحل وتحريك كل من الروس والإيرانيين والأمريكيين للميليشيات الكردية في مناطق محددة من الشمال مما يشير من خلال التحركات ومجريات المعارك هو رسم خطوط التماس الطائفية بهدف تفتيت سورية إلى ثلاث دويلات وأن تجميد الجبهة الجنوبية ومسألة المنطقة العازلة تصب في صالح تنظيم الأسد وتمنحه حرية الحركة في دمشق وريفها للبدء في مخطط إنشاء أول دويلة تمتد من دمشق إلى حمص ومناطق من حماة وإدلب والساحل السوري.
السعودية / قطر ـ  جنوب ـ شمال
 دون شك فإن الدور السعودي هو الأبرز والأكبر في الجبهة الجنوبية في حين أن الدور القطري موجود لكن في حدوده الدنيا مقارنة بالدور القطري الكبير والمهوول في الشمال السوري حيث يتواجد فريق أمني قطري كبير رفيع المستوى شبه مقيم بشكل دائم في تركيا  يتمتع بدينامية كبيرة يدير الملف السوري عن قرب بل وحتى داخل الأراضي السورية إنطلاقا من الأراضي التركية وهذا من ثمار العلاقة العميقة المتطورة بين قطر وحزب العدالة والتنمية التركي الحاكم في تركيا والرعاية القطرية ( الأمريكية) الخاصة للجناح السوري من جماعة الأخوان المسلمين التي ارتبطت بعض قياداتها بعلاقات سرية مع إيران بل وعقدت معها سلسلة اجتماعات في إيران و أوربا وسلطنة عمان على مدار السنوات الأربع الأخيرة  مما أثر على مسرح  المعارك في تحييد بعض المناطق لأهداف معينة.
برزت منذ بدايات الحرب الكميات الهائلة من الأسلحة والذخائر التي تسلمتها جماعة الأخوان بشكل خاص دون غيرها وخارج الهيكليات التنظيمية في الجيش السوري الحر من قطر وليبيا والسودان أو المشتراة من دول أوربا الشرقية من الأسلحة والذخائر الكاسدة من حروب البلقان وتشير كل المعطيات أن أكثر من ثلثي هذه الأسلحة والذخائر لم تستخدم ومنعت عن فصائل الجيش الحر لا و بل تم تخزينها في بعض المواقع المختلفة من محافظات حمص وحماة وحلب وإدلب وهي المناطق التي تمكنت الجماعة من بناء مناطق نفوذ و أذرع مسلحة فيها لحسابها وهذا يعني أن هناك ربما حرباً مؤجلة لمرحلة ما بعد الأسد بين السوريين والجماعة.
في سياق الحديث عن الدور القطري تجدر الإشارة إلى أن العلاقات الأمنية ـ القطرية حافظت على متانتها في التعاون والتنسيق المشترك و على أعلى المستويات رغم احتضان قطر ورعايتها لجماعة الأخوان وجبهة النصرة وللعديد من الفصائل المسلحة المعارضة للأسد ودعمها والإشراف عليها وفي ذات السياق لا تتضح معالم مستوى العلاقات الأمنية القطرية ـ السورية لكن يبدو أنها لم تنقطع رغم تأثرها بالأحداث وبدا ذلك لربما من خلال زيارة خاطفة لمسؤول المخابرات القطرية  لدمشق عبر بيروت  بالتزامن مع إطلاق سراح راهبات معلولا في آذار /مارس 2014 .
أسلمة و إفساد
ورغم أن الدور والدعم السعودي شمالاً بدأ خجولا مع نهاية عام 2012 إلا أنه بدأ يتعاظم ويتسع مؤخراً مع التقارب  السعودي ـ التركي وهو تقارب مهم ويمكن القول أن أحد أسباب ضعف الدور السعودي شمالاً مع بدايات الصراع المسلح ضد تنظيم  الأسد هو أن الدعم المالي ثم لاحقا العسكري كان عبر وسطاء الوسيط  من المرتبطين بعلاقات أمنية خيطية مع حزب الله وأسهموا في عملية نشر حالة الإفساد في صفوف العديد من الفصائل و عدد كبير من العسكريين المنشقين اللاجئين في تركيا.
