مايو 8, 2024

عمر قدور: المدن
ربما لم يحن الوقت لإنشاء هيكلية دائمة تجمع دولاً مجاورة لسورية، لكن التمهيد للتنسيق بينها قد بدأ فعلاً، ما يعيد إلى الأذهان تجربة “دول جوار العراق” التي استمرت عدة سنوات بعد الغزو الأميركي. علة وجود التنسيق، كما في المرة السابقة، الملف الكردي الذي تتقاسم أربع من دول المنطقة أعباءه، تُضاف إليها دول لديها مخاوف من تأثير الملف الكردي على استقرار المنطقة ككل.
كان واضحاً من تصريحات رئيس الوزراء التركي، يوم السبت الماضي، ذلك الانشغال الطاغي بالموضوع الكردي، حين تحدث عن دور تركي أكبر في الأشهر الستة القادمة لمنع تقسيم سوريا على أساس عرقي. فهو لم يحذّر من التقسيم عموماً، ولا يخشى كما هو واضح من تقسيم على أسس مذهبية. وتكتمل صورة الموقف التركي الجديد، كما عرضه رئيس الوزراء، في تحديد الدول الإقليمية الرئيسية المعنية بالشأن السوري، وهي تركيا والعراق والسعودية وإيران، ما يستدعي ضمناً التفاهم في ما بينها. فوق ذلك، يقبل المسؤول التركي، علناً لأول مرة، بوجود بشار في المرحلة الانتقالية، ويدعو الدول العظمى إلى التنافس في مكان آخر، وهي رسالة يُرجّح أن يكون المقصود بها ذاك التنافس الأميركي الروسي على استقطاب قوات الحماية الكردية في سوريا.
جدير بالذكر أن مجموعة دول جوار العراق ضمت آنذاك الدول الست المجاورة له، إضافة إلى مصر، وقد تكون مصر مرشحة الآن للعب الدور نفسه مع حديث تركي عن تطبيع العلاقات الاقتصادية معها. ومع أن مصر ليست معنية مباشرة بالموضوع الكردي إلا أن حضورها يستند إلى ثقلها التقليدي في المنطقة، ولا يُستبعد انضمامها فيما لو أُنشئت آلية إقليمية جديدة خاصة بسوريا أسوة بنظيرتها العراقية، ولا يُستبعد أيضاً أن تُضَم إلى المجموعة كممثل غير معلن لنظام بشار بحكم دعم نظام السيسي لنظيره في دمشق.
وجه الشبه بين الحالتين العراقية والسورية جلي، إذ في الحالتين “أو في ظل البعثَيْن” كان هناك تحول جذري يتقدم الأكراد إلى اقتناص فرصته، وتلاقي الإدارة الأميركية تقدمهم رغم الممانعة الإقليمية. وفي الحالتين أيضاً، نرى الطاغية الآفل يحاول استمالة الأكراد، بعد المواظبة على قمعهم طوال سنوات حكمه، مع محاولة استخدامهم في اللحظات الأخيرة كتهديد إقليمي سينفجر حال رحيله. أبعد من ذلك، سنرى الدول الأخرى المعنية بالقضية الكردية غير متحوطة لارتداداتها على المستوى الجماعي، إلا عندما ترى ما تعتقده خطراً قادماً من تقدمها خارج الحدود، أي أن هذه الدول لا تتخذ عادة مبادرات استباقية مستدامة إزاء القضية الكردية داخل حدودها، بل من السائد أكثر التشديد على أكراد الداخل وزيادة منسوب القمع، لئلا يستقووا بالتقدم الحاصل لأشقائهم في الخارج.
ما كان يميز مجموعة “دول جوار العراق” هو التنسيق الأمني بين الدول ذات الهم الكردي، في غياب تام لرؤية سياسية إزاء مستقبل الإقليم ككل، وأيضاً إزاء حل القضية الكردية في هذه البلدان. حينها ظهرت نتائج التنسيق الأمني بخاصة بين الطرفين السوري والتركي، بتبادل المعلومات وحتى تسليم كوادر من حزب العمال الكردستاني كانت موجودة في سوريا، ولاحقاً لم يغب إقليم كردستان العراق عنهما بحكم محاولات حزب العمال تعزيز قوته في الإقليم، مع محاولات لم تتوقف حتى الآن للإمساك بالقضية الكردية ككل. غير أن حضور إيران والنظام السوري في تلك المجموعة لا يلغي واقع أنهما الأكثر استثماراً في القضية الكردية خارجاً، فالطرفان أقاما علاقات استخباراتية وثيقة مع حزب العمال، وأحياناً مع بعض الأحزاب الكردية العراقية، لاستخدامها في إزعاج تركيا دائماً، وصدام حسين من قبل.
اليوم تبدو إيران وتابعها السوري في موقع المتخوف من “الوحش” الذي ساهما بتغذيته، فالجناح السوري لحزب العمال شبَّ عن طوق مخابراتهما، وصار حليفاً للجهد الأميركي المنصب على محاربة داعش. ورغم كل ما قدّمه النظام له من صفقات مالية مجزية وأسلحة وذخائر، تذهب الأرجحية إلى التحالف مع الإدارة الأميركية بسبب تغطيتها الجوية التي تحدث فارقاً حقيقياً في الميدان، وأيضاً لأن هذه التغطية وحدها تكفل تقدم وحدات الحماية الكردية للسيطرة على الشمال السوري كله بغية الوصل الجغرافي بين أماكن الوجود الكردي المعروفة. وإذا أدى الدعم السابق دوره المزدوج في إقصاء الأكراد عن القضية السورية عموماً، وفي تحذير تركيا من تورط أكبر في دعم المعارضة، فهو من الجهة الأخرى أصبح خارج السيطرة، بل لا يُستبعد في أي وقت أن يصبح أداة أمريكية صرفة، بخاصة مع تدهور العلاقات التركية الأميركية، فضلاً عن صراع النفوذ في سوريا نفسها.
وكما هو معلوم، لم تنجح مجموعة دول جوار العراق في كبح جماح الإقليم الكردي المدعوم بتفهم أمريكي، ولا يوجد الآن ما يضمن نجاح هذه القوى الإقليمية في مواجهة الإرادة الأمريكية واعتمادها قوات الحماية الكردية حليفاً شبه وحيد في سوريا لمحاربة داعش. هذا لا يعني حصول أسوأ ما تتوقعه طهران وأنقرة تحديداً، فالإدارة الأميركية الحالية، واللاحقة على الأرجح، لن تكون ملتزمة تجاه أكراد سوريا سوى بالهدف المعلن المشترك، والذي ينحصر بالقضاء على داعش. عندما يتحقق هذا الهدف سوف تظهر النوايا الأميركية الكاملة، والتي قد لا تكون مبيّتة على أية حال، وليس مستبعداً إثباتها مخاوف كردية من التضحية بالأكراد بوصفهم الحلقة الأضعف.
ما يبقى شبه مؤكد ضمن الاحتمالات المفتوحة أن غالبية دول الجوار السوري قد تفضّل العودة إلى ما قبل عام 2011 على التعرض لأخطار التغيير من البوابة الكردية، وهذا عامل يتفوق على أولويات القضية السورية برمتها. أما أسوأ المقايضات الممكنة فهي القبول ببقاء الأسد مقابل كبح الأكراد، كتتمة لذلك التواطؤ الذي يفاضل فقط بين داعش والأسد. ويأخذ الأسوأ مداه في استعداد اللاعبين لدفع الثمن على حساب السوريين عرباً وأكراداً، تحت وهم القدرة على دفع رياح التغيير عن الإقليم كله.
اقرا:
عمر قدور: نحن بوصفنا إسرائيليين



المصدر: عمر قدور: تحالف دول جوار سوريا

انشر الموضوع