مايو 18, 2024

عتاب محمود: كلنا شركاء
القصة التي سأرويها لكم اليوم, توضح كيف يمكن  اختراق (مكاتب ومنازل) رؤساء أفرع المخابرات السورية (بسهولة بالغة),,,
ذلك الاختراق, الذي يحدث (في أغلب الحالات) بسبب التشديد الأمني الهائل الذي يحيطون به أنفسهم, والذي يتخيلون أنّه يحميهم؟
تعود القصة لمنتصف التسعينيات, تقريباً,,
عندما كان صديقي “أبو فاضل”  يعمل في ورشة والده , نجار عربي…
كانت الورشة مشهورة جداً في حلب,,, لدرجة أنّ العديد من أثرياء حلب كانوا يطلبون من والد صديقي أن يقوم بتفصيل النجارة لبيوتهم, ومزارعهم,,  … الخ.
في مرة من ذات المرات,
سمع أحد الأثرياء (الحلبيين) أنّ اللواء “مصطفى التاجر”, رئيس فرع الأمن العسكري بحلب, يبني مزرعة جديدة في قريته , قرب إعزاز,
فقرر ذلك الثري أن أن يهديه نجارة تلك المزرعة بالكامل,  فجاء لوالد صديقي, وسأله عن التكلفة, وما شابه,,,
ثم إنّ “مصطفى التاجر” (نفسه) طلب مقابلة صاحب الورشة ليتعرف عليه,,,
حتى يشرح له طلباته بخصوص التزيينات والنقوش التي يريدها لنجارة المزرعة,,,
بعدها,
بدأ صديقي, يتابع العمل بنفسه في نجارة تلك المزرعة,, بتكليف من والده,,
ولكن؛؛؛
وبسبب التشديد الأمني الاستثنائي, حول تلك المزرعة,  فقد كان صديقي وبقية العمال يتعرضون للتفتيش الدقيق في كل مرة يأتون فيها لتركيب النجارة, أو لأخذ القياسات,,
ثم ونتيجة زيادة المضايقات من قبل العناصر, ذهب صديقي مع والده لمقابلة اللواء “مصطفى التاجر”,,,
قابلوه للسيد اللواء, وشرحوا له ما يحدث معهم,
وأخبروه أنّ كثرة التشديد جعلت العديد من العمال, من النجارين المهرة, يرفضون العمل في تلك المزرعة, خشية ان يتعرضوا للضرب أو الاهانة.
حينها,
أخرج السيد اللواء ورقة بيضاء وقلماً وأعطاهم لصديقي, وقال له: اكتب ما سأمليه عليك,…
إلى من يهمه الأمر,
يطلب إليكم عدم التعرض للسيد فلان الفلاني, لدى عمله في مزرعتنا, وتسهيل أموره, هو وكل من يأتي معه, مع سيارته,, رقم … 
التوقيع ,,
اللواء مصطفى التاجر..
بعدها,
وقّع السيد اللواء على الورقة وطلب من مدير مكتبه أن يختمها بختم رسمي,,,
كان لتلك الورقة مفعول السحر,,,
حيث لاحظ صديقي أنّ الأمور باتت تسير بسرعة البرق,,,
كما أنّ المعاملة السيئة انتهت من العناصر,
وكذلك الكلمات غير الموزونة التي كانوا يسمعونها من الحراس,,
مثل اخراس يا حمار,
هادا مو شغلك, اعرف مع مين عم تحكي …الخ.
بعد عدة أشهر,,,
انتهى العمل في المزرعة, وتم تسليم النجارة بالكامل,,,
ولكن الملاحظ,, أنه لم يطلب أحد استرجاع تلك الورقة الموقعة من السيد اللواء,,,
لذلك,, احتفظ بها صديقي للذكرى,,,
بعدها ,
وبسبب اقتراب حلول العيد,  وتوقف العمل في ورشة النجارة مؤقتاً, حتى انتهاء العيد,,
فكّر صديقي (الجريء), ماذا يمكن ان أستفيد من تلك الورقة في هذه الفترة ؟؟؟,,
فتح الورقة وراح يتأملها,,
ثم أحضر قلماً من نفس النوعية (قلم فرنسي),
وأضاف العبارة التالية عليها:
كما يسمح للمذكور بفتح بسطة لبيع الألبسة في محلة التلل بحلب,,,
ملاحظة: (شارع التلل بحلب , يعادل شارع الصالحية التجاري بدمشق).
في اليوم التالي,
قام بتفصيل بسطة في ورشة النجارة التي يملكها والده,,, وحملها على سيارته,, ونزل بها لشارع التلل,,, وبدأ يبيع مختلف أنواع الألبسة النسائية والولادية,,,
عندما جاءت شرطة البلدية, أظهر لهم الورقة بكل ثقة,,,
فسكتوا,, ومشوا في سبيلهم,,,
في اليوم التالي,
وبسبب زحمة العيد, جاءت حملة مرسلة من قبل محافظ حلب شخصياً,,  بمرافقة ضباط شرطة,, لمصادرة كل البسطات في ذلك الشارع,,,
فأظهر لهم الورقة,, فصادروا كل البسطات,, باستثناء بسطته,,,
ثم, في الأيام التالية وسّع بسطته,,
ووظف معه (5) مساعدين يعملون معه على تلك البسطة,,,
كان دخله اليومي, كما أخبرني هو, يعادل دخل أفضل المحلات التجارية الراقية في تلك المنطقة التجارية,,,
وبقي على حاله عدة سنوات,,, حتى أنّه بنى ثروة مهمة من عمله ذاك,,,
فبنى مصنعاً صغيراً للأحذية النسائية بحلب, واشترى محلاً في شارع التلل, ومحلاً آخراً في اللاذقية,, …الخ.
بعد ذلك,, لم يعد هناك حاجة للورقة السحرية,,,
كما أنّ اللواء مصطفى التاجر كان قد انتقل لرئاسة فرع فلسطين بدمشق,,,
تصوروا,,
أنّه وطوال عدة سنوات, لم يجرؤ أحد على الاستفسار من اللواء مصطفى التاجر,,, عن تلك البسطة,,, أو عن تلك الورقة التي قد تكون مزورة,,,
فالكل كان يخاف من اللواء المذكور,,
والكل كان يقول في نفسه: وماذا لو كانت الورقة صحيحة؟؟؟,,,
حينها سنثير غضب “أبا عمر” علينا,,, “أبو عمر” هو لقب اللواء مصطفى التاجر,,,
فسورية,, في زمن بيت الأسد لا تحكمها الأنظمة والقوانين,, وإنما المخابرات,,,
وخوف الناس والمسؤولين ليس من الأنظمة والقوانين,, وإنما من المخابرات (المجرمة),,,
وبالتالي,,,
ونتيجة لخوف الجميع,, ,, فإنك تستطيع ببساطة اختراق ذلك السياج الأمني القاسي لرؤوساء الأفرع الأمنية,,
لا ينقصك سوى بعض الشجاعة,, أو ربما التهور,,,
المصدر: عتاب محمود: كيف يتم اختراق تحصينات أفرع المخابرات السورية 

انشر الموضوع