ويمكن القول أن الدعم والدور السعودي الهام رغم أنه الأبرز والأكبر جنوباً  إلا أنه لم يكن بمدى دينامية وسرعة التحرك القطري شمالاً بل وينطبق ذلك على دبلوماسية الدولتين حيث اتسمت الدبلوماسية السعودية بالهدوء والبطئ (خلال العهد السعودي السابق) على عكس الدبلوماسية القطرية النشيطة التي اتسمت بالدينامية والسرعة ومع ذلك و طيلة أغلب سنوات الحرب في سورية كان هناك نوع من التنافس القطري ـ السعودي على ولاءات عدد من الفصائل مع الإشارة إلى أن استراتيجية الدعم السعودي والخليجي عموماً قائمة أساساً على قاعدة إبعاد خطر إيران وحزب الله عبر استنزافهم على الأراضي السورية وإطالة أمده للخشية من تبعات وانعكاسات التغيير و التحولات الجيوسياسية على سائر المنطقة التي يمكن أن تحدث لو انتصرت ثورة السوريين.
إيران / حزب الله : شرق ـ غرب
لم تتمدد إيران وأدواتها  في المنطقة وتتدخل في سورية لولا الأذن و الضوء الأخضر الأمريكي والغطاء الروسي و دفعت بحزب الله للوحل السوري لأن سورية نافذتها على المتوسط وقاعدتها للنفوذ لكل المنطقة وجبهة وخطاً دفاعيا متقدماً ومن خلال سورية تمسك بلبنان والعراق والملف الفلسطيني وتعزز من حضورها نحو الدول الخليجية وسقوط تنظيم الأسد يعني سقوط مشروعها في سورية وكل المنطقة لذلك تحارب للدفاع عنه وبأدواتها (العربية ومن المرتزقة ـ حزب الله والميليشيات العراقية والحوثيين وافغانستان وو) وبإشراف مباشر من الحرس الثوري.
منذ تمكنها من التغلغل إلى قلب تنظيم الأسد منذ عام 2003 عقب غزو العراق وانتهاء الوصاية السورية على لبنان بطرد جيش تنظيم الأسد عام 2005 سعت  إيران جاهدة و عمليا منذ تلك الفترة أن تكون وريثة عهد الأسد (الاب والابن) في إدارة الملفات الإقليمية التي كان مكلفا الأسد بها من قوى دولية (ملف الفصائل الفلسطينية ـ الملف اللبناني ـ التنظيمات الإسلامية وملف الإرهاب ..الخ ) وقامت إيران باستمالة العديد من القيادات العسكرية والأمنية السورية وأقامت دورات تدريبية لعدة آلاف من السوريين في معسكرات على الأراضي الإيرانية بالتزامن مع محاولاتها المستمرة للتغيير الديمغرافي على أسس طائفية في دمشق ومحيطها بعد أن تمكنت ومنذ عام 1996 بالتغلغل  بشكل واسع لنشر التشيع السياسي في دمشق والعديد من المدن السورية.
“دولة صيدنايا الإسلامية”
الدور و الدعم الإيراني القادم عبر العراق شرقاً ومن لبنان غرباً  والذي يصب في صالح حكم الأسد يمكن تقديره بعشرات الأضعاف عن حجم الدعم القطري والسعودي والليبي والتركي والغربي للمعارضة السورية و رغم ذلك تمكن السوريون من تحرير أكثر 60% من مساحة التراب السوري إلى أن تم تفريخ  داعش وأخواتها (بهدف شيطنة ثورة السوريين والقضاء عليها بحجة مكافحة الإرهاب والتطرف) والتي هي أساساً سيناريو من إنتاج المخابرات السورية “دولة صيدنايا الإسلامية” وهو السيناريو الذي تم التحضير له بين 2005  و 2008 (نتيجة خشية الأسد من الإطاحة به بعد اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية رفيق الحريري) في سجن صيدنايا العسكري  الذي كان مقر اعتقال من هم منذ بدء خطة أسلمة ثورة السوريين قادة الجماعات والتنظيمات ( الإسلامية بمختلف ألوانها) المسلحة الذين أفرج عنهم الأسد في حزيران/يونيو 2011 بعد أقل من ثلاثة أشهر من الاحتجاجات الشعبية السلمية وبالتزامن أيضا مع تهريب المخابرات الإيرانية للمعتقلين الإسلاميين من سجن أبو غريب في العراق حتى باتت داعش اليوم استثمار محليا واقليما ودولياً.
تركيا ـ روسيا ـ إيران  :
قبل اندلاع الحرب في سورية كان هناك أربعة مشاريع تتنافس فيما بينها على النفوذ في المنطقة العربية :المشروع الأمريكي ـ المشروع الإسرائيلي ـ المشروع الإيراني ثم بدأ يتجلى المشروع التركي مع توجه القيادة التركية نحو ( إرثها العثماني) في محيطها  العربي والإسلامي ووضعت استراتيجية برزت منذ عام 2009 في  منتدى دافوس إثر مشادة كلامية حادة مع الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز على خلفية أحداث غزة ولكن أضيف مشروع جديد للمشاريع الأربعة السابقة وهو المشروع الروسي الحالم باستعادة نفوذ الاتحاد السوفيتي في المنطقة العربية بالتزامن مع الخلل في العلاقة مع الحلفاء العرب التاريخيين الذي أحدثته السياسة الأمريكية وبدأ المشروع الروسي  مع أول تدخل عسكري مباشر في سورية اعتباراً من 30 أيلول/سبتمبر 2015 عقب إعلان الكرملين منح الرئيس بوتين تفويضا بنشر قوات عسكرية في سورية بالتزامن مع تطورات ملف أوكرانيا والقرم والتوتر وشد الحبال بين موسكو وأوربا والناتو حيال نشر الدروع الصاروخية.
وقفت روسيا منذ بداية الحرب في سورية إلى جانب تنظيم الأسد وقدمت له كل أنواع وأشكال الدعم العسكري واللوجستي وعززت وجود الخبراء نظراً لما تشكله سورية كآخر موطئ قدم لها ولمصالحها في سورية والشرق الأوسط فاستخدمت حق النقض الفيتو في مجلس الأمن حيال سورية عدة مرات لإعاقة أي إجراءات تعتقد أنها تضر بمصالحها.
القيصر بوتين
التدخل العسكري الروسي المباشر في سورية جاء في لحظة مفصلية بعد الخسائر الفادحة و الفشل المتواصل لتنظيم الأسد وإيران وحزب الله والميليشيات الشيعية المتطرفة وكانت المعلومات الاستخبارية الروسية الصاعقة للكرملين القادمة من دمشق تؤكد  بأن تنظيم الأسد بات ضعفياً حتى الثمالة وتهالك بشكل أسرع من المتوقع وأوشك على السقوط فجاء التدخل الروسي المباشر و تمكنت موسكو من بناء قاعدتين عسكريتين على الساحل السوري الأولى قاعدة جوية في اللاذقية و الثانية قاعدة بحرية في طرطوس لتثيبت وجودها على الساحل حيث مناطق موالاة تنظيم الأسد  و لجعل موسكو شرطي في المتوسط قبالة أوربا وتطويق عدوها التاريخي التركي إلى جانب أنها ستضمن منع أي إمدادات للغاز القطري أو الإيراني باتجاه أوربا عبر سورية ومن خلال هذا الوجود ستعمل على محاولات استعادة نفوذ ومصالح  الاتحاد السوفيتي السابق في المنطقة وألا يمر أي حل لسورية إلا من خلال أو عبر روسيا لأنها ستكون الطرف الأساسي على أي طاولة تفاوض.
الحرب التي تقودها روسيا في سورية اقذر حرب دخلتها موسكو منذ الحرب العالمية الثانية و حرب  الشيشان ودون شك
الولايات المتحدة الأمريكية الاكثر سعادة من التورط الروسي لاسيما وان سياسة موسكو تسعى وبكل قوة وجسارة لمعاداة الشعب السوري وشعوب المنطقة وكل ما لا تريد واشنطن القيام به من قذارات بيديها قامت به موسكو بل و سعت اليه وبكل اصرار.
الباب العالي
تركيا الأطلسية و التي فقدت ثقتها بأوربا والغرب بعد الانقلاب الفاشل كانت تدرك أن الولايات المتحدة و حلفاء آخرين  في حلف شمال الأطلسي ـ الناتو أرادوا توريطها بالتدخل العسكري في سورية وعدم حماية ظهرها الأطلسي هي بوابة أوربا على الشرق وبالعكس وكذلك فإنها بوابة روسيا على الشرق وبالعكس  ولربما إنطلاقا من هذه الحقيقة الجغرافية والتاريخية والسياسية وحجم المصالح الكبيرة بين موسكو وأنقرة كانت الدافع الرئيس لإعادة التطبيع بين روسيا وتركيا لا سيما وأن روسيا كانت أول دولة تدين الإنقلاب الفاشل ولربما كان للمعلومات الاستخبارية التي أبلغتها موسكو لأنقرة بالغ  الأثر في إعطاء دفء لعودة العلاقات هذا إن لم نقل أن هذه المعلومات  كانت وراء الإنذار المبكر لإفشال الإنقلاب.  
وبات علينا ربما النظر إلى مشروع إعادة العلاقات الروسية التركية على أنه يتجاوز تطبيع راهن لازمة عميقة، إلى إتفاق إستراتيجي للتحرك نحو حل للقضية السورية، لأنه ثبت أن  كل الأطراف الأخرى في الأزمة السورية كانت ثانوية التأثير لأن عملها كان يدور في فلك قوتين رئيسيتين لهما وضع مهيمن ودون شك فإن قمة بوتين ـ أردوغان في سان بطرسبورغ و حرب الأيام الستة مؤخرا في حلب والتي تمكن فيها السوريون من فك الحصار وتحقيق تقدم عسكري في مناطق متفرقة من حلب أوضح رسالة تركية للرد على الولايات المتحدة  والدول الأخرى التي كانت تقف وراء الانقلاب.
و على موسكو ان تحل الاحجية و تبحث عن الطرف الثالث الذي اسقط المروحية الروسية في ريف ادلب في الأول من شهر آب /أغسطس الحالي وهذا الطرف هو الذي يريد دفع موسكو دفعا نحو مزيد من ارتكاب المجازر والجرائم وتوريط موسكو اكثر في وحل الحرب في سورية.
سورية مقبرة الجنرالات
النفوذ التركي الواسع والدعم والتغلغل القطري  سواءا عبر دعم قيادات جبهة النصرة وفصائل جماعة الأخوان أو الفصائل التي شكلتها ودعمتها قطر وتركيا ومع ذلك يبقى على تركيا أن تكشف أسباب فتح حدودها أمام تدفق المقاتلين والجهاديين العرب والأجانب  نحو سورية والذين جذبهم الصمت الدولي و تدخل إيران وأدواتها من الميليشيات الشيعية المتطرفة.
