مايو 17, 2024


علي حسين باكير: عربي 21
لم تحقق روسيا منذ التدخل العسكري المباشر لها في سوريا قبل حوالي عام من اليوم وحتى الآن؛ أي من اهدافها الاستراتيجية المعلنة، إذ لم يتم القضاء على الإرهاب، ولا تزال عملية الانتقال السياسي متعثّرة، ولم تنجح موسكو أيضاً في إعادة بسط سيطرة الأسد على البلاد. هذا التدخّل العبثي الذي تمّ بتحريض ومباركة من إدارة الرئيس اوباما؛ لم يؤدّ إلاّ إلى مزيد من الدمار والقتل، وتعزيز ظروف وعوامل التطرّف، وتهيئة الارضية لتفكيك الدولة السورية على أساس قومي وطائفي.
فمنذ أن تمّ التدخل العسكري الروسي في سوريا، لم تتراجع موسكو قيد أنملة عن طريقة تشخصيها للوضع هناك، وعن كيفية التعامل معه، وقد شكّل ذلك عاملا إضافيا في تعقيد الأزمة، نجم عنه تراجعات أمريكية مهولة في سياسة لطالما اشتهرت بها إدارة أوباما أمام خصومها، ولطالما عرف عنها أنّها لا تؤدّي إلا إلى تصلّب الخصم وزيادة مكاسبه وخسارة حلفاء الولايات المتّحدة الأمريكية في المنطقة، وهذا ما حصل بالضبط خلال كل تلك المدّة.
لم تتعلّم إدارة أوباما من الدروس الماضية، فإذ بها تعقد اتفاقاً الشهر الماضي مع موسكو لا يمكن وصفه إلا بالكارثي، خاصّة أنّه يهدف بالأساس إلى قطع أي نوع من أنواع الإمدادات التي تصل إلى المعارضة – على شحّها- وإلى القضاء على المعارضة المسلّحة تحت ذريعة مكافحة داعش والنصرة، وإلى بسط سيطرة الأسد والمليشيات الشيعية والحرس الثوري الإيراني على البلاد تحت شعار الحفاظ على مؤسسات الدولة، هذا إن كان يوجد فيها مؤسسات أصلا.
في المقابل، فإن سقف ما تأمله الإدارة الإمريكية من موسكو هو فقط أن تقنع حليفها الأسد بالتوقف عن القصف في بعض المناطق، وليس كلها، وفي أن يذهب إلى التفاوض السياسي. لا ينبع ذلك من وجود إرادة لدى هذه الإدارة لحل المسألة السورية، وإنما من رغبة في تقطيع الوقت مع أقل قدر من الكوارث إلى أن تنتهي ولايتها ويتم رمي الملف على الإدارة المقبلة.
وفي هذا المسار العبثي والغامض، لا تمانع الإدارة أيضاً بما يوصف بأّنه حل ممكن، ويقضي ببقاء الأسد وبتمكين المليشيات الكرديّة التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني بزعامة صالح مسلّم، مطعّماً بعدد محدود من العرب الموالين لهذه الأجندة تحت شعار مكافحة داعش.
لكن ما يفصل الجانب الأمريكي عن هذا الهدف، وكذلك الجانب الروسي عن أجندته، هو ما تبقى من المعارضة السورية المسلّحة، ولا سيما في حلب تحديداً. ومن المفارقة أنّه وفي الوقت الذي تتقدّم فيه هذه المعارضة اليوم محققة انتصارات تكتيكية على جيش النظام والعصابات الطائفية الإيرانية الموالية له، نسمع تصريحات إيجابية عن الجانب السعودي والتركي إزاء روسيا.
لا شك في أنّ الاجندة التركية والسعودية في سوريا لا تزال متناقضة مع تلك التي تحملها موسكو، لكن الطرفين يئسا تماما من الدور الأمريكي، وعلى ما يبدو فإن تصورهما هو أنه إذا كانت واشنطن تعقد الصفقات مباشرة مع موسكو؛ فلا يضرنا أن نحاول أيضا مع موسكو مباشرة دون المرور بإدارة أوباما.
لا مشكلة في طبيعة الحال بالمحاولة، فالجانب التركي يأمل في أن يقنع موسكو بالتخلي عن الأسد مقابل تفعيل التعاون في مجال مكافحة الإرهاب معها، والرياض تأمل كذلك في أن تقنع موسكو الأسد بالتوقف عن القصف وإطلاق عملية الانتقال السياسي. لكن قراءة كهذه تحتاج إلى أوراق، ومن الأهمّية بمكان استغلال التطورات الحالية لتوظيفها في مثل هذه الرؤية إن وجدت. كسر المعارضة السورية للحصار على حلب وإلحاق الهزيمة بقوات النظام والمليشيات الموالية به في هذا التوقيت بالتحديد سيرفع من أسهم تركيا والسعودية في أي حوار مع روسيا.
عدا عن ذلك، فإن الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها محاولة تعديل توجه موسكو؛ تكمن في إغراقها في سوريا ورفع عدد الإصابات في عديدها وعتادها، أمّا المراهنة على عامل الثقة أو حسن النيّة، فلا يمكن له أن ينجح في معادلة من هذا النوع. أضف إلى ذلك أنّه ما لم يكن هناك من آلية ردع وعقاب للنظام السوري، وليس آلية حوار أو مخاطبة أو تواصل، فإنه لن يستجيب على الإطلاق، ومن يعتقد بعكس ذلك فسيخسر الرهان على موسكو كما خسر في الجولات السابقة.



المصدر: علي حسين باكير: المراهنة الخاطئة على الدور الروسي في سوريا

انشر الموضوع