مايو 21, 2024

لـ”الولي الفقيه” وكلاء نقباء شرعيون مكلفون، وملتزمون  في أغلب البلدان والأمصار منهم المعلَن، والمعلوم (النقيب حسن نصر الله أمين حوب الله في لبنان)، ومنهم المستتر أو المكتوم، ينتظرون الظرف المناسب سياسياً ودينياً للخروج إلى العلن، عملاً بنهج “التقية”

فهد المصري: بوابة الشروق
في محاولة لقراءة المفهوم العقدي لإدراك أبعاد عملية الشحن والتسخين الطائفي والاستقطاب السياسي ومخاطرها الكبيرة والمفجعة على سائر المنطقة وشعوبها أمام العاصفة الطائفية العاتية الهوجاء والتي لم تعد تلوح في الأفق فحسب بل إن زوابعها ستثير العديد من الأزمات القادمة بشكل أوسع لما هو حالي لاسيما بعد سقوط أربع دول عربية في عين العاصفة حتى الآن (لبنان ـ العراق ـ اليمن ـ سورية).
الحروب الطائفية: عنوان مرحلة مقبلة؟
كل ذلك لم يأت عن عبث أو من فراغ، فكل حدث أو فعل لا بد وأن له أسس وأسباب ودوافع وهذا ضمن مخطط استثماري في صناعة وإدارة حروب وأزمات استعانت فيه القوى المعادية للمنطقة برمتها، والتي تدرك أجهزتها الأمنية تماما البيئة والمفاهيم والتركيبة الديمغرافية والقومية والدينية والمذهبية لدول وشعوب الشرق الأوسط والأدنى وشمال إفريقيا، بل وتعتبر نفسها ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية أو بعد منح الاستقلال الصوري لهذه الدول الوصيّ المباشر على أي عملية تغيير سياسي في السلطات ونظم الحكم والتي لا بد من تعميدها وأن تمر من خلالها وعبرها، فاستثمرت في كل مَواطن وأسباب الخلاف والانقسام لتعبر مشاريعها ومصالحها عبر التناقضات والعيوب.

ولاية الفقيه بين النظريّة والتطبيق
مع تمكن إيران من أربع دول عربية حتى الآن، وعملها وجهدها الدؤوب ضمن إستراتيجية واسعة وطويلة وخطيرة للغاية للتغلغل التدريجي أيضاً في دول عربية وإفريقية أخرى، بعد أن سخَّرت لها جميع الإمكانيات والأدوات وباتت تمتلك بنى تحتية وتعمل بكل طاقتها للاستفادة من الإرث التاريخي والاجتماعي والثقافي في المناطق التي بنت فيها فرقٌ مختلفة من الشيعة دولاً وإماراتٍ عبر التاريخ مثل سورية ومصر وتونس والجزائر… أو أرست أسسا للانطلاق في مناطق جديدة مثل ساحل العاج وغينيا ونيجيريا وجزر القمر… لا بد من التساؤل مع تمسك الروس والأمريكيين والغرب عموماً  بفرض “العلمانية” على سورية الجديدة: كيف ولماذا تم التخلي عن شاه إيران أقرب وأخلص حليف للغرب لصالح وصول نظام ثيوقراطي (ولاية الفقيه) تزعَّمه الخميني، إلى الحكم؟!! ولماذا سمح الغرب بتغلغل وتمكين  إيران  الدولة الثيوقراطية من لبنان والعراق وسورية واليمن ويتعاون معها كشريك استراتيجي واتفق نووياً معها رغم أنه يعتبرها دولة مارقة راعية للإرهاب؟! 
المثير الآن، ومن دوافع تقصي المفهوم العقدي، هي التطوُّرات الإقليمية مع وجود عدة نقاط التقاء محورية بين فكر ومسلك دولة ولاية الفقيه وفكر ومسلك  تنظيم (الدولة الإسلامية) في العراق والشام، المعروف بـ(داعش) فكلا الطرفين يستخدمان الدين والطائفية كوسيلة لأغراض سياسية، ويستند على منظومة عقدية، وكلاهما يكفِّر من لا يؤمن به ومن لا يكون تحت عباءته، بل إن ذات المعايير والأساليب في الشحن الطائفي والاستقطاب والتكفير التي تستخدمها إيران وأدواتُها مثل حزب الله والميليشيات الشيعية المتطرفة (العراقية) هي ذات المعايير والأساليب التي تستخدمها (داعش) وأخواتُها في عملية الإقناع بتكفير الآخر وسمحت وبالاستفادة والاستثمار في بيئة التخلف والفقر المنتشرة في المنطقة التي يتحكم فيها الاستبداد من انتشار أعلى درجات الحروب وهي حرب الاستباحة في أعنف مستوياتها وبشكل غير مسبوق أسفر حتى الآن عن مقتل مئات آلاف الضحايا وتهجير الملايين وتدمير مدن ومناطق بأكملها.
من لا إمامَ له لا دينَ له!!؟
مسألة ولاية الفقيه، فيها تعقيدات، وطروحات ووجهات نظر عديدة ومختلفة، واجتهادات متباينة، ومتشعِّبة.
هذه المسألة  تقسِّم الشيعة إلى أكثر من فرقة، كما قسمتهم سابقا أيام كانت طرحا نظريا غير معمول فيه بالعلن، كما تشعَّب الشيعة إلى فرق وشُعب تجاوز عددها ست وعشرين فرقة على مر الأزمنة والأحداث والاجتهادات منها “الإمامية الإثنا عشرية”، التي تتبنى “ولاية الفقيه” المعمول بها في إيران.
لكن القمي في كتابه “فرق الشيعة”  يقول “الاثنا عشرية فرقة واحدة من خمس عشرة فرقة انقسمت إليها الشيعة بعد وفاة الحسن العسكري وهي:  الاصولية ـ الاخبارية ـ الشيخية (الأحمدية) الكشفيةـ (الرشتية) ـ الركنية ـ الكريمخانيه ـ القزلباشية ـ القرتية ـ الكوهرية ـ النوربخشية ـ البابية ـ فرقة البهائية أتباع حسين علي النوري المازندراني الملقب بـ(بهاء الله). 
جوهر العقيدة الإمامية تقوم على اعتبارها أحد أركان الاسلام المضافة أن “كل من هو  ليس شيعياً ليس بمسلم؟!” كاستنتاج فإذا كان هؤلاء الأئمة هم “خلفاء النبي” فمعنى ذلك كل ما كان من خلافات دونهم فهي خلافات باطلة، وذلك يعني أن الكتل الكبيرة من المسلمين السُّنة “ليسوا مسلمين” برأيهم لأنهم لا يؤمنون بـ”الإمامية” كـ”ركن من أركان الإسلام”!.
الفكرة السياسية المنطقية وما يُبنى على هذا الركن الإضافي أو هذه القناعة أن مصدر الاستقطاب السياسي ضد الجسم الإسلامي يرجع بشكل محوري، وليس بشكل رمزي، إلى أن من لم يقبل بهذا الركن فهو “خارج سلطة الإمام” الذي يعتبرونه “خليفة النبي” وهو “خارج الدين” أي “لا دين له” بمعنى تكفير ديني لأهداف سياسية، ولا بد من التمييز من فكرة “الإمامية” وظهور الفكرة المعاصرة لـ”ولاية الفقيه”.
ثانيا: طالما أن هؤلاء الأئمة يعتبرون أنفسهم “أئمة المسلمين” وأنهم من آل البيت وهم “ورثة الرسول” وكل من يؤمن بإمامتهم مسلم وما عدا ذلك فهو “خارج الدائرة الإسلامية” فهذا مكمن خطورة؛ فقاعدة الإيمان بين السنة والشيعة لم تعد الله ورسوله بل في الركن المضاف غير المتفق عليه بين كل المسلمين، بمعنى “من لا إمامَ له لا دينَ له”، وأصبح من الصعوبة للهيئات السياسية والمرجعيات الدينية التي تؤمن بـ”الإمامية” أن تتقبل السنة كمسلمين ضمن هذا المفهوم.
ما هي الشيعة الإمامية الاثنا عشرية؟
الإمامية الاثنا عشرية اسم يطلق على طائفة من الشيعة (وهي الطائفة الأكبر عدداً بين الطوائف الشيعية الأخرى، وتعتبر إيران الحالية المركز الأوسع لتواجدهم، مع الإشارة إلى أن المذهب الإثنا عشري أصبح المذهب الرسمي للدولة في بلاد فارس (إيران الحالية) منذ أوائل القرن السادس عشر بقرار من مؤسس الدولة الصفوية الشاه إسماعيل الأول ليميِّز إمبراطوريته عن الإمبراطورية العثمانية السنية حسب بعض المصادر التي تؤمن أن إمامة المسلمين تأتي نصّاً لكل إمام من الإمام “المعصوم” من أئمة آل البيت السابق له، وبذلك  يختلفون عن طوائف وفرق شيعية أخرى مثل الزيدية التي لا تشترط أن يكون الإمام من آل بيت الرسول، ويتفقون مع الجعفرية على الأئمة الستة الأوائل، لكنهم يفترقون ويختلفون من بعد الإمام السادس جعفر الصادق إلى فرق متشعبة ومتعددة  بسبب الخلاف على الإمام التالي. ويطلق البعض لقب “الرافضة” على الإماميين. 
يقول الشيخ ابن باز “يقال لهم الرافضة؛ لأنهم رفضوا زيد بن علي لما أبى أن يتبرَّأ من الشيخين أبي بكر وعمر وخالفوه ورفضوه.
بعض المراجع الشيعية تقول “إن النبي قد نصَّ على إثني عشر إماما خلفاء من بعده، وأطلقت تسمية الشيعة الاثنا عشرية على هذه الطائفة لتمييزها عن طوائف أخرى كالزيدية والاسماعيلية وغيرها”.
أما الأئمة الاثنا عشر (المعصومين من أهل البيت بعد الرسول ـ حسب اعتقادهم) فهم :

علي بن أبي طالب
  الحسن بن علي
  الحسين بن علي  
 علي بن الحسين زين العابدين  
 محمد بن علي الباقر
 جعفر بن محمد الصادق
 موسى بن جعفر الكاظم
 علي بن موسى الرضا
محمد بن علي الجواد
 علي بن محمد الهادي  
  الحسن بن علي العسكري  
  محمد بن الحسن (المهدي المنتظر).

من الطّوسي والمفيد إلى الخميني والخامنئي
في قراءةٍ لبعض الكتب الدينية، نجد أن مسألة  “الولي الفقيه” قال بها عددٌ من علماء الشيعة كما ورد في كتاب “الفقيه والسلطة والأمة” للشيخ مالك وهبي (الشيخ المفيد، وشيخ الطائفة الطوسي، والمحقق الحلي في كتابه شرائع الإسلام، والكركي، والحلي، والعاملي، والنجفي صاحب كتاب الجواهر، كما قال بها المحدثون من أمثال البروجردي، والگلبايگانی، ومحمد باقر الصدر، والخميني، وغيرهم).
و”ولاية الفقيه” مختلف عليها عند المسلمين، ينقل الشهرستاني في “المِلل والنحل”، عن ابن حزم في الجزء الأول (وأعظم خلاف بين الأمة خلاف الإمامة، إذ ما سُلّ سيفٌ في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سُلّ على الإمامة، في كل زمان) ويضيف: (وإنما نشأت شبهاتهم، من مذاهب الحلولية، ومذاهب التناسخية)، وفي هذا يقول ابن خلدون في مقدمته: (… ومنهم تجاوزوا حد العقل والإيمان في القول، بألوهية الأئمة) وأشار الشهرستاني إلى فرقة المنصورية بقوله اعتقادها (أن الرسل لا تنقطع أبداً، والرسالة لا تنقطع) فيما كتب الأشعري (الأئمة أنبياء ثم آلهة)!
كما نقل الشهرستاني محاورة بين الرسول وجبريل تناولت معاني الإسلام، والإيمان جاء فيها: “… وقال جبريل يا رسول الله ما الإسلام؟ فقال: أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، وأن تقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم شهر رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً.. ثم قال: ما الإيمان؟ فقال عليه الصلاة والسلام: أن تؤمن بالله، وملائكته، ورسله، واليوم الآخر…”. 
أما الغزالي في كتابه “فيصل التفرقة” فيقول: (وأصول الإيمان ثلاثة، الإيمان بالله، ورسوله، وباليوم الآخر، وما عداه فروع، واعلم أنه لا تكفير في الفروع أصلاً إلا في مسألة، وهي أن ينكر أصلاً دينياً عُلم من الرسول بالتواتر).
أما الشيخ  كاشف الغطاء بكتابه “أصل الشيعة وأصولها” فيقول: (الإسلام والإيمان مترادفان، ويُطلَقان على معنى أعمّ يعتمد على ثلاثة أركان التوحيد، والنبوة، والمعاد، فلو أنكر الرجل واحداً منها، فليس بمسلم، ولا بمؤمن، وإذا دان بتوحيد الله، ونبوة سيد الأنبياء محمد، واعتقد بيوم الجزاء، من آمن بالله ورسوله واليوم الآخر فهو المسلم حقاً… وركن رابع هو العمل بالدعائم التي بني عليها الإسلام، وهي خمس صلوات، والصوم، والزكاة، والجهاد، ولكن الشيعة الإمامية زادوا ركناً، وهو الاعتقاد بالإمامية).
إن غالبية المسلمين يؤمنون بأركان الإسلام الخمسة، ولا يؤمنون بالحلولية، ولا بالتناسخية، ولا بألوهية الأئمة، ولا بأنّ الرسل والرسالة لا تنقطع أبداً، ويؤمنون بأن النبي محمد هو خاتم الأنبياء والمرسلين  (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلام ديناً).
وفيما يقول علي الخامنئي: (…لا بد للمجتمع الإسلامي بكل طبقاته من وليّ أمر) يؤكد الشيخ نعيم قاسم نائب الأمين العام لحزب الله في لبنان (أن ولاية الفقيه تمثل الاستمرارية لولاية النبي والأئمة في الدور المناط بها).
الولي الفقيه
لدى جل الإماميين هو نائب، ووكيل المهدي المنتظر، وكيل النبي، الحاكم بالعدل، الناطق بالقسط، وهو إمام معصوم، أمير للمؤمنين، ولي أمر المسلمين، الجامع للشرائط، يسوس أمر الأمة دينياً، وسياسياً، حاكم سياسي، حجة وحيدة للإسلام لا ترقى إلى مستواها أيّ حجة، يُكتشف، ولا يُختار، يأمر ولا يُؤمر.
يقول محمد باقر الصدر في كتابه “خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء”: (النبي والإمام معيَّنان من الله تعييناً شخصياً، أما المرجع فهو معين تعييناً نوعياً…. ومن هنا كانت المرجعية كخط، قراراً إلهياً، والمرجعية كتجسيد، فهي فرد معين قراراً من الأمة، وارتباط الفرد بالنبي ارتباطاً دينياً، والرجوع إليه في أخذ أحكام الله تعالى عن طريقه يجعل منه مسلماً بالنبي، وارتباطه بالإمام على هذا النحو يجعل منه مؤمناً بالإمام، وارتباطه بالمرجع على النحو المذكور يجعل منه مقلداً للمرجع). وكل فتاوى “الولي الفقيه” الدينية، والدنيوية تكليف وأوامر شرعية، لا يجوز ردها، بل يجب الانصياع لها دون أي تردد، أو تلكؤ، أو تأخير، وهنا يؤكد الشيخ نعيم قاسم (فالارتباط بالولاية تكليف، والتزام يشمل جميع المكلفين حتى عندما يعودون إلى مرجع آخر في التقليد، لأن الآمرية في المسيرة الإسلامية العامة، للولي الفقيه).
ولـ”الولي الفقيه” وكلاء نقباء شرعيون مكلفون، وملتزمون  في أغلب البلدان والأمصار منهم المعلَن، والمعلوم (النقيب حسن نصر الله أمين حوب الله في لبنان)، ومنهم المستتر أو المكتوم، ينتظرون الظرف المناسب سياسياً ودينياً للخروج إلى العلن، عملاً بنهج “التقية”.
لا تتسع مقالتنا هذه لمناقشة آراء علماء الشيعة في مواصفات “الولي الفقيه” فمنهم من جعلها دينية، وهم الأغلبية، بينما الخميني ركز على صفات سياسية ،وعملانية ،وميدانية حيث يقول الخميني في كتاب “منهجية الثورة الإسلامية” (لايكفي الاجتهاد المصطلح عليه في الحوزات، بل حتى ولو وُجد إنسان هو الأعلم في العلوم المعروفة في الحوزات لكنه غير قادر على تشخيص مصلحة المجتمع… فإن مثل هذا الإنسان يكون غير مجتهد… ولا يمكنه التصدي لاستلام زمام المجتمع).
الشروط المتوجب توفرها في الولي الفقيه
1ـ الفقاهة على مستوى الاجتهاد، للتمكن من استنباط الأحكام.
2ـ القدرة السياسية، والعملية لحسن الإدارة.
3ـ مواكبة متطلبات المجتمع.
4ـ الصفات الذاتية من العدالة، والورع، والتقوى التي تجعل الرادع الداخلي في العلاقة مع الله تعالى أساساً في المحافظة على الحدود الشرعية.
لكن الشيخ نعيم قاسم يعيدنا إلى تعريف الخميني  للولي الفقيه (لا يكفي الاجتهاد المصطلح عليه في الحوزات بل حتى ولو وُجد إنسان هو الأعلم في العلوم المعروفة في الحوزات لكنه غير قادر على تشخيص مصلحة المجتمع، أو لا يقدر على تشخيص الأفراد الصالحين، والمفيدين من الأفراد غير الصالحين، ويفتقد بشكل عام للرأي الصائب في المجال الاجتماعي، والسياسي، والقدرة على اتخاذ القرار، فإن مثل هذا الإنسان يكون غير مجتهد في المسائل الاجتماعية، والحكومية، ولا يمكنه التصدِّي لاستلام زمام المجتمع) ويضيف قاسم (إن الولي هو نائب الإمام، أو يقوم مقامه في المهام المطلوبة من القيادة الشرعية للأمة).
من خلال التعريفين: تعريف الخميني وتعريف قاسم لولاية الفقيه، نلاحظ فرقاً أساسياً وجوهرياً حيث أن قاسم أعطى الفقاهة في الاجتهاد، وصفات العدالة، والورع، والتقوى، وركز على هذه الصفات الدينية بينما التعريف الذي أورده قاسم عن الخميني لم يركز عليها، بل على صفات سياسية عملانية ميدانية.
ثم يستدرك الشيخ قاسم ،ويمتدح الخميني ،ويتبنى تعريفه (إن تصدي الخميني لولاية الأمر لم يسبق له مثيل منذ زمن الأئمة، وقد حاز على الموقع بأهليته وجدارته الفقهية والسياسية بتوفر المواصفات المطلوبة في الولي الفقيه، وليس كل من تصدى لعنوان الولاية، أو الخلافة، أو الإمارة يستحق هذا المرجع بمجرد تصديه ،وليس الولي على الشريعة يحكم المسلمين كيفما كان براً أو فاجراً فالأمر منوط ـ بحسب هذا المنهج ـ بمن يملك الكفاءة العلمية والقيادية).
صلاحيات “الولي الفقيه”
1ـ أمين على تطبيق الأحكام (الإسلامية) والسهر على النظام (الإسلامي)
2ـ اتخاذ القرارات السياسية الكبرى التي ترتبط بمصالح الأمة
3ـ يملك صلاحيات قرار الحرب والسلم
4ـ يتحمل مسؤولية أمن الناس وأموالهم وأعراضهم في تحديد الأحكام العامة الواجب إتِّباعها ومراقبة تنفيذها
5ـ حرية التصرف بالأموال الشرعية من زكاة وخُمس وغيرها
6ـ يحدِّد ضوابط الدولة (الإسلامية) حال قيامها لتكون ملتزمة بالأحكام الشرعية.
يقول قاسم “الخميني كولي على المسلمين كان يدير الدولة الإسلامية في إيران كمرشد وقائد وموجِّه ومُشرف على النظام الإسلامي هناك، وكان يحدد التكليف السياسي لعامة المسلمين في البلدان المختلفة… ثم خلفه الخامنئي في الموقع والصلاحيات” وأضاف “لا علاقة لموطن الولي الفقيه بسلطته كما لا علاقة لموطن المرجع بمرجعيته فقد يكون عراقياً أو إيرانياً أو لبنانياً أو كويتياً أو غير ذلك، إذ لا دخل لجنسيته بالمواصفات التي يحملها… وتختلف حدود سلطته بحسب الاستجابة من الأفراد المكلفين”، وهذا ما يؤكد الفكرة الجوهرية في ظهور فكرة “ولاية الفقيه” إلى مرحلة التطبيق في دولة تخضع لها العديد من الطوائف خارج حدودها وتُعتبر مرجعيتَها، وهذه الطوائف لديها نوعان من الولاء: ولاء للدولة والوطن الذي تعيش فيه، وولاء لدولة أخرى خارج الحدود، وهذا بحد ذاته يخلق مشكلة بل أزمة حقيقة  في الدول المعنية.
كما نجد في كتاب نائب الأمين العام لحزب الله في لبنان الشيخ نعيم قاسم  “حزب الله ـ  المنهج ـ التجربة ـ المستقبل /الطبعة السادسة عن دار الهادي في بيروت” أنه اعتبر أن “ولاية الفقيه” ضرورية لحفظ، وتطبيق الإسلام ،ولا يتم هذا إلا من خلال قيادة الولي الفقيه، ورعايته، وأن ولاية الفقيه تمثل الاستمرارية لولاية النبي، والأئمة، وفي صلاحيات “الولي الفقيه” ينقل قاسم عن كتاب “الحكومة الإسلامية” للخميني قوله: “توهُّمُ أن صلاحيات النبي في الحكم كانت أكثر من صلاحيات أمير المؤمنين، وصلاحيات أمير المؤمنين أكثر من صلاحيات الفقيه، هو توهُّمٌ خاطئ وباطل، نعم إن فضائل الرسول هي أكثر من فضائل جميع البشر، لكن كثرة الفضائل المعنوية لا تزيد في صلاحيات الحكم، فالصلاحيات نفسها التي كانت للرسول، وللأئمة في تعبئة الجيوش، وتعيين الولاة ،واستلام الضرائب ،وصرفها في مصالح المسلمين ،قد أعطاها الله للحكومة المفترضة هذه الأيام. غاية الأمر لم يعين شخصاً بالخصوص، وإنما أعطاه عنوان العالم العادل).
ظهور الفكرة الإمامية الاثني لاعشرية (ولاية الفقيه) وتحويلها من فكرة دينية إلى مذهب ومنحى سياسي يمتلك أتباعاً ومؤيدين ومؤسسات ومنظمات ووسائل إعلام وبنى تحتية ودول تمثلها، قابلها حرمان الإسلام السني من أي حضور إيجابي أو حضاري له، بل تمت شيطنته بعناية فائقة؛ فالإرهاب والتنظيمات الإرهابية كلها تُحسب على المسلمين السنة والذين يشكلون النسبة الأعظم من عدد  المسلمين، بل إن الغرب والولايات المتحدة يغضون الطرف عن تحركات والأعمال العسكرية والإرهابية لحزب الله، أحد أدوات إيران في المنطقة، رغم تصنيفه على لائحة الإرهاب الأمريكية. 
لم يشهد تاريخ الإسلام ضعفا وانقساما وتشرذما وخلافات في صفوف الشعوب المسلمة إلا بعد تفكك المسلمين إلى مذاهب وجماعات وفِرق.. ليس لخلافٍ في جوهر الدين، بل هو الصراع السياسي على السلطة والنفوذ، ليكون هذا الاختلاف هو الثقب الأسود في جسد الشرق الأوسط والأدنى وشمال إفريقيا الذي يتسع ويتمدد، وعلى الأغلب سيكون السبب في حروب ضروس قادمة. الحروب استعدادٌ عقلي للإقصاء قبل أن تكون قتلاً بالرصاص.


المصدر: فهد المصري: بين (ولاية الفقيه) و(داعش) هل سيحدث في المنطقة أسوأ مما يحدث في سورية؟

انشر الموضوع