لتركيا اليد الطولى في مناطق واسعة من الأراضي السورية في محافظات حمص و حماة و حلب و إدلب ومناطق من الساحل ويمكن القول أن التخطيط و الإدارة الاستراتيجية و الدعم العسكري واللوجستي التركي ـ القطري للعديد من المعارك التي ارتبطت بالعوامل والتطورات السياسية والميدانية ساهمت في الكثير من الجوانب بإلحاق الخسائر الفادحة بتنظيم الأسد والميليشيات الإيرانية والعراقية وحزب الله ويمكن الإشارة إلى أن العديد من الجنرالات و القيادات العسكرية والأمنية الإيرانية ومن حزب الله تم اغتيالهم في محافظات حلب وإدلب بفضل الدعم اللوجستي والاستخباري التركي وفي ذات السياق فإن العديد أيضا من القيادات العسكرية والأمنية الإيرانية ومن حزب الله اغتيلت ولاقت حتفها بشكل خاص في محافظة حلب بفضل تعاون روسي مع عدد من القيادات العسكرية والأمنية السورية من تنظيم الأسد ولكن الموالية لروسيا والرافضة للهيمنة الإيرانية.
الصراع الخفي بين مصالح روسيا وايران على الأراضي السورية لا سيما مع إبعاد روسيا لميليشيا حزب الله  من مناطق من الساحل واغتيال قيادات عسكرية وأمنية إيرانية أو تابعة لها  يطرح تساؤلا عن أسرار اغتيال الجنرال ايغور سرغون  رئيس المخابرات العسكرية الروسية  خلال زيارته لدمشق (كانت لإبلاغ الأسد بضرورة التنحي عن السلطة) بيد أنه  أعلن عن وفاته وليس اغتياله  في 3 كانون الثاني/يناير 2016 و قيل توفي في بيروت.
صمود اسطوري وفشل اقليمي ذريع
دون شك تحمل السوريين لكل ماحدث في بلدهم يعتبر صمودا اسطوريا أمام أعنف وأقوى آلات القتل والتدمير ورغم كل  ملفات الإعاقة من عمليات التهجير والتجويع والحصار و داعش وأخواتها ولم يدرك العالم برمته أن ما يحدث في سورية حركة مجتمع عميقة غير قابلة للردع.
بعد خمس سنوات من استعصاء الحسم وصلت الأطراف الإقليمية الفاعلة إلى الإقرار بالقدرة على الشراكة واستحالة وقوع هزيمة، هذه مرحلة مهمة، فهناك مخاوف ومصالح جوهرية في سورية لدى هاتين القوتين روسيا وتركيا ، تنتظرها ثلاث مهمات لحل الأزمة السورية الأولى هي الإتفاق على المصالح الدولية، والثانية وضع الشروط لتوفير الضمانات الدولية للسلطة القادمة في دمشق والثالثة. النظر في مطالب الأطراف المعيقة. من هنا يمكن أن نقرأ لماذا جاءت التفجيرات الأخيرة في كل من استنبول والمدينة المنورة.
اليوم صف الحلفاء خلف الروس غير موحد إطلاقا، وهذا سيؤثر في قدرة الروس على إدارة التفاوض، فهم يتعاملون مع حلفائهم بطريقة الاخضاع من خلال الإحجام عن المشاركة في العمليات العسكرية، والتي تسببت بكثير من التراجع على الأرض، على خلاف الأتراك فإمكانية الخروج بموقف موحد ممكنة أما  الإيرانيون وحلفاؤهم الآخرون فهم  في وضع لايحسدون عليه بالمطلق.
الموازنة العامة للحدث مثيرة، لأنها بالتأكيد تتجه إلى تنسيق أمني إقليمي ستدخل فيه دول اخرى كبداية لمجلس إقليمي للأمن ولو لم يسمى كذلك، لتجعل قضية داعش من الماضي بأدوات إقليمية وغطاء دولي.
 فهد المصري* :رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية والأمنية والعسكرية حول سورية



المصدر: فهد المصري :خفايا إدارة الصراع المسلح في سورية عن بعد!!؟؟

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك