أبريل 26, 2024

مضر الزعبي: كلنا شركاء
أُسدل الستار عن آخر مشاهد الموت اليومي في أحياء مدينة حلب بعد أشهر من الحصار والموت اليومي، والعالم يشاهد دون أن يحرك ساكنا، ليبدأ أهالي أحياء حلب الشرقية رحلة جديدة من مسلسل التهجير السوري المستمر منذ مطلع العام 2011.
ولمعرفة ما حدث في حلب خلال الأشهر الأخيرة، ودور فصائل الثوار والدول الإقليمية فيما حدث للمدينة المنكوبة، كان لـ “كلنا شركاء” هذا الحوار مع الصحفي اللبناني المختص بالشأن السوري “فداء عيتاني”…
كيف تفسر ما حدث في حلب وما سرّ هذا الصمت الدولي؟
للأسف إن ما حصل في حلب كان بداية النهاية، على الأقل هناك محاولة لإنهاء الثورة، وهي أساساً تقف على مفترق طرق خطير جدا، كشفته عملية اجتياح حلب.
أولاً التآكل لدى القوى المسلحة، وثانياً استحالة تعايش مشروعين تحت مسمى واحد، أي لا يمكن تعايش الثورة السورية التي تطالب بالحرية والكرامة، وبنظام سياسي غير ديكتاتوري، يعطي كل السوريين حق المواطنة الكاملة، وبين مشروع آخر إسلامي، يمتد بتلاوينه من حركة الإخوان وصولاً إلى جبهة النصرة (فتح الشام)، ومروراً بفصائل تحمل بيد علم الاستقلال وباليد الأخرى راية تنظيم القاعدة.
استحالة تعايش المشروعين هو ما أدى إلى ما نراه، والعادة السورية السيئة المكتسبة من النظام، المتمثلة بالرضى وبالتورية هي ما أوصلت إلى كارثة حلب، وقبلها العشرات من الكوارث المماثلة.
العالم يتحضر لمرحلة جديدة، لن تكون فيها سوريا، ولا العراق ولا الشرق الأوسط كله أولوية، وروسيا تهجم في الوقت المستقطع لتلم المناطق المهملة، والتي كانت تاريخياً من نصيبها، وإيران تنشب نواجذها بالمنطقة لتحتل ما أمكنها، ونحن لم نصغ أي فكرة أصيلة لمستقبلنا بعد.
العالم بشقه الرسمي ثرثر طويلاً حول الحقوق والتعاطف والمبادئ الإنسانية، ولكن في هذا العالم لا رحمة للضعفاء. والمصالح الحيوية للشعب السوري لا تناسب أحد، لا حريته ولا رفاهه ولا حياته تناسب الدول الكبيرة والصغيرة، الأجنبية أو العربية.
لا أريد أن أقلل مما واجهه المقاتلون والمدنيون في حلب، كانت تلك من أكبر المعارك في العالم منذ الحرب العالمية الثانية، وما اجتمع عليهم من قوى روسية وإيرانية ومقاتلين أجانب من لبنان والعراق والشيشان وأفغان وغيرهم ممن نسينا، أمر يكاد يفوق الخيال. إلا أن صار من الواجب إجراء المراجعات النقدية العميقة.
وماذا عن الاتفاق الروسي التركي الأخير بخصوص حلب وماذا عن خطوط أنقرة الحمراء؟
بعد فتح خط الإمداد لحلب عبر الكليات الحربية في آب من العام الحالي، انسحبت تركيا فيما بدا أنه اتفاق بينها وبين روسيا وإيران، وسحبت معها خيرة المقاتلين في القوى التي لا تصنف إرهابية، سواء أكانت إسلامية أم جيش حر، وزجت بها في منطقة جرابلس لمقاتلة تنظيم داعش (الدولة الإسلامية)، طبعاً المدينة خلت عمليا، وفي الأيام التاليات فشلت الهجمات على المناطق المشرفة على خط الإمداد، ولاحقاً تدحرج الوضع لخسارة الخط المفتوح، وللعجز عن فتح خط جديد.
إضافة إلى فقدان المقاتلين ذوي الخبرة، فضلت تركيا إكثار المعارضين، وخاصة جبهة النصرة (فتح الشام) وجيش الفتح، عن فتح خطوط وتحرير، وإيقاف عملهم الفعلي، كان ذلك رسائل مطمئنة للمقاتلين داخل حلب، أدت إلى تخديرهم طوال الأشهر الممتدة من تشرين الأول إلى نهاية تشرين الثاني.
أنقرة كباقي الدول، كانت قبل الانقلاب قد بدأت بالتراجع السياسي عن مقولات أردوغان، يذكر الجميع قبل الانقلاب بأيام كيف حاضر رئيس الوزراء بكوادر حزب العدالة حول ضرورة التأقلم مع الدول المجاورة مسمياً النظام السوري، وفض النزاعات معه ومع إسرائيل وإيران، ولاحقاً تابعت أنقرة استدارتها الكاملة، متخلية عن جزء كبير من شعاراتها للحصول على حصتها قبل أن يقتسم الروس والإيرانيون كل شيء وتبقى هي بانتظار الوعود الأميركية الزائفة، وبانتظار إدخاله في اتحاد أوروبي لا يرغب بوجودها على علمه.
الجميع يسأل الآن ماذا بعد حلب، فهل تعتقد بأن المجتمع الدولي أعطى الضوء الأخضر للنظام وحلفائه لاستكمال السيطرة على سوريا؟
إن كان ما نتابعه من واشنطن دقيق، فإن الإدارة المقبلة للبيت الأبيض ستسلم سوريا لروسيا، وستكون الاعتراضات على التمدد الإيراني فقط، نعم بدأت عمليات التصفية، ربما يتمكن الشعب السوري إذا ما وحد إرادته من تغيير هذا القرار، ومن تحطيمه، التاريخ ليس ملك أحد، ولا أحد يرسم مستقبلنا إلا إذا استسلمنا واستكنا وارتكبنا الأخطاء بعد الأخطاء.
إذا ما تابعت الأمور مسارها الحالي ستكون تصفية محيط العاصمة، ما بقي من بؤر، تمهيداً لتجميع القوات وتحضيرها لمعارك شبه حاسمة في الأرياف الحلبية، وفي إدلب طبعا، لا تزال الإمكانيات كبيرة، هناك العديد من النقاط التي يمكن إشعالها بوجه روسيا وإيران في سوريا، مما يجبرهما على توزيع القوى، وعلى خفض مستوى الاشتباك لضمان عدم التراجع، إلا أن الأمور متروكة للشعب السوري ليقرر ما إذا كان يفضل انتظار الذبح بالتتابع أو التخلص من محتليه ونظامه الديكتاتوري مرة واحدة.
في ظل التطورات على الساحة السورية هل تعتقد أن المجتمع الدولي يعمل بشكل حثيث على إعادة إنتاج نظام بشار الأسد؟
أصبح تعبير نظام الأسد مجرد ستارة، غطاء لشرعية الاحتلال، سواء الروسي أو الإيراني، في الحقيقة الكل يعلم بأن النظام تآكل بفعل الزمن أولا، وهو ما سهل بدايات الانتفاضة، ولاحقاً بفعل الحروب في الداخل، ما تبقى لا يكاد يشكل أساساً لإعادة الانتاج، ولكنه يشكل هيكلاً ممتازاً لحصول الاحتلال على الشرعية، ولحشد طاقات المؤيدين لـ “النظام السوري” من أبناء الشعب السوري وجرهم إلى المذبحة في مواجهة مواطنيهم.
وما تبقى أيضاً يشكل شرعية ضرورية لتوقيع عقود إعادة بناء لن تكون بأقل من ٣٠٠ مليار دولار أميركي إذا ما توقفت الحرب الآن، وستكون من نصيب “الدول الصديقة للنظام” بحسب ما أفادنا الطاغية السوري بشار الأسد.
نعم هناك كما يبدو تفاهماً للحفاظ على الهيكل، وسيكون هناك تقاسم، ستعطى حصص للغرب في عملية إعادة البناء ومن سيقدم هذه الحلوى للغرب هم الروس ولا أحد آخر. وسيحصل الرابح من النظام على كل شيء، من الموارد الطبيعية إلى المواطنين السوريين الذين سيرزحون تحت أعباء ديون لن تنفك تتراكم فوائدها كأي دولة ريعية فاشلة.
هل تعتقد بأن المعارضة السورية بشقيها العسكري والسياسي كانت شريكة بخذلان الشعب السوري؟
لم تكن هذه المعارضة على مستوى كاف من النضج لمواجهة هذه الدنيا، ولا ضرورة لجلد الذات وإطلاق الاتهامات، سيكون من الواجب خوض هذا النقاش في إطار نقد عميق لتجربة الأعوام الماضية، والبحث عن أفكار جدية وواقعية للمرحلة المقبلة، يكفي أن نتفق أن تكون مذبحة حلب هي نقطة تحول، وأن نقرأ جيداً مصالح الشعب السوري، قبل أن نسمع القرار الدولي، الشعب السوري الذي خرج في أيامه الأولى في انتفاضة لم تسأل عن موقف الدول العظمى والصغرى، يجب أن يعلم جيداً أنه كسر القيد الدولي، وأن عودته إلى القيد هذا التي الزمته بها ضرورات مالية ولوجستية وسياسية ستعني دائماً بيعه في سوق النخاسة الدولي.
اقرأ:
فداء عيتاني: الوداع اصدقائي في حلب



المصدر: فداء عيتاني لـ (كلنا شركاء): ما حصل في حلب كان بداية النهاية

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك