مايو 18, 2024

كلنا شركاء: ذي أتلانتك- ترجمة محمود محمد العبي- السوري الجديد
يلقي كل من استعادة سيطرة النظام على شرقي حلب وانخفاض دعم تركيا للثوار في سوريا تأثيراً عميقاً على المشهد الجهادي السلفي في سوريا. في الأسبوعين الماضيين، تشير عدة بيانات وتسريبات ومعلومات من جماعات إسلامية أخرى إلى صراعات داخلية في حركة أحرار الشام وجبهة فتح الشام. في كلتا الحالتين، قد يمهد الصراع على السلطة داخل المجموعتين الطريق لموجة من التشظي؛ وربما يعيق من قدرة المجموعتين على العمل معاً. وعلى نطاق أوسع، يمكن أن ينتج عن هذه الصراعات الداخلية إعادة تشكيل للمشهد الجهادي السلفي السوري.  
في وقت مبكر من هذا الشهر، أعلنت شخصيات متشددة داخل حركة أحرار الشام إنشاء فصيل جديد داخل الحركة؛ يطلق على نفسه اسم جيش الأحرار تحت قيادة زعيم الأحرار السابق أبو جابر الشيخ. ولكن لم يتم الاعتراف بذلك الانشقاق من قبل قائد المجموعة السابق علي العمر، المعروف أيضاً باسم أبو أمير العمر، الذي نفى أي معرفة مسبقة عن التشكيل.
ويأتي هذا الانشقاق في أعقاب انتخاب علي العمر كقائد جديد للأحرار في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2016، بعد انتهاء فترة قيادة (أبو يحيى الحموي) لعام واحد، بتكليف من النظام الداخلي للأحرار. ووفقاً لمستشار للثوار السوريين، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، أيد متشددون مثل أبو محمد صادق وأبو صالح الطحان دعوة هاشم الشيخ (أبو جابر) لولاية/ فترة ثانية، في حين أيد أعضاء في الجناح البراغماتي كنان نحاس- شقيق لبيب نحاس، الذي يرأس مكتب العلاقات السياسية في المنظمة، ومعروف بمواقفه “المهادنة”. فبينما يؤيد المتشددون العقيدة الجهادية العالمية، يشدد البرغماتيون على الثورة السورية، ويريدون فتح خطوط اتصال مع قوى أجنبية.
كحل وسط، تم انتخاب علي العمر، الذي كان مدعوماً من كنان النحاس، وأبو عزام الأنصاري، وأبو أنس سراقب، وأبو يحيى الغاب، ولبيب النحاس، وإياد الشعار. قبل الانتخابات، علق ثمانية أعضاء في مجلس الشورى- وكلهم متشددون- عضويتهم في المجلس احتجاجاً على ذلك. والأعضاءالثماني أعضاء هم أبو جابر الشيخ، وأبو صالح الطحان، وأبو محمد صادق، والدكتور أبو عبد الله، وأبو علي الشيخ، وأبو أيوب المهاجر، وأبو عبد الله الكردي، وأبو خزيمة الفلسطيني.
قد تفسر عدة أسباب التصعيد المتزايد بين المتشددين والبراغماتيين داخل أحرار الشام. وقد أحيا سقوط حلب المنافسات القديمة داخل الجماعة، حيث يلقي كل طرف باللوم على الآخر؛ لخسائر جسيمة تكبدت بها المعارضة في الأشهر القليلة الماضية. وتفاقمت الانقسامات عندما واءم الجناح البراغماتي نفسه على العمل مع تركيا، كما تجلى في “حرب الفتوى” التي وقعت في أكتوبر/ تشرين الأول بعد أن شنت تركيا عملية درع الفرات. وتجلى عن تفاهم ضمني بين تركيا وروسيا ظهور عملية درع الفرات التركية، والتي تشمل قوة تتألف من جماعات من المعارضة السورية بما في ذلك أحرار الشام التي تركز على قتال الأكراد وداعش بدلاً من النظام السوري. وهناك سبب آخر في الحقيقة بأنه خلافاً لمتشددي أحرار الشام، فضل أعضاء من الجناح البراغماتي إقامة علاقات سياسية مع الغرب. وقد أطلق لبيب نحاس حملة لفعل ذلك في عام 2015، وحتى نشر مقالات رأي في صحف عالمية. وضع البراغماتيون أيضاً دعم الثورة والتعاون مع الجيش السوري الحر في قائمة أولوياتهم، وأعطوا ذلك الأولوية على الجهاد العالمي المتشدد من قبل المتشددين. ويبدو أن هذا الأخير قد دفع في الأشهر السابقة لعملية اندماج بين أحرار الشام وجبهة فتح الشام، وفقاً لمادة حديثة نشرتها آرون لوند في كارنيجي.
ليست حركة أحرار الشام وحدها في مواجهة التحديات السياسية الهامة عندما تفقد المعارضة سيطرتها في مناطق في سوريا- تواجه جبهة فتح الشام أيضاً صراعاتها الداخلية. حيث يقول حسن الدغيم، رجل دين سوري مقرب من الجماعات الثورية: “يبدو أن الارتباك يهيمن على جبهة فتح الشام. حيث نسمع عن انشقاق كتلة من المتشددين مثل المواطنين الأردنيين الدكتور سامي عريضي وإياد توباسي (أبو جلابيب) وبلال أبو خديجة الأردني؛ وعارض آخرون انشقاق جبهة النصرة عن تنظيم القاعدة وتغيير اسمها لجبهة فتح الشام؛ وما يزال البعض الآخر يحاول تشكيل مجموعة جديدة”. هذا الشهر، أفاد المرصد السوري أن بعض هؤلاء الأعضاء انشق عن المجموعة الأم، وشكلوا مجموعة جديدة تسمى حركة طالبان الشام بتوجيه من رجل الدين الأردني المؤثر الشيخ محمد المقدسي. في حين تشكلت جبهة فتح الشام بعد قطع العلاقات رسمياً مع تنظيم القاعدة، أعلنت حركة طالبان الشام الولاء لزعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري.
هناك خلافان يشيران أيضاً إلى انقسام بين المتشددين والبراغماتيين. أولاً، اقتراح زعيم فتح الشام أبو محمد الجولاني على المعارضة الإسلامية الاندماج تحت قيادته، وهو الاقتراح الذي رفضته حتى جماعات إسلامية مثل جيش الإسلام وأحرار الشام ونور الدين الزنكي. ومن هناـ يقود فشل هذه المبادرة المتشددين إلى البحث عن وسائل أخرى للتوحد.
ثانياً، وفقاً للدغيم، انشق العديد من الشخصيات المؤثرة عن داعش؛ بما في ذلك أبو سمير وأبو ذر التونسي، وحاولوا الانتقال إلى إدلب. حيث ذكرت مواقع للمعارضة السورية أيضاً أنه انتقل ما لا يقل عن خمس قادة في داعش لإدلب. ولكن يقول الدغيم: ليس هناك أية معلومات عن مكان وجودهم الحالي. أبو ذر التونسي هو أحد المنشقين عن تنظيم الدولة الإسلامية، ومن المعتقد أنه هرب إلى إدلب. وهو قائد عسكري سابق في جبهة النصرة؛ وبرفقته أربع قادة من التنظيم (أمراء)، بما في ذلك بلال شاويش، وهو أيضا عضو سابق في جبهة النصرة، وانشق عنها في عام 2014.
قد تؤدي هذه التحولات الهامة في المشهد الجهادي السلفي إلى إضعاف الجماعات الجهادية السورية. كما أشار آرون لوند في تحليله الأخير لحركة أحرار الشام: “ما لم يتمكن المنشقون في جيش الأحرار من الإثبات بأنهم أقوى بكثير على أرض الواقع مما كانوا عليه في مجلس الشورى، من المرجح أن محاولتهم من أجل القوة والنفوذ ستتبدد، وسينتج عنها حالة من الجمود ضارة للطرفين. وتعد مثل هذه النتيجة ضربة كبيرة لواحدة من الجماعات المعارضة المقاتلة الأكبر والأكثر فعالية.
اعتماداً على كيفية تصنيف السلفيين الجهاديين، يمكن أن نرى أيضاً إعادة تشكيل المشهد العسكري الأكبر، مع إعادة تجميع ممكن للمتشددين من جهة والبراغماتيين من جهة أخرى. وقد تنشد حركة أحرار الشام الأكثر براغماتية الجماعات الإسلامية الأخرى والجيش السوري الحر في شمال سوريا. وهناك إمكانية أخرى هي التنافس الحالي في حركة أحرار الشام في دفع المتشددين للانضمام إلى القوات مع الجناح الأكثر اعتدالاً في جبهة فتح الشام، وحشد المتشددين من فتح الشام خلف منشقي تنظيم الدولة “داعش”. تؤدي مثل هذه التيارات إلى توسيع طيف الجهادية السلفية، وتعقيد مشهد الثوار المعقد مسبقاً.
لن يكون سقوط حلب وإعادة التموضع الإقليمي في شمال سوريا بدون تأثيرات واسعة النطاق على الثورة السورية، الذي يبدو أنه قد اختار الآن المنافسة على التعاون.



المصدر: ذي أتلانتك: آثار استعادة النظام شرق حلب على المشهد الجهادي السلفي في سوريا

انشر الموضوع