مارس 29, 2024

علي الأمين السويد: كلنا شركاء
بالحديد و النار، رَزَحَ الشعبُ السوري تحت نِيرِ شعاراتٍ فارغة من كل مضمون ابتدعها نظام حزبُ البعث العربي الاشتراكي. فقد سعى “الحزب القائد” على مدى سنيّ اغتصابه للسلطة  لصناعة “شعبه الخاص،” أو ” شعبُ الأسد” إن جاز التعبير، و هو الشعب الذي تُصهر فيه ثقافات المكونات، و تقاليدها، و عاداتها، و معتقداتها، و لغاتها، و شخصياتها، و تُسكب  في قوالب النظام الفكرية الداعمة لوجوده حصراً في السلطة، حتى تحوّلت كل تلك العوامل إلى مجرد ذكريات، أو همسات سرية لا يجوز البوح بها.
ضغط النظامُ البعثي الحاكم بكل ثقله الأمني، و العسكري، و توجيهه السياسي نحو جرِّ جميع مكونات الشعب السوري  لصياغة هوية أمةٍ، هو وحده مَنْ يحدد مكوناتها، و يهندسُ عواملها، وقد تجسدت محاولاته في رفع شعار “أمة عربية واحدة، ذات رسالة خالدة.”  فقد اتخذ من “بطاقة الايمان” بمصطلح العروبة محدِّدَاً للولاء للوطن، الذي يعني في حقيقته الولاء لديكتاتوريته، علماً أن هذه الحيلة انما استعملت للدفاع عن النظام ضد أدنى درجات المقاومة، بحكم أن “الولاء للوطن” مسألة مطاطة لا يمكن ضبطها بقياس محدد لها، فكان توجيه التهم بالكفر بها لا حدود  له.
لقد كان من نتائج إحكام تشييد مملكة الخوف في سورية، أَنْ ضاعت المفاهيم، و اُنتِهِكَت الحقائق، و اغتصبت الاحلام، و تحوّل أرض سورية الى سجنٍ كبير للشعب السوري، ذلك الشعب الذي كان شعباً بالمفهوم القانوني الشكلي، و لكن مع وقف التنفيذ الفعلي.
واقع سورية كان، و مازال حتى الآن، يُشير الى عدم وجود  قانون، و لاعدل، ولا مساواة، و لا تكافئ فرص، ولا ديمقراطية، ولا حرية، و لا احترام خصوصية، و لا احترام أمة، و لا احترام معتقد، ولا حتى منح هوية شخصية، أو جنسية.
وقد شكّلت الثورة السورية متنفساً حقيقياً لمكونات الشعب السوري، فراحت تعبِّر عن نفسها بعفويةٍ فرضتها الوقائع الميدانية، فَبِتْنا نشهد تشكُّل أحزاب، و مجالس، و هيئات تعبر بشكل، أو بآخر عن هوية الأرضية التي أفرزتها.
و مَنْ يعتقد بأن هذا الأمر سلبي، يتوجب عليه إعادة حساباته، و أن يسأل نفسه عن معايير السلبية و الايجابية التي أطلق حكمه على عودة الحياة للحس القومي أو الأممي في سورية  بموجبها.
فالتنوع الاممي الذي يُبْرِزُ التنوع الحضاري، و الثقافي، و اللغوي من شأنه إغناء التراث السوري في المجمل، و إعطاء بعدٍ حضاري مميزٍ للشعب السوري. و إطلاق الأحكام بــ “الــسلبية” على ظهور التمايز الاممي، ماهو إلا نتيجة ضمنية لغسيل الادمغة الذي مارسه النظام الديكتاتوري الحاكم على مدى“54” عام  في سورية، فبات معظم الجمهور لا يميّز بين مفهومي “الشعب” و “الأمة“.  أو “الدولة” و “النظام.” أو مفهوم “الديمقراطية” و “الأخلاق.” أو “الدستور” و “القانون،” و ذلك لأن النظام الحاكم و المستبد جعل أرض سورية  مزرعة مسجلة باسمه تحت عنوان “سورية الأسد“، و حاول كل ما باستطاعته أن يصنع من السوريين ” شعبامة الأسد.” أي حاول خلط مفهوم الشعب بالامة لانتاج “رعية” لا يمكن لها ذاتها تحديد ماهيتها إن كانت شعباً، أم أمة.
و محاولة لتعريف المُعرَّف أصلاً في كل الأرض و مغيّب عن الكثير من أهلنا، أضع بين يدي القراء الأفاضل تعاريف و أمثلة حية عن مفاهيم “الشعب“، و “الأمة” بشيء من التفصيل الذي يسمح به مقال في صحيفة.
أولا – تعريف  مفهوم “الشعب” قانونياً
الشعب مصطلح يُعرَّف قانونياً على أنه مجموع الناس الذين ارتضوا الولاء لسلطة دولةٍ واحدة، و امتثلوا لقوانينها، تدافع عنهم، و ترعى مصالحهم بشكل عادلٍ، و متساوٍ، بحيث يكون الجميع متساوون في الحقوق، و الواجبات بغضِّ النظر عن أصولهم العرقية، أو الدينية، أو الثقافية، أو تقاليدهم الاجتماعية، أو حتى لغاتهم المحكية. فيقال الشعب الكندي، و الشعب الهندي، و الشعب الأمريكي. علماً أن  الشعب، و الرقعة الجغرافية، و الحكومة التي تنظمه تشكّل أركان إقامة الدولة.  و سأذكر هنا تعريفاً للشعبين الصيني و السوري.
تعريف الشعب الصيني قانونياً
هو مجموع مواطني جمهورية الصين الشعبية الذين يعدون ملياراً  و ثلاثمئة مليون نسمة تقريباً، و يخضعون لدستورٍ واحد، و قانونٍ واحد، و يتمتعون بحقوقٍ واحدة، و عليهم واجباتٍ واحدة، و يحملون جنسيتها، و جواز سفر صيني موحد.
تعريف الشعب السوري قانونياً
هو مجموع المواطنين السوريين الــ 23 مليون نسمة، الذين  يخضعون لدستورٍ و احد، و قانونٍ واحد، و يتمتعون بحقوقٍ واحدة، و عليهم واجباتٍ واحدة، و يحملون جنسيتها، و جواز سفر سوري واحد.
ملاحظة استدراكية
فيمايخصتعريف  الشعب السوري، فهو التعريف المكتوب في الدستور، و المُعَطَّل فعلياً، فالسوريون ليسوا متساويين، و لا يُعاملون على سويةٍ  واحدة، مما استوجب قيام الثورة السورية لتصحيح الأوضاع من جملة أسباب قيام الثورة.
ثانياً – تعريف الأمة
الأمة هي مجموعة الأفراد الذين يشتركون بواحدة أو أكثر من عوامل مختلفة منها  اللغة، أو التقاليد، أو التاريخ، أو الدين، أو بعضها مجتمعاً. و قد يشكل العرق الواحد أحد روابطها. و مصطلح الأمة، على النقيض من مفهوم مصطلح الشعب،  ليس من الضروري لاعتماده  بأن يعيش كل أفراده على رقعة جغرافية واحدة، أو أن تحكمهم دولة واحدة، أو يحملون جنسية محددة. و ارتباط أفردها بتسمية “الأمة  الفلانية” هو ارتباط نفسي، أو عاطفي، أو  ثقافي ليس له أي أثر قانوني . وقد يكون تعداد أفراد الأمة صغيراً جداً، و قد يصل أحياناً الى مئات الملايين من الناس. وكمثال على الأمم، واسقاطه على أرض الواقع، أضرب مثالاً الأمم التي يتألف منها الشعب الصيني.
فالصين دولة متعددة القوميات وتتكون من 56 قومية. وتعدُّ قومية “هان” أكثر القوميات الصينية تعداداً، وتصل نسبتها إلى 92٪ من مجموع السكان، و لهذا تسمى القوميات الأخرى بالأقليات القومية. وحسب معلومات الإحصاء الخامس لسكان البلاد كلها عام 2000 ، و من بين 55 أقلية قومية تبين أن 18 قومية يتجاوز عدد أفرادُ كلٍ منها مليون نسمة، هي قوميات “تشوانغ“، و “مان المانتشو،” و“هوي،“ و “مياو،”  و “الويغور،“ و “يي، ” و “توجيا،“  و “منغوليا،” و “التبت،” و “بويي،” و “دونغ،” و “ياو،” و “كوريا،” و “باي،” و “هاني،” و “لي،” و “القازاق،” و “داي.”
وأكثر القوميات الصينية تعداداً هي قومية تشوانغ التي يبلغ عددها 16 مليون. و هنالك 17 قومية يتراوح عدد سكان كل منها بين 100 ألف نسمة إلى مليون نسمة، وهي قوميات “شه،” و “ليسو،” و “قلاو،” و “لاهو،” و “دونغشيانغ،” و “وا،“  و “شوي،” و “ناشي،” و “تشيانغ،” و“تو،“  و “شيبوه،” و “مولاو،” و “القيرغيز،” و “داوور،” و “جينغبوه سالار،” و “ماونان،“. و هنالك 20 قومية يتراوح عدد سكان كل منها بين 10 – 100  ألف نسمة، هي “بولانغ،” و “الطاجيك،” و “بومي،” و “آتشانغ،” و “نو،” و “أوينك،” و “جينغ،” و “جينوه،” و “دآنغ،“  و “الأوزبك،” و “روسيا،” و “يويقو،” و “باوآن،” و “منبا،” و “ألونتشون،” و “دولونغ،” و “التتار،” و “ختشه،” و “قاوشان،“. وتعتبر قومية لوبا الأقل تعدادا 3000 نسمة فقط.*
أما بالنسة لللغات المحكية، فيتحدث الصينيون لغات و لهجات مختلفة أهمها المندرين أو بوتونجوا، و الكَنتُونيّة، و مين نان ، و مين بيي، و يووو، و تايوانيش، و هاكا،  و شيانغ، و هويتشو، و بايفنجهوا، و إكسيانغ.
أما في سورية، فالشعب السوري بمفهومه القانوني، يتألف من الأمم التالية:  العرب، و الأكراد، الارمن، والسريان، و الآشوريون،  والشركس، و التركمان. و بالرغم من كثرة الاحصاءات التي تَحْسِبُ عدد أفراد هذه الأمم، إلا أنها كل تلك الاحصاءات غير رسمية، و غير دقيقة، و تعتمد أرقامها على وجهة النظر السياسية الخاصة بمقدمها. فكل طرف يحاول أن يعطي حجماً لأمته أكبر مما هي عليه في الواقع.
غير أن الأمر الذي لا يمكن نكرانه، هو أن لكل مسمىً من تلك مسميات، أي الامم السورية،  يمتلك خصوصيات مميزةٍ له، تربط أفرادها بعضهم ببعض، وهي حقيقةً مبعث اعتزازٍ و انتماءٍ نفسي، لا يمكن اختراقه، ولا ينبغي اختراقه، أو التقليل من أهميته، أو جماليته. 
و هذه  الامم السورية تتحدث عدة لغات أصلية مثل العربية، و الأديغية ، والكردية، والتركية، والسريانية، والأرمنية، والآرامية الآشورية الحديثة،  والأذرية الجنوبية، و الدومرية، و القبردية. بالاضافة الى لهجات تلك اللغات.
و أترك للقارئ الكريم حرية الاستنتاجات، و أركّزُ على التالي:
لماذا ننظر الى الشعب الصيني على أنه شعبٌ حي و قوي، و نعترف بأن قوته تنبع من كونه شعب  يضم أمماً و حضارات متنوعة، و نُكْبِرُ ذلك، في حين أننا، و عندما يتعلق الأمر بسورية التي لا تختلف كثيرا عن الصين من حيث المكونات و طبيعة تلك المكونات إلا بالعدد،  نبدأ بالحديث بمنطق تحكمه التناقضات التي تصل الى حد الهرطقات، و الخروج عن كل منطق؟
ليس حلماً، و لا خيالاً، أن تحقق الثورة هدفها الرئيس الساعي لتجْذير مبادئ و قيم العدالة الاجتماعية و الديمقراطية، و الحريّات العامة، و أن تتيح لجميع مكونات الشعب السوري أن تعبر عن شخصياتها القومية بكل حريةٍ، و أمانٍ في ظل كون أفرادها هم  أفراد الشعب السوري الواحد بالتعريف القانوي.
فالحق هو أن لكل قومية الحق في التعبير عن نفسها من خلال التحدث بلغتها الام، و الكتابة بها، و انشاء مؤسساتٍ تعليمية تحفظ تاريخها، و ثقافتها، و ممارسة الطقوس و الاعراف، و التقاليد الخاصة بها. و كون العاقل لا يقبل بمصادرة هويته الاممية من قبل أي كان،  لا يجب أن يسمح لنفسه بمصادرة هوية الآخر أياً كان، و إلا فهي العنصرية من يتحكم في المنطق.
فتثبيت كلمة “عربية” في مسمى “الجمهورية العربية السورية” على سبيل المثال لا يزيد في عمر، و لا في قوة الساعي لذلك الجسدية، و لا يزيد في رصيده البنكي، و لا يجعله نجما عالمياً، و لا يطعمه من جوع ، ولا يأمنه من خوف،  فما هو الدافع الحقيقي خلف التمسك بذلك المطلب غير “العنصرية“، و غير “الِكبْر” بالمفهوم الديني، و الذي يدعمه الحديث النبوي الشريف “لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى“؟
و ربما يقول صاحب رأي :”طالما أن وضع كلمة “العربية” مثل عدم وضعها، فلماذا يريد الآخرون إزالتها؟“
و جواب هذا، أن العامل النفسي، و الشعور بالاحترام، و التقديرعاملٌ أساس في استقرار الشعوب. فحين يشعر مكونٌ بأنه أسيرٌ، و مهمشٌ، و غير محترم  سيتجه الى النضال لتحقيق ذاته بكل الوسائل التي تتاح له، و هو من أجل هذا الهدف النبيل، مستعد أن يضحي بالغالي و النفيس، و أن يتجاوز كل ما يعتقده البعض ” محرمات“  لتحقيق ذاته. وهنا الطامة الكبرى التي لا يمكن التصدي لها إلا بالإحتكام الى القيم الانسانية السامية.
______________________________________________________
* الموسوعة الدولية الاليكترونية و يكيبيديا. 


المصدر: علي الأمين السويد: الشعب السوري (شعب) مع وقْف التنفيذ

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك