أبريل 18, 2024


عبد القادر عبد اللي: صدى الشام
اتصلت بي صديقة تركية تعمل برصد الصحف العربية حول الانقلاب التركي الفاشل، وأرسلت لي رابط خبر فاجأها، وفاجأني بالطبع. عنوان الخبر بحد  ذاته خبر: “أردوغان: الأسد الذي بيني وبينه عداء وصل الدم دان الانقلاب والسعودية وأمريكا وأوروبا طعنونا في الظهر”. وقد نشر الخبر ورم الصحافة العربية الخبيث عبد الباري عطوان.
حتى الآن الأمر عادي، ولكن ما هو غير عادي أن الخبر منشور نقلاً عن صحيفة تركية موالية للحكومة اسمها “صباح”، بعد استعراض الصباح منذ صباح الانقلاب حتى تاريخ نشر الخبر، لم يعثر فريق الرصد على الخبر. اعتقدوا بحسن نية أن الخبر فاتهم، فراجعوا أصحاب القرار في الصحيفة، ودهش أولئك من وجود خبر كهذا لديهم، فهم لم يسمعوا به نهائياً.
بعملية بحث بسيطة تبين أن هناك مواقع أخرى نشرت الخبر، منها موقع يقدم دعاية للحوثيين أيضاً اسمه “يمنات” وموقع يسمي نفسه “السعودية” ويضع شعار تلفزيون الحدث الخاص بتلفزيون العربية، ويهاجم السعودية، ويدافع عن “الممانعة” نشرا الخبر حرفياً… بمعنى أدق المخابرات الإيرانية هي التي ابتكرت التصريح، وألفت الخبر، وكلفت أبواقها بنشره.
لندع توزيع البقلاوة في الضاحية الجنوبية لبيروت، وإطلاق النار الذي أشعل سماء اللاذقية وطرطوس ليلة الانقلاب، إذ يمكن اعتبار أن تلك المظاهر لم تكن فرحاً بالانقلاب العسكري في تركيا، بل كانت فرحاً بتحرير دولة حي بني زيد السوبر استراتيجية في قارة حلب الغربية، ولكن ماذا عن صراخ تلفزيون المنار والعالم ودمشق المهلهلة للانقلاب؟
نعم هناك رغبة إيرانية شديدة بكسب تركيا في الملف السوري، لأن تركيا وإيران بينهما علاقات طبيعية، وحتى أفضل من طبيعية بكثير، ولكن الملف السوري شكل أزمة كثيراً ما تستحضر بين البلدين، فهذا الملف هو الذي يوتر علاقتهما، ولكن حاجة كل بلد منهما إلى الآخر سرعان ما تصلح هذه العلاقة بتنحية الملف السوري جانباً.
لقد بنت إيران سياستها في هذا الملف بالضغط على تركيا اعتماداً على أساس تقليدي طالما لعبته سابقاً، وكان الأسد الأب أيضاً قد لعبه، وهو حزب العمال الكردستاني. وهي الورقة الوحيدة التي يقدمها النظام السوري أيضاً لتركيا من أجل القضاء على ما يسميه “الإرهاب” في سورية. بمعنى آخر، تنظر إيران إلى الفصائل التي تقاتل النظام في سورية باعتبارها منظمات إرهابية كما تنظر تركيا إلى حزب العمال الكردستاني، وهكذا فهي تريد مقايضة هذه المنظمات بهذا الحزب. وبهذه البساطة تنهي القضية السورية، وتعود الأمور كما كانت عليه قبل 1911، وكأن شيئاً لم يكن.
عملياً في هذا الكلام صحة على الصعيد الموقف التركي من المقاتلين ضد النظام في سورية، فلو أغلقت عليهم طرق المستشفيات والدعم والإمداد لاختنقوا فعلاً، ولكن طرف المعادة الآخر غير صحيح، لأن ورقة حزب العمال الكردستاني لم تعد بيد إيران، وباتت بيد الولايات المتحدة الأمريكية سيدة إيران. بمعنى آخر أن إيران تريد أن تبيع الهواء لتركيا. المطلوب من تركيا أن تساعد إيران بحصولها على سورية، مقابل حزب العمال الكردستاني، وهذا يعني مقابل لا شيء، لأن حزب العمال الكردستاني لا يمكن أن يرد على إيران بعد أن دخلت الولايات المتحدة الأمريكية وعدة دول أوربية بالقتال فعلياً إلى جانبه في سورية.
ليست إيران وحدها التي تريد من تركيا أن تساعدها على أخذ سورية دون مقابل، بل هناك صحفيون أكثر جدية يعملون في صحافة تدور في فلك الإمارات العربية المتحدة وبعض مراكز القوى السعودية تقدم تحليلات على أن روسيا تريد من تركيا أن تساعدها على ترك سورية لبشار الأسد. والمقابل لا يختلف كثيراً عن المقابل الذي تعرضه إيران بحسب هؤلاء المحللين، إنه مساعدة روسيا لتركيا بالثأر من الغرب لأن الغرب تآمر على تركيا في الانقلاب العسكري الفاشل…
هذه ليست طرفة، ولا تنشر في صحافة حوثية، بل تنشر في صحافة عريقة تصدر من أهم المدن الأوربية.
نعم، تتفق الممانعة وأقرباء الممانعة كلهم بأن مشاكلهم كلها سوف تحل بكسب رجب طيب أردوغان إلى جانبهم، ويريدون أن يقدموا له لا شيء كبيراً جداً وعظيماً… وبالطبع فهو سيقبل بالتأكيد، وتتحقق أمنياتهم.
لعل هذه المواقف هي التي دفعت الحكومة التركية لدعم المقاتلين في الشمال السوري للضغط على النظام وإيران تحديداً في شمال حلب. فحصار حلب يعني كارثة إنسانية من جهة، ويعني كارثة استراتيجية بالنسبة إلى تركيا من جهة أخرى.
لقد انشغلت تركيا بمشاكلها الداخلية إثر الانقلاب العسكري، ولا ندري إلى أي مدى يمكنها أن تلعب دوراً في الملف السوري أثناء انشغالها هذا الذي يفرض عليها إعادة بناء كثير من مؤسسات الدولة. فمعركة حلب كان مخططاً لها قبل الانقلاب، وحتى إن إحدى كبرى الفصائل المقاتلة في هذه المعركة أعلنت أن الاستعدادات قد انتهت قبل بدء المعركة بعشرين يوماً. لذلك لا يمكن اعتبار هذه المعركة حالياً مؤشراً على عودة تركيا إلى الملف بقوة.
زيارة أردوغان لروسيا يمكن أن تثمر بشيء ما، ولكن ليس من المتوقع أن ينتهي كل شيء في الملف السوري إثر هذه الزيارة كما تطبل الممانعة وبنات عمها… ما زال الطريق طويلاً، وبقدر ما تتحقق الانتصارات على الأرض بقد ما تتغير المواقف، وحتى الخطاب الإعلامي.



المصدر: عبد القادر عبد اللي: رغبة الممانعة بأن يكون أدروغان إلى جانبها

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك