مايو 2, 2024

تجلس الأسرة الصغيرة لتناول طعام الغداء وتخبر الأم أطفالها أن عليهم تناول الخضار والبروتين وتراقبهم أثناء تناولهم الطعام، في حين تخبر زوجها بدرجة امتحان الابنة والرحلة المدرسية التي يريد الابن الاشتراك فيها.

ينتهي الزوج من تناول الطعام ويرفع طبقه ولا يضعه في الحوض بل يغسله مباشرة، تسأله للتأكد من كمية دواء الأطفال الباقية حتى تعلم إن كان عليهم شراء عبوة جديدة أم لا، وتذكّره بوجوب دفع فواتير الهواتف وصيانة المنزل.

يسير المنزل بوتيرته اليومية المعتادة، ولكن الزوجة تنهار باكية في نهاية اليوم، تخبره أنها تشعر بالإرهاق وأنها لا تستريح للحظة، يخبرها أنه يساعدها بالفعل، فتنفجر في وجهه متهمة إيّاه بأنه لم يقطّع “السلطة”، ينظر لها بنظرة تملؤها العتاب والاتهام قائلًا إنه فعل ما طلبته منه وإن كانت تريده أن يقطع السلطة فكل ما كان عليها أن تفعله هو أن تطلب منه ذلك.

آن الأوان للاعتراف بوجود ما يسمى بالعبء الذهني في الحياة الاجتماعية وإدارة شؤون الأسرة (بيكسلز)

المشهد السابق معتاد في المنازل التي يؤمن رجالها بضرورة القيام بالمهام المنزلية، وبحسب نظرتهم لأنفسهم بل نظرة المجتمع العربي والعالمي إليهم، فهم رجال جيدون يؤمنون بالمساواة في تحمل مسؤولية الأعباء المنزلية، لماذا إذًا تشتكي نساؤهم ويتذمرن من اضطرارهن لطلب ما يريدنه من الرجال إن كانوا لن يرفضوا تلبية تلك الأمور؟

إدارة المنزل عبء غير مرئي

للإجابة عن ذلك، يجب الابتعاد لمسافة ما عن الموقف والنظر إليه بعين أكثر شمولية، بالفعل لم يرفض الزوج أي طلب لزوجته، ولكن لماذا ينتظرها حتى تطلب منه؟ هنا الرجل ينظر للمرأة على أنها “مدير المنزل“، لقب جذّاب وأنيق ولكنه مجرد واجهة لامعة للمزيد من الأعباء الملقاة على عاتق المرأة، ولكن هذه المرة الأعباء أكثر صعوبة لأنها غير مرئية.

لا أحد يرى المرأة/ الزوجة/ الأم وهي تفكر في جدول لقاحات الأطفال والفيتامينات التي يجب أن يتناولوها، ومتابعة دروس الأطفال، والتأكد من وجود لوازم الطعام والنظافة، وكتابة قائمة المشتريات، وترتيب الغسيل في عقلها حتى تستطيع حساب المدة التي تستغرقها دورة الغسيل الواحدة، والوقت الذي يحتاجه كم الملابس حتى يجف.

تستهلك الأعباء المنزلية اليومية مجهودا كبيرا من المرأة لكنه عادة لا ينتبه إليه أفراد الأسرة (غيتي)

عندما يصبح أحدهم مديرًا للمشروع في مؤسسة أو شركة، يتوقف فورًا عن أداء المهام بنفسه وتقتصر مهمته على التخطيط والتنظيم والمتابعة لإتمام كل مهمة بالشكل المطلوب بما يتوافق مع الوقت المحدد والميزانية المرصودة. لذا عند مطالبة الزوجة أو الأم بأن تصبح هي مديرة المنزل مع القيام بنصيبها من الأعمال المنزلية، فإن ذلك يعني أنها مكلفة بعمل مزدوج يشمل كلا من العبء الذهني للإدارة والتخطيط والمتابعة، والعبء البدني للكثير من المهام التنفيذية التي عليها القيام بها.

تشير إحصائية أجريت عام 2019 في أستراليا حول الأسر التي تجني فيها الزوجة دخلا ماديًا مساويا للرجل، إلى أن الزوجة تعمل في المنزل أكثر من الرجل بأربع ساعات أسبوعيا، وفي حالة وجود أطفال فإن الفارق يزيد حتى يبلغ 14 ساعة أسبوعيًا، بل إنه حتى وإن كانت المرأة هي التي تنفق على المنزل بشكل أساسي فإنها فلا تزال تعمل في منزلها أكثر من زوجها بـ13 ساعة أسبوعيا.

من أكثر الأمور الموضّحة للواجبات الملقاة على عاتق المرأة، خاصة إن كانت أما، هو انتشار مجموعات الأمهات “الماميز” الخاصة بحضانات ومدارس الأطفال وتمارينهم الرياضية، فإن غالبية هذه المجموعات تخاطب الأم بشكل حصري، بل ترفض في كثير من الأحيان إضافة أي رجل إليها، معترفة ضمنيًا بأن متابعة الأطفال واحتياجات المدرسة وطلبات المعلمين أمورٌ تقع على كاهل الأمهات فقط.

على من يقع الخطأ؟

لا يمكن رفع أصابع الاتهام تجاه الرجل في هذه المسألة، فالرجل ليس الملام هنا وإنما المجتمع الذي أنشأه العالم منذ قرون. فقد تكوّن هذا المجتمع بناء على نظرة معينة لتوزيع الواجبات والامتيازات بين الجنسين بطريقة مختلفة كليًا وليست عادلة بالضرورة، لذا فإن الوصول للنقطة الحالية حيث يتشارك الزوجان مهام المنزل أمر ليس بالهيّن ويتطلّب سنوات عديدة من العمل الشاق عبر الأجيال.

يمكن حرق السعرات الحرارية من خلال تحويل الأعمال المنزلية إلى برنامج رياضي، كممارسة تمارين القرفصاء من وقت لآخر أثناء التنظيف. (النشر مجاني لعملاء وكالة الأنباء الألمانية “dpa”. لا يجوز استخدام الصورة إلا مع النص المذكور وبشرط الإشارة إلى مصدرها. ) عدسة: dpa
النشأة المختلفة للجنسين فرضت على المرأة دائما أن تكون في موقع قيادة المنزل ومتوليّة شؤونه كاملة (الألمانية)

تلك النشأة المختلفة للجنسين فرضت على المرأة دائمًا أن تكون في موقع قيادة المنزل ومتوليّة شؤونه كاملة، في حين يقف الرجل بعيدًا عن كل ما يتعلق بالمنزل. حتى بعد قرون من التطور البطيء، والاعتقاد بالتخلص من هذه الأفكار، إلا أنها في الحقيقة لا تزال واقعة في اللاوعي، فبينما يجلس الزوج مستمتعًا بوقت فراغه، تحاول الزوجة جاهدة أن تنجز مهام المنزل متبرمة من عدم مساعدة الزوج لها.

لا يمكن تلخيص الأمر في طلبها منه إنجاز المهام، وإنما يمكن تفكيكه إلى عدة أفكار متداخلة، فهي الأخرى نشأت في المجتمع الضاغط نفسه الذي يتوقع من المرأة أن تهتم وحدها بالمنزل، فأحيانًا تلجأ للصمت بدلًا من الطلب، لأنها في بعض الأوقات تشعر بالإرهاق من العبء الذهني لمهمة توزيع الأدوار ومتابعة أدائها، أو قد ترى نفسها بعين المجتمع الذي سيحكم عليها بالفشل كزوجة وأم.

الاعتراف أول طريق الحل

بعض المشاكل لا يمكن حلها والبعض الآخر قد يكون قابلًا للحل، ولحسن الحظ فإن مشكلة العبء الذهني تنتمي للنوع الأخير، ولأنه لا يمكن حل أي مشكلة من دون الاعتراف بها، فإن أول خطوة في طريق الحل هي اعتراف الزوجة لنفسها بهذا الأمر، ثم توضيحه بهدوء للزوج المشارك في الأعباء المنزلية، من دون أن يحمل التوضيح نبرة العتاب أو الاتهام، وإنما توضيح من أجل التوضيح والفهم والمشاركة.

بعد ذلك يمكن إشراك الزوج في التخطيط، سواء إشراكه في تخطيط المهام البسيطة مثل المشاركة في كتابة قائمة المشتريات، أو التخطيط لليوم أو لكيفية قضاء العطلة الأسبوعية. من المهم كذلك أنه عندما يتولى الزوج مهمة ما ألًا تقوم شريكته بالتعديل عليه أو الاقتراح عليه فورًا بالقيام بالأمر بدلًا منه، لأن هذا الأسلوب الجانح لتولّي الزمام قد يؤدي أيضًا لمشاكل من نوع آخر.

أما على مستوى الثقافة العامة للمجتمع، فربما قد آن الأوان للاعتراف بوجود ما يسمى بالعبء الذهني في الحياة الاجتماعية وإدارة شؤون الأسرة، وأنه من الأفضل لطرفي أي علاقة أن يتشاركا هذا العبء بشكل عادل شأنه شأن كل أعباء الحياة الأخرى.

اقرأ ايضاً: أفضل اشتراكات القنوات العربية (عالية الجودة)

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك