مايو 21, 2024

مضر الزعبي: كلنا شركاء

أُعلن نهاية شهر فبراير/شباط الماضي، عن مبادرة الشيخ “محمد بن راشد آل مكتوم”، تحت عنوان (صناع الأمل)، والتي تهدف إلى تسليط الضوء على الحالات المشرقة في العالم العربي، ولاقت المبادرة تفاعلاً كبيراً في العالم العربي، حيث وصل عدد المتقدمين خلال يوميين من إعلان المبادرة، إلى أكثر من 20 ألف.

ومن بين المتقدمين عدد من الأشخاص والمنظمات السورية التي ساهمت خلال السنوات الست الماضية بصناعة الأمل في البلد الأكثر دموية في العالم، ومن هذا المنظمات (سوريات عبر الحدود)، المنظمة الرائدة بالعمل الإنساني على الساحة السورية.

سوريات عبر الحدود

تأسست المنظمة في العاصمة الأردنية (عمان) مطلع العام 2013، على يد سيدات سوريات وبتمويل ذاتي، وهو ما ميزها وقتها عن باقي المنظمات، ومكنها من متابعة عملها على مدار السنوات الأربع الماضية. وكان لها عدد من المشاريع التي ساعدت الآلاف من النازحيين السوريين في الأردن والداخل السوري، وبدعم من المنظمة سجل السوريون في الأردن العشرات من قصص النجاح والتفوق.

وتعمل المنظمة إلى اليوم بتمويل ذاتي وبإشراف خمس سيدات سوريات، وهن (نسرين خزنة كاتبي ـ سامرة زيتون ـ سمارة الأتاسي ـ زينة العلبي ـ منار البستاني).

من مصاب إلى مدرب للمصابين

“عبادة العاسمي” هو أحد المدربين في مركز (سوريات عبر الحدود)، شاب ذو 22 عاما، وهو أحد أبرز قصص نجاح الشباب السوريين من جرحى الحرب المستمرة.

وقال “العاسمي” في حديث لـ “كلنا شركاء”، إنه يقيم في الأردن منذ العام 2012، إثر إصابته في العمود الفقري، ونتيجة الإصابة تحول لاستخدام الكرسي المتحرك. مشيراً إلى أنه حلمه قبل إصابته أن يكون لاعب كرة قدم، مضيفاً “لكن عقبت إصابتي أدركت أن حلمي بأن أكون لاعب كرة قدم قد انتهى، وبدأ السؤال هل الحياة قد توقفت؟”.

وعقب انتهائه من العلاج انتقل للعيش مع ذويه في الأردن، وهنا بدأت رحلة جديدة من المعاناة. وقال “وجودت أسرتي بجانبي واتكالي عليهم بشكل كلي بات يزيد من آثار الصدمة النفسية لدي، وقد استمريت على هذا الحال قرابة ثمانية أشهر، حتى انتقلت من جديد إلى مركز إقامة (لإعادة تأهيل المصابين السوريين)، وبقيت في المركز قرابة العام. كنت أعاني مع باقي المصابين من الذل لمجموعة من الأسباب، فجميع الخدمات المقدمة تنحصر في المجال الطبي، مع غياب التهيئة البيئية لمستخدمي الكراسي المتحركة، إضافة إلى المحدودية في الوصول للمعلومات والخدمات، وغياب الأنشطة المجتمعية الهادفة، والصعوبات في المواصلات وارتفاع تكاليفها”.

وتابع “العاسمي”: “نتيجة كل هذا، عاد السؤال من جديد، هل نحن مرضى وماهي إمكانية أن نشفى؟ وهل انتهت حياتنا؟ وهل من الممكن أن نكون فاعلين في المجتمع من جديد؟”.

وفي العام 2014 بدأت النقلة النوعية في حياته عقب تعرفة على مدرب سوري وخبير في مجال الإعاقة، وأوضح قائلاً “بدأت التدريب كي أتحول لشخص فاعل في مجتمعي، من منطلق (فاقد الشيء لا يعطيه)، كان لابد من تقوية نفسي في البداية كي أكون شخصاً مؤثراً في محيطي”.

وخضع المدرب “العاسمي” إلى 4 دورات مع منظمات دولية، وهي (دورة حول مفهوم العيش المستقل للأشخاص ذوي الإعاقة ـ دورة مدربين لتدريب مساواة الإعاقة ـ دورة دعم الأقران مستوى أول ـ دورة دعم الأقران مستوى متقدم).

وكان يذهب إلى مركز (سوريات عبر الحدود) كمتطوع في البداية، وبدأ بإقامة علاقة مع المصابين في المركز كصديق وليس كمدرب، وفي شهر تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي، بدأ بالعمل كمنسق تدريب في المركز لمصابي الحرب، ومنذ ذلك الوقت بدأ بتدريب الشباب المصابين الجدد بالدعم الطبي، وبعدها عملية التأهيل والاعتماد على الذات في الحياة اليومية، مؤكداً أنهم حققوا هدفهم فمعظم المصابين باتوا يعتمدون على أنفسهم بشكل كلي خارج وداخل المركز.

وأضاف “العاسمي”: “بدأنا بالعمل على الشق الثاني وهو بناء القدرات، ومنها دورة مهارات استخدام الحاسوب، ودورة لغة إنكليزية، ودورة برنامج دعم النظراء، ليكونوا قادرين على دعم الأشخاص المصابين، وتمكنا في المركز من تحقيق مجموعة من النجاحات، فأحد الشباب تمكن من استكمال دراسته من جديد، وآخر أتم دورة لصيانة (الجوال)، ليكون قادراً على الانخراط بسوق العمل من جديد، بينما خضع عدد من الشبان لدورة دعم نفسي مع منظمة دولية”.

وبالنسبة لكادر المركز، “نقدم لهم توعية حول ما هي الإعاقة، وكيفية التعامل مع الأشخاص ذوي الإعاقة، والمصطلحات الدولية للأشخاص ذوي الإعاقة، وأهمية الرياضة في إعادة تأهيل الأشخاص ذوي الإعاقة، فالعمل هو بمثابة تأهيل للكادر كونه يتعامل مع هذه الشريحة بشكل يومي”، بحسب “العاسمي”.

وفي الختام، قال “العاسمي”: “نتيجة لزيادة أعداد الأشخاص ذوي الإعاقة في سوريا، فنحن نطمح في الوقت الحالي من خلال عملنا في مركز (سوريات عبر الحدود) بإعداد قادة من الأشخاص ذوي الإعاقة، للنهوض بواقع الإعاقة في سوريا المستقبل”.

طوابع الأمل من قلب الزعتري

وتمكن مركز (سوريات عبر الحدود) من نقل صورة مخيم (الزعتري) للاجئين السوريين بطريقة مختلفة، وذلك عن طريق تنظيم معارض فنية لرسامين وأطفال من داخل المخيم في المركز، وكان آخر هذه المعارض في منتصف شهر كانون الثاني/يناير الماضي، وكانت معظم اللوحات مرسومة على قطع قماش خيم اللاجئين السوريين، وحمل المعرض عنوان (طوابع الأمل).

من رحم المعاناة

“نسرين خزنة كاتبي”، هي إحدى السيدات السوريات القائمات على منظمة (سوريات عبر الحدود)، وهي إحدى الفارات من جحيم الحرب مع أطفالها الأربعة منذ خمسة أعوام، وقد باشرت العمل مع مركز (سوريات عبر الحدود) كمتطوعة، قبل أن تصبح إحدى السيدات الخمس المشرفات على عمل المنظمة.

وقالت في حديث لـ “كلنا شركاء”، إن عمل المركز منذ تأسيسه قائم على إعادة البسمة للسوريين أينما وجدوا، وبلسمة جراح الأسر في دول اللجوء والداخل السوري.

وأضافت بأن ترشح (سوريات عبر الحدود) لمبادرة الشيخ “راشد بن محمد آل مكتوم”، (صناع الأمل)، لم يكن من أجل الحصول على الجائزة المالية، ولكن الهدف منها كان إيصال صوت السوريين وتعريف العالم بالوجه الآخر لسوريا، حيث يوجد الآلاف من السوريين الذين سخروا حياتهم خلال السنوات الست الماضية لخدمة ضحايا الحرب في بلدهم.

وأشارت إلى أن العمل اليومي في منظمة إنسانية هو أكثر الأشياء متعة في العالم، على الرغم من ضغط العمل الكبير، ومن المتطلبات الكبيرة، ولاسيما أن المنظمة تعتمد بشكل كلي على دعم ذاتي، وذلك ما مكنها من المحافظة على استقلاليتها وعدم تسييس العمل فيها، فهي لا تنظر للانتماء السياسي للأشخاص المستفيدين من خدمات المركز، على حد قولها.

خدمات المركز

وأوضحت “كاتبي” أن المركز يقدم مجموعة من الخدمات، ومنها تقديم الرعاية الطبية لمصابي الحرب، فالمركز خلال السنوات الأربع الماضية استقبل أكثر من 200 حالة، إضافة إلى مساعدة السيدات السوريات في الدخول إلى سوق العمل، وقد أنشأت المنظمة مشغلاً للسيدات السوريات، كما أن المركز يولي الأهمية الكبرى للجانب التعليمي من خلال دورات اللغات، وللمركز شراكة مع المركز الثقافي البريطاني منذ منتصف العام 2015، وأقام المركز من خلال متطوعين أجانب مجموعة من دورات اللغات (الفرنسية ـ الإنكليزية ـ الألمانية) للسوريين والأردنيين على حد سواء، بالإضافة لدورات لطلاب الشهادة الثانوية في الأردن، بهدف تقوية الطلبة وتعريف الطلاب السوريين على المناهج في الأردن، ومساعدة الطلاب السوريين في الحصول على منح الدراسية لاستكمال دراستهم الجامعية، إضافة إلى ذلك تقديم المساعدات العينية للاجئين السوريين في الأردن، من خلال الجولات الميدانية على مناطق تواجدهم.

ويذكر أن النجاح الكبير التي حققته منظمة (سوريات عبر الحدود) جعلها قبلة للمهتمين بالشأن السوري وقضايا المرأة السورية، وكان من ضمن الوفود التي زرات المركز مؤخراً وفد (سيلت نوبل) مطلع شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي، وهي الزيارة الأولى لوفد (سيدات نوبل) لمنظمة سورية، وقد ضم الوفد اثنتين من أبرز السيدات في الشرق الأوسط، وهما القاضية الإيرانية (شيرين عبادي)، والصحفية اليمنية (توكل كرمان). 

المصدر : كلنا شركاء

انشر الموضوع