أبريل 29, 2024

كلنا شركاء: The Nation- ترجمة محمد غيث قعدوني
هذا التقرير الخاص، تواطُؤ الميليشيات الكردية مع نظام الأسد كما يُفنّدُ مزاعمهم بأنهم يسعون لإقامة مجتمع ديمقراطيّ ومنفتِح.
أقجة قلعة- تركيا.
ارتكبت الميليشيات الكردية التي تشكّل العمود الفقري للقوات البرية المدعومة بالحملة الجوية الأمريكية ضد تنظيم الدولة الإسلامية؛ انتهاكات ممنهجة لحقوق الإنسان في المناطق الخاضعة لسيطرتها شمالي سوريا، ممّا تسبب بتهجير عشرات الآلاف من السكان العرب وحتى الأكراد من المنطقة وبأعداد ضخمة.
وأظهَرَت ستة أشهر من الاستقصاء، أنّ هذه المليشيات التي تقول التقارير بأنّها عمدت وتحت التأثير القوي لإيران ونظام الأسد، ومنذ العام 2013 إلى طرد السكان العرب من بيوتهم تحت تهديد السلاح ثم أحرقت قراهم ونسفتها ودمرتها. وكان لصحيفتنا لقاءاتٌ مع أكثر من 80 لاجئاً سورياً من العرب والأكراد من تلك المنطقة، بالإضافة إلى مسؤولين في الميليشيات وأعضاء سابقين فيها، ناهيك عن مسؤولين سابقين في الحكومة السورية ونشطاء سياسيين ومسؤولين من كردستان العراق.  
تصاعدت وتيرة تهجير السكان وطردهم بشكل كبير بعد أن شرعت الولايات المتحدة بتنفيذ ضربات مشتركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا منتصف العام 2015، تزامناً مع تهديدات وجَّهَتها المليشيات الكردية للعرب بأنهم سيكونون أهدافاً للغارات الجوية ما لم يغادروا قراهم. وفي الوقت الذي تراجعت فيه وتيرة التهجير خلال العام الماضي، إلا أنّها بقيت مستمرة مع مهاجمة هذه المليشيات لخصومها السياسيين وسَجنِهم وتَعذيبهم أو حتى طردهم.
وبحسب مسؤولين في كردستان العراق، فقد لجأ حوالي 300 ألف كردي سوري إلى الإقليم المجاور هرباً من المنطقة، ويقول مراقبون لحقوق الإنسان في تركيا إنَّ ما لا يقلّ عن 200 ألف آخرين من الأكراد قصدوا تركيا بدلاً من الخضوع لسياسة التجنيد الإجباريّ والقمع السياسي التي تمارسها جماعةٌ تُصِرُّ على حكم الحزب الواحد للدولة. ويقول مسؤولون في الإقليم الكردي إنّه إذا ما فتحت المليشيات الكردية السورية الحدود، فإنّ نصف السكان الأكراد على الأقل، والذين يعيشون في مناطق سيطرتها، سيعبرون إلى الجانب الآخر.
تُشكِّل هذه المليشيات، والتي تطلق على نفسها اسم وحدات حماية الشعب أو (وحدات الدفاع الشعبي) وتعُرف اختصاراً بـ ((YPG الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني أو البي كي كي، الذي يخوضُ حرب عصابات طويلة ومتقطعة ضدّ أنقرة منذ العام 1984، وهي الحرب التي اشتعلت مجدداً منتصف العام 2015 ولا تزال حتى يومنا هذا.
لطالما أصّرَّت إدارة الرئيس أوباما على أنَّ حزب العمال الكردستاني المُدرج من قِبل واشنطن ضمن لائحة المنظمات الإرهابية، لا علاقة له بوحدات حماية الشعب، وكان من شأن هذا الموقف الأمريكي أن يسمح لواشنطن التحايل على القوانين التي تحظر التعامل مع مجموعاتٍ من هذا القبيل. إلاّ أنَّ العديد من شهود العيان الذين أجرينا معهم لقاءات لصالح هذا التقرير، اعتبروا أنَّ الموقف الأمريكي هو محض خيال.
خلال لقائنا معه خارج سوريا، وجّهنا إلى موهار، وهو أحد المنشقّين عن حزب العمال الكردستاني، السؤال التالي: هل من الصحيح أنّه ليس ثمّة صلة بين حزب العمال الكردستاني وبين وحدات حماية الشعب؟ فأجاب متسائلاً عن الفرق بين الجماعتين!.
لقد أجمَع المنشقّون الأربعة على أنَّ السياسة الخاصة بالمنطقة السورية التي يسميها الأكراد روج آفا أو غرب كردستان، إنّما تصدر عن مقرات حزب العمال الكردستاني في قنديل العراقية.
بيدَ أنَّ وحدات الحماية الكردية تصرًّ على إنكار ارتكابها لأيّة تجاوزات أو أخطاء، وكما قال سيهانوك ديبو، المتحدث والمستشار السابق لحزب الاتحاد الديمقراطي PYD، الجناح السياسي لوحدات حماية الشعب، إنَّ عمليات التهجير لم ولن تحدث مستقبلاً أبداً، كما أردف سيهانوك قائلاً إنّ التحالف بين الوحدات الكردية YPG والتحالف الدولي الذي تقوده واشنطن ضد تنظيم الدولة الإسلامية إنما هو سبب آخر يمنع ارتكاب انتهاكات كهذه.
إنَّ موضوع وحدات حماية الشعب ليس مجرد حكاية عن حزب العمال الكردستاني تحت مُسمى مختلف، إذ يتضمن لاعبين رئيسين آخرين تفِّضل الإدارة الأمريكية عدم الحديث عنهم، وعلى رأسهم الحرس الثوري الإيراني ونظام الرئيس السوري بشار الأسد. إنها حكاية عن سلطة حاكمة اعتقلت وعذّبت وطردت زعماء سياسيين مناهضين لها، ناهيك عن قمعها للإعلام المستقل وإطلاقها تهديدات بالقتل بحقّ الصحفيين وتجنيد المقاتلين تحت تهديد السلاح، فضلاً عن اتّباعها لسياسة ممنهجة لعمليات تهجير واسعة النطاق ومحاولتها “كردنة” القرى والبلدات العربية. كما أنّ هذه الحكاية تخصّ منطقة على خلاف كبير مع اثنتين من جاراتها، هما تركيا وكردستان العراق، اللّتين منعتا قيام روج آفا. وسنناقش في الجزء الثاني من هذه السلسة، الانتهاكات المرتكبة بحق جميع الصحفيين الأجانب تقريباً.  
أمّا المسؤولون في روج آفا، فقد جهّزوا ردودهم مسبقاً على أسئلتنا بشأن الاتهامات الموجّهة ضدهم، ولم تكن أجوبتهم على قدرٍ من الدّقة. فقد أخبَرَنا ديبو أنّه ما من سببٍ واحد يدعو للشكّ في أنَّ وحدات حماية الشعب دمرت منازل العرب وأضاف: ” أحيانا، تقع القرى في مرمى تبادل النيران أثناء المعارك بين الوحدات وتنظيم الدولة، فكيف يمكن تحرير منطقة من قبضة هذا التنظيم من دون إلحاق أضرار بمنازل المدنيين فيها؟!”
ومع ذلك، وبتوالي القضايا التي تفحصها الصحيفة، فقد تبيّنَ أنّ تهجير السكان من قراهم وتدميرها قد وقع بعد أن انتزعتها الوحدات الكردية من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية من دون إطلاق ولو رصاصة واحدة.
ولم يُكَلِف حزب الاتحاد الديمقراطي PYD نفسه عَناء فتح تحقيق داخلي بالأمر، على الرغم من التوثيق الشامل لعمليات التهجير من جانب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، وهي مجموعة مراقبة مُعارِضة لها مكانتها، ولدى سؤالنا له عن قائمة SNHR  التي اشتملت على 26 قرية مدمّرة كُلياً و40 مُدَمرة جُزئياً و48 جرى إفراغها من جميع سكانها في محافظة الحسكة وحدها، قال ديبو إنّ الحزب ليس مفوّضاً بالتحقيق في هذه الانتهاكات، كما أضاف:” أُكرر مجدداً أنّ أموراً كهذه لم تحدث إطلاقاً”.
وناورت الإدارة الأمريكية أيضاً في مسألة خرق القوانين، إذ أنه حتى بعد صدور تقارير كُبرى عن منظمة العفو الدولية والشبكة السورية لحقوق الإنسان  في أواخر خريف العام 2015، لم تخّصص وزارة الخارجية في تقريرها السنوي حول حقوق الإنسان  في مطلع العام الماضي سوى سطر واحد للحديث عن عمليات التهجير هذه.
وإذا ما أردنا تصديق كلام ديبو، فإن الولايات المتحدة لم تناقش حتى هذه المسألة مع حزب الاتحاد الديمقراطي، إذ أنَّ الرجل قال لنا:” لم نناقش حتى الآن قضايا كهذه، ولم نسمع شيئاً عن هذه الانتهاكات”.
وأحجمت وزارتا الدفاع والخارجية الأمريكيّتان عن الإجابة على أسئلة معينة أو توفير أي مسؤول لمناقشة تحقيق الصحيفة الذي كتبه صندوق الصحافة الاستقصائية. ولم تُعَقِب وزارة الخارجية لدى سؤالنا لها حول توضيح الفرق بين وحدات حماية الشعب الكردية وحزب العمال الكردستاني.
وقال الكولونيل جون توماس، وهو المتحدث باسم القيادة الأمريكية الوسطى إنّه لا يملك أي معلومات خاصة حول عمليات التهجير التي يشنّها حزب الاتحاد الديمقراطي، وأضاف:” هناك الكثير من التقارير والإشاعات، ومن المستحيل لي التحدث عن أي مزاعم بعينها، ونحن لا نتغاضى عن، أو نعمل مع أي طرف ينتهك حقوق الإنسان وقوانين الحروب”.
أما المسؤولون في واشنطن ممّن لديهم خلفية عن الأمر فقالوا إنهم يواكبون أعمال وتصرفات الوحدات الكردية وطلبوا منها الكفّ عن أي عمليات تهجير مستقبلية. و في حديث خاص له، علّق مسؤول رفيع في إدارة الرئيس أوباما واصفاً المناطق التي تسيطر عليها هذه الوحدات بأنها دولٌ شمولية صغيرة.
وقد يكون أحد أسباب صمت واشنطن هو شعورها بالحرج تجاه الصداقة التي تتمسك بها مع الوحدات الكردية.
وقال إبراهيم حسين، وهو كردي كان يعمل قاضياً محلياً مع نظام الأسد وبقي في منصبه في الحسكة حتى تموز من العام 2014، إن القوة المهيمنة التي تدير شؤون الوحدات الكردية هي المخابرات الإيرانية. وأيّدَ حسين، أحد السوريين العرب الذي كان يشغل منصباً رفيعاً في المخابرات شمالي سوريا، بينما قال محمد الناصر المنشق عن النظام في دمشق منتصف عام 2012 إنّ إيران هي المصدر الرئيسي لتمويل حزب العمال الكردستاني.
ويقول العرب والأكراد على حدٍ سواء إن عمليات التهجير إنما تُفهم بصورة أفضل إذا ما نظرنا إلى علاقة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي بنظام الأسد. يقولون إن دوافع هذه العمليات لم تكن عرقية وإنما سياسية موجهة ضد المعارضة السياسية للأسد. وبالفعل، قال سكان سابقون إنه بعد سيطرة قوات الأسايش أو الشرطة العسكرية على القرى من قبضة تنظيم الدولة، كانت بحوزة هذه القوات قوائم بأسماء معارضين لنظام الأسد اعتقلتهم فيما بعد.
ويمتد تعاون الوحدات الكردية مع نظام الأسد ليشمل جبهات قتال نشطة حديثاً ومثال ذلك هو حلب حيث هاجمت القوات الكردية المتمركزة في حي الشيخ مقصود في المدينة، آخر طرق الإمداد من وإلى المناطق التي يسيطر عليها الثوار شرق حلب في تموز الماضي، مما ساعد نظام الأسد على إغلاق الطريق وإحكام حصاره لحلب مما أفضى إلى سقوطها بيده في ديسمبر الماضي.
وكان العشرات من العرب والأكراد الهاربين من منطقة روج آفا، والذين التقينا معهم، قد شككوا في رواية الوحدات الكردية الخاصة بالأحداث الجارية، هذه الوحدات التي دعمتها إدارة الرئيس أوباما على الدوام وروّجت لها أنها خصم بطل لتنظيم الدولة ،وهي بالفعل القوة الوحيدة في الميدان السوري القادرة على مواجهة هذا التنظيم.
تُقدّم الوحدات الكردية نفسها كعدوّ شرس لتنظيم الدولة، وفعلاً فقد خاض الطرفان معارك ضارية فيما بينهما، غير أنهما غالباً ما كانا يعملان  بصورة ترادفية ضدّ فصائل الثوار المعتدلة. وهناك أمثلة كثيرة وملحوظة على ذلك، فعلى سبيل المثال في عام 2013، قاتلت القوات الكردية في تل حميس والحسينية في محافظة الحسكة بهدف طرد العناصر المعتدلة في صفوف الجيش السوري الحر لكنها لم تفلح. وأما مقاتلو تنظيم الدولة فقد اقتحموا المناطق بوحدات الانتحاريين وسيطروا عليها قبل أن يُسَلِموها في العام 2015 للوحدات الكردية على طبق من ذهب.
وعندما هاجم تنظيم الدولة مدينة كوباني  أواخر العام 2014، جالباً ضربات جوية أمريكية قتلت حوالي 2000 من عناصره، جاء حينها الدور على الوحدات الكردية لرد الجميل، إذ بحسب سكان سابقين، تخلت القوات الكردية عن ضواحي كوباني وسلمتها لتنظيم الدولة دون قتال، حيث كانت قد أمرت السكان بمغادرة قراهم التي كانوا متحمسين للدفاع عنها.
ولم تسترعِ عمليات تهجير السكان العرب خلال فترة وقوعها بين عامي 2013 و 2015، سوى اهتمامٍ ضئيل في أوساط أجهزة الإعلام الدولية، لربما بسبب كونها بعيدة عن الميادين الرئيسية للحرب في سوريا. لكن هذه العمليات خلفت انطباعاً عميقاً في نفوس مُرتَكِبيها وضحاياها على حد سواء، وشَهِدَ بعض المشاركين فيها على أن الوحدات الكردية عملت جنباً إلى جنب مع قوات النظام السوري.
إليكم فيما يلي بعض من تفاصيل قصة موهار، الشاب الكردي البالغ من العمر 26 عاماً والمولود في تركيا، حيث انضم إلى صفوف حزب العمال الكردستاني وتلقى التدريب في جبال كردستان العراق ومن ثمّ تم إرساله إلى شمالي سوريا في نيسان من العام 2013، وبعد وصوله برفقة حوالي 50 متطوعاً آخرين سيراً على الأقدام، توجه موهار إلى ديرك وهي بلدة سورية يقطنها حوالي 60 ألف نسمة وقريبة من الحدود العراقية. في آب وأيلول من العام 2014، قال موهار إنه أدار بنفسه الهجوم على عكرشة وسفانة وهما قريتان تقعان في أقصى شمال شرق سوريا كان تنظيم الدولة قد سيطر عليهما مسبقاً. وبعد طرد عناصر التنظيم من القريتين، قامت الوحدات الكردية بإحراق وتجريف 13 قرية في المنطقة، وكان أولى خطوات هذه العملية هي إجبار السكان على مغادرة منازلهم.
وقال موهار في مقابلة معه في مكان ما خارج سوريا، إذ أنّه يستخدم اسماً حركياً خوفاً من انتقام حزب العمال منه :”لقد تلقيت الأوامر بتدمير القرى، من ثم أمرت رجالي بتدمير المنازل فقاموا بدورهم بسكب مادة البنزين عليها وإحراقها كلها. لقد تركت هذه التجربة ذكريات أليمة ليس عن العرب الفارين من قراهم فحسب، وإنما أيضاً عن الحيوانات التي لم تستطِع الفرار، لقد شاهدت بقرة داخل أحد البيوت وقد احترقت حتى الموت لسوء الحظ، ولا يزال هذا المشهد حاضراً في ذهني”.
وتابع موهار القول: “لم تكن عملية الهجوم على القرى تصرّفاً فردياً من جانب الوحدات الكردية فحسب، لأنّ الجيش السوري وفّر التغطية المدفعية لقصفها. لقد وفروا الدبابات والجنود، كانوا يقصفون ونحن نمدّهم بإحداثيات الأمكنة اللازم قصفها.”
وأضاف:” لقد أمدّ النظام السوري وبشكل روتيني وحدات حماية الشعب بالأسلحة الثقيلة، وأذكر أنني ذهبت ذات مرة إلى الحسكة وحصلت على دبابتين، وكان بعض القادة يقصدون القواعد العسكرية في الحسكة ومدينة القامشلي، وهي أكبر مدن المحافظة بهدف الحصول على الأسلحة والذخائر من قوات الأسد”.
وقال موهار إنّ الأوامر الموكلة إليه صدرت عن قيادات عليا، حيث لم يكن يحق لأيّ أحد داخل صفوف الوحدات إصدار القرارات، باستثناء ضباط في حزب العمال، والمجلس الحاكم، وذَكَرَ بالاسم كلاً من فهمان حسين والذي يستخدم اسم باهوز إيردال، ومراد كارايلان. وقال موهار: لقد: “رأيت الكثير من القرى وهي تحترق” و تحدّث عن تل براك وهي بلدة أخرى في شمال سوريا حيث قرّر كارايلان تدميرها من دون السماح بخروج ولو حتى دجاجة منها”.
ولم يَتسلَم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السلطة في مناطقه بسوريا عبر صناديق الاقتراع، بل بدعوة وجهها له نظام الأسد كجزء من ردة فعله على الانتفاضة الوطنية التي اندلعت في آذار من عام  2011 عندما نزلت أعداد ضخمة من السوريين إلى شوارع المدن والبلدات في عموم أنحاء البلاد. ومع الإنهاك الذي أصاب قواته، قرر النظام سحب معظم وحداته البرية من شمال شرق سوريا إلى وسط البلاد ودرعا في الجنوب الغربي حيث اندلعت الشرارة الأولى للانتفاضة.
وبحسب محمود الناصر، الذي كان مسؤولاً رفيعاً في مخابرات النظام في محافظة الحسكة، فإنّه وخلال اجتماع جرى عام 2011 مع قادة حزب العمال الكردستاني في دمشق، أوكل  ضباط الأمن القومي التابعون للنظام السوري إلى عناصر الحزب مهمة قمع الاحتجاجات المناهضة للأسد في المحافظة المذكورة. وقال الناصر:”كانت الرسالة الموجهة للحزب ما يلي: نحن من أسّسكم ودعمكم منذ العام 1983، واليوم حان دوركم لتقدّموا شيئاً لنا وتردوا الجميل.” كان ناصر يشير إلى تأسيس الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني في دمشق تحت رعاية المخابرات السورية. وقال ناصر إن نظام الأسد الأب غالباً ما كان يشجع الفرع السوري للحزب على تنفيذ عمليات بصورة حرب عصابات ضد تركيا على اعتباره قوة بالوكالة.
وتابع ناصر: في المقابل، تم تفويض الميليشيات الكردية التي تسمي نفسها رسمياً “قوات الإدارة الذاتية الكردية” لتأسيس إدارتها المدنية الخاصة بها في المناطق التي تسيطر عليها، بالإضافة للحصول على نصف عائدات النفط المنتج في المنطقة، والحصول على الأسلحة من قوات الأمن التابعة للنظام.
وقال ناصر إنّ اللواء قاسم سليماني وهو قائد الحرس الثوري الإيراني قد لعب دوراً مفيداً في وضع الترتيبات، حيث عُقِدِ اجتماع مهم خريف العام 2011 في مدينة السليمانية في كردستان العراق، هناك رتّب سليماني أيضاً لعودة صالح مسلم رسمياً من العراق، إذ أنّ مسلّم هو رئيس مساعد لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، ويقول أصدقاؤه إنه كان متوارياً بعد صدور حكم قضائي بحقه في سوريا، أمّا سليماني فقد مضى في قيادة قوات الحملة الإيرانية التي تقاتل الآن في صفوف نظام الأسد ضد الثوار.
وهنا بدأت عملية الاحتلال السريع، حيث سلم نظام الأسد  للحزب الديمقراطي