أبريل 29, 2024

أمام المبنى المتفحم جراء عمليات القصف، الذي تسكنه في مدينة إربين شمال غرب العاصمة كييف، تستخدم السيدة هالينا (78 عاما) الحطب لطهي الطعام وإعداد الشاي، فإمدادات الماء والكهرباء والغاز والتدفئة مقطوعة عن المبنى منذ أسابيع، ولن تستأنف قريبا.

قدر السيدة هالينا أنها تعيش على أطراف الجزء القديم من المدينة، غير بعيد عن مدينة بوتشا والطريق المؤدي إلى بلدة هوستوميل، التي تعرضت جميعها إلى أعنف عمليات القصف، وشهدت أعنف المعارك و”أفظع المجازر”، وفق السلطات الأوكرانية، على مدار الأسابيع الأولى للحرب الروسية على أوكرانيا.

تقول هالينا للجزيرة نت إنها “رفضت مساعدة المتطوعين للنزوح، خوفا على مصير جارتي المقعدة، وعلى القطط والكلاب التي أعتني بها؛ وأعتقد أن “ملك الحماية” أنقذني من الموت بسبب ذلك، رغم أنني كثيرا ما أنّبت نفسي لاحقا على موقف البقاء”.

وتتابع “رأيت كل أشكال الموت، بدءا من القصف، مرورا بإمكانية التصفية، وحتى الاختناق بسبب الدخان. دخل جنود روس إلى بيتي، ورأفوا بحالي فلم يقتلوني. كانوا صغارا في الـ18-20 من العمر. قلت لهم: عودوا إلى بيوتكم وأهليكم. لا أحد يهددكم هنا. قالوا إنهم ينفذون الأوامر، ثم تركوني، وقالوا إنهم لن يقتلوني لأني أطعمتهم”.

ووفق روايتها فقد “كان شيشانيو قديروف (الرئيس الشيشاني رمضان قديروف) قساة بلا رحمة. كانوا يتعمدون شتمنا وإذلالنا، وكانوا يأخذون الرجال ليقتلوهم في الشوارع. هذا ما حدث مع اثنين من جيراننا أمام عيني”.

وتختم بالقول “صمدت إربين بشجاعة، فكانت حصنا أمام تقدم المحتلين نحو كييف. جنودنا أبطال؛ وبعضهم يكافئني على بقائي وصبري بإحضار أزهار التوليب التي أحبها”.

جانب من الدمار الذي لحق بالمبنى الذي يضم شقة السيدة هالينا، وأدى إلى قطع كل الخدمات عنها
جانب من الدمار الذي لحق بالمبنى الذي يضم شقة السيدة هالينا، وأدى إلى قطع كل الخدمات عنها (الجزيرة)

دمار في كل مكان

بعد اجتياز حواجز الجيش التي لا تزال إجراءاتها مشددة قياسا مع حواجز العاصمة نفسها، يذهل من كان يتردد للراحة أو التنزه على تلك النواحي الشمالية الغربية من كييف.

حجم الدمار فيها واسع لا تخطئه العين، وخاصة في الأماكن المحيطة بمطار “هوستوميل”، أو ما يعرف بمطار شركة “أنتونوف” للطيران، وقرب محطة “بوتشا” للقطارات، التي تعد حلقة وصل رئيسة، تربط كييف بالمدينة، ثم بكثير من أرجاء شمال غرب أوكرانيا.

كل الجسور التي تصل تلك المدن بكييف دمرت من قبل القوات الأوكرانية لمنع تقدم الروس، وبات كثير من المباني السكنية هياكل متفحمة خاوية على عروشها، عدا عن منازل ومستودعات ومحطات وقود سويت بالأرض، تصفر الرياح بين جنباتها، فتزيد الأجواء خوفا ورهبة.

والسائر بين تلك المناطق يضطر إلى سلوك طرق وعرة، وعبور حذر لجسور داخلية خطيرة ملأتها الحفر؛ أما رائحة البارود والحرائق، فلا تزال منتشرة وتزكم الأنوف.

وبات من الطبيعي أن يشاهد الزائر سيارات محترقة أمام منازل مالكيها، وأخرى سلمت لكن تملأها الثقوب جراء الشظايا والرصاص، واستبدل زجاجها المهشم بالأكياس.

ولأن تلك النواحي شهيرة بطبيعتها وسط الغابات الكثيفة، لم تسلم الأشجار من أذى الحرب، فشاركت الحجر نصيبه من سواد الحرق أيضا.

السيدة هالينا تقف أمام مبنى بيتها الذي تعرض لضرر بالغ في مدينة إربين
السيدة هالينا تقف أمام مبنى بيتها الذي تعرض لضرر بالغ في مدينة إربين (الجزيرة)

الحياة تعود بصعوبة

ورغم قتامة المشهد، تدب الحياة مجددا في تلك الأرجاء، بعد نحو شهر ونصف على انسحاب القوات الروسية، لكن الأمر يتم بصعوبة وبطء، وسط مخاوف مستمرة.

بعض السكان يعودون ويقفون أمام ما تبقى من منازلهم حزنا عليها، وآخرون يتجاوزون الأنقاض إلى شققهم لإغلاق أبوابها والنوافذ بما توفر، حتى لا تكون مشاعا لمن أراد، وتعبيرا -ربما- عن حبها وتخليد الذكريات فيها، حتى وإن لم تعد صالحة للعيش.

ويلحظ الزائر لتلك المناطق عمليات الترميم المنتشرة في كل مكان، وتشمل ترميم الجسور وشبكات الخدمات والطاقة والسكك الحديدية، مما يساعد في عودة سكان تلك المناطق إلى بيوتهم السليمة كليا أو نسبيا، وتعود الكثير من المحال والشركات للعمل، حتى إن بعض السكان عادوا لممارسة الرياضية، وعادة التنزه.

يقول أندريه -وهو صاحب محل لبيع القهوة في إربين- للجزيرة نت “كان الوضع مخيفا في أواسط أبريل (نيسان) عندما عدت، كانت المدينة مظلمة وخاوية من سكانها، ولا تزال تشهد حراكا عسكريا مكثفا بعد انسحاب الروس”.

وأضاف “الوضع الآن تحسن كثيرا، ولكن حديث الناس يبقى مركزا حول مخاوف استهداف المدينة وكييف مجددا بالقصف أو الاجتياح، الأمر الذي يدفع كثيرين إلى البقاء في مناطق النزوح وبلدان اللجوء الأخرى”.

وقد مُنحت مدينتا بوتشا وإربين صفة البطولة بموجب مرسوم رئاسي مكافأة على الصمود، وهذا الشرف كلفها -وفق السلطات المحلية- مجازر مروعة، وانتشارا لمقابر جماعية تضم ما لا يقل عن 600 شخص.

اقرأ ايضاً: أفضل اشتراكات القنوات العربية (عالية الجودة)

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك