مايو 3, 2024

خاص: كلنا شركاء
حين ننظر إلى الركام الذي حول سوريا في الذاكرة إلى خراب وحطام، وحين نجد أفواجاً من السوريين يلحقون مصائر مجهولة في لعبة لم يكن لهم فيها خيار، تأتينا وجوه لسوريين أيضاً، حملوا وطنهم في قلوبهم أمانة وفي أعناقهم قسم أن تكون سوريا، وفقط سوريا، هي الأرض التي لا تحترق ولو كانت النيران سيدة الموقف.
سهى هشام الصوفي، التي لم تغنها غربتها عن وطنها، بل زادتها تعلقاً به، حتى أصبح أناها كما تحب أن تقول، هي وجه من الوجوه السورية التي لم تبحث يوماً عن الضوء، كل ما تحلم به اليوم، أن يعود الضوء إلى أرض النور، فوحدها سوريا من يستحق الأضواء.
بدأت في عمر الـ 12 كاتبة مقالات في الصحف السورية، قبل أن تمتهن الصحافة في دولة الإمارات العربية المتحدة، من دون أن تتوقف عن شغفها الأوحد، الأدب.
صدر لـ “سهى”، التي تعيش اليوم في الولايات المتحدة، 3 دواوين شعرية ورواية تقول إنها إكسير من اللهفة حين تلبسه اللغة.
ابنة اللاذقية التي تتغنى دائماً بوالدها، كانت دائمة القول إنها لم تخلق لمدينة صغيرة بل لعاصمة مثل دمشق، إلا أنها لم تتخيل يوماً أن تصبح دمشق أبعد من أن تسكن، فكان قرار الانتقال إلى دبي في أواخر التسعينيات أسهل من التوجه إلى الشام وغرس الوتد الأول للخطوة الجادة الأولى.
عن الثورة السورية، وبداية الحراك السلمي، تتحدث “سهى” كيف كانت تكتب روايات تخاف أن تنهيها، وكيف كانت تماطل بالكتابة، وسط نزعة الحرية التي تسكن الإنسان منذ لحظة ولادته الأولى.
موقفها من الثورة جاء مترجماً في كتاباتها ولاسيما ديوانها الجديد “شعبي… شعب الموت المختار”، الذي كان الجواب أو الإعلان الذي قالت فيه إن “الشعب كان، منذ أن قال حرية إلى أن مشى في جنازته، هو الطرف الذي أعلنت أنه خياري في هذه الحرب، هو بطلي بكل ضعفه، وهو انتمائي بكل فوضاه، وفي النهاية هو أنا التي تؤرق الأنا فأعجز عن أكون واحدة أخرى إلا أنا”.
“كلنا شركاء” أجرت حواراً مع الكاتبة والأديبة “سهى الصوفي”، التي ترى أن سوريا هي النص الذي لن يكتب في التاريخ الحديث ولا في الأزمنة القادمة، إن لم تكن الحرب على سوريا، أرضاً وشعباً، هي في الإساس إعلان حقيقي عن قرب القيامة.
فيما يلي نص الحوار:
لمن نكتب، وهل نحمل رسالة لأحد أثناء ممارستنا لفعل الكتابة؟
في البداية نكتب لأنفسنا، نخربش بعضاً منا على الورق، لا للفت الانتباه، بل للتأكد مما نسمعه في داخلنا، فنحن ببساطة ناقلين لما نحمله من مشاعر أو احتجاج أو حتى استغراب، نكتب مرة عن الريح التي تتخبط، بداخلنا، ومرة عن العاصفة التي نتلقاها من الآخر، مكان هو أو شخص ما.
وهل من الضروري أن نحمل صوتاً داخلنا لنكتب عنه أو لننقله؟
الصوت هو المحرض المباشر لما نكتبه، وأنا لا أنكر على أحد حمله لذلك الصوت، وإلا لنفيت صفة الإنسانية عن الآخرين، فوجود الصوت ليس بيت القصيد، بل قدرتنا على سماعه وفك شيفرته.
فقد يمر العشرات من أمام نهر يسبح فيه بجع، ولكن كم عدد من يتوقف عند تلك الصورة ويحملها معه مناجاة جاهزة لتُكتب على بياض ورق.
ومن كان أول من سمع الصوت الذي يعج داخلك؟
في سن الـ 12 نقلت على الورق ما قاله لي الصوت، كتبت قصة قصيرة بعنوان “الطفل البائس”، وبقيت أنتظر عودة أبي من عمله لأقول له بعلو الفرح الذي كان يملأني: ابنتك كتبت قصتها الأولى.
وهكذا كان، فتعاطي أبي مع القصة، لم يُخرج ما في داخلي من أصوات، بل كان القلم الذي لم يّمل من قول اكتبي، وكنت أنا الجاهزة دوماً لأقول ما أسمعه في ذلك الداخل.
ابنة اللاذقية التي فتحت باب البيت وطارت لدبي، ماذا كانت تريد، وأين الصحافة من تلك الرحلة أو النقلة النوعية في حياتها؟
ابنة اللاذقية كانت دائمة القول إنها لم تخلق لمدينة صغيرة بل لعاصمة مثل دمشق، وعلى ما يبدو أن الانتقال إلى دبي كان في أواخر التسعينيات أسهل من التوجه إلى الشام وغرس الوتد الأول للخطوة الجادة الأولى.
في دبي، توحدت مع الكتابة مهنة يلبسها الشغف، فعشت سنواتي الـ 15 في الصحافة كعاشق يمضي يومياً للقاء من يحب، الصحافة كانت تنتظرني لأكون لها الأوفى، فلم أدخلها لاعتنقها، ولكن الكلمة الأولى دائماً لقدرية خطواتنا.
ما زلت أذكر كيف توجهت إلى جريدة “الخليج” في الشارقة، قسم الإعلانات، أطلب منهم العمل في ذلك القسم، لم أكن لأتوقع يومها أن يقول لي المسؤول، مكانك ليس في الإعلانات، وحين سألته عن مكاني، اتصل بالمجلة التابعة للجريدة وقال: تفضلي.
وبهذا، تحولت الصحافة إلى تمرين يومي مكثف للكتابة السردية، فانتقلت من الكتابة إلى نفسي إلى الكتابة للأخرين، فجاء كتابي الأول “غيبوبة” ليعكس خطى الناس على مفارق روحي، لدرجة أن قال لي البعض: بتنا نخشى على أنفسنا من ذاكرتك.
أولى أعمالك كانت نصوص شعرية، حتى تبعها العمل الروائي الأول “سرداب العشق” في عام 2012، فلمَ لم تتوقفي عند الشعر؟
الشعر في بوحه هو الرواية في سردها، الفرق أنه مكتوب بهندسة مختلفة، ولكني في الرواية اكتشفت نقاط ضعفي، وإن كانت بنظر البعض نقاط قوة، فاللغة في روايتي كانت حاضرة أكثر من حضور البطلين، فغلبتني الشاعرة كروائية، وعجزت الروائية عن الإفلات من هذيان الشعر في النص، فوصلت لمرحلة سلمت فيها لما قاله البطل المقدسي لمعشوقته الدمشقية: “نحن أرواح النص، نسبح في ملكوت الكلمة بلا جسد أو أطراف”.
لا يمكن أن نحاور كاتبة سورية من دون أن تحضر سوريا بكل الوجع الذي تحمل؟ فأين أنت من بلدك بعد غربة تجاوزت العشرين عاماً؟
الجواب يتلخص بما قاله الحلاج: أنا من أهوى ومن أهوى أنا             نحن روحان حللنا بدنا
فالحديث عن سوريا يشبه العزف على فيولون بوتر واحد وبيد واحدة، حالة من العجز المطلق نعيشها على مدار أكثر من 5 أعوام، أحياناً أحلم بأن تكون كابوس سنفيق منه يوماً مستعيذين مما حدث، وأحياناً أقول إنه لا يعقل أن يكون الدمار بهذا الظلم الذي لم يشفع له أطفالنا بتغيير سيناريو الإجهاز على بلد كامل.
سوريا هي النص الذي لن يكتب في التاريخ الحديث ولا في الأزمنة القادمة، إن لم تكن الحرب على سوريا، أرضاً وشعباً، هي بالأساس إعلان حقيقي عن قرب القيامة.
هل كتبت عن الكارثة السورية؟ وفي أي الجهات تقفين؟
لم نكن لنبدأ بالكتابة عن الورود التي حملها السوريون في الشوارع حتى باتت الأكفان هي النص والخبر، كنت في حالة جمود كامل أمام ما حدث في الـ 2011، لم أصدق أننا شعب كسر، وأخيراً كسر، قضبان الخوف وخرج ومعه وردة وصوت، وهنا لا أريد أن أمنح نفسي كأس بطولة وأقول إني مسكت القلم ورحت أفجر ما في داخلي من مشاعر، فأنا لم أكن أقل خوفاً من شعب تنفس الخوف قبل الهواء.
مقالي الأول كان بعنوان “تمثال الخوف” كتبته على مدار عامين، تخيل حين تكتب عن شيء تخاف أن تنهيه، كنت أماطل بالكتابة، أخذها يميناً ويسارا، أتوقف شهوراً وأكتب لحظات، الخوف كان يتملكني، يستحوذ على نزعة الحرية التي تولد فينا منذ اللحظة الأولى، ولكن عن أي حرية نتحدث!
أما الإجابة عن موقعي مما يحدث، فأظن أن ديواني الجديد “شعبي… شعب الموت المختار” هو الجواب، الشعب كان، منذ أن قال حرية إلى أن مشى في جنازته، هو الطرف الذي أعلنت أنه خياري في هذه الحرب، هو بطلي بكل ضعفه، وهو انتمائي بكل فوضاه، وفي النهاية هو أنا التي تؤرق الأنا فأعجز عن أكون واحدة أخرى إلا أنا.
بعد مرور العاصفة
سنبكي
لا نملك الآن وقتاً للنواح
دعونا نرّقع
القماش الممزق
الأموات بالطوابير
فلا تبحثوا عن الأبيض
أجسادهم
تريد غطاء
وسلاماً
وفاتحة
فهاتوا قماشكم
واتبعوني
إلى المدافن
اقرأ:
سهى الصوفي:تمثال الخوف



المصدر: (سهى الصوفي) ابنة اللاذقية تتحدث لـ(كلنا شركاء) عن الكتابة والثورة

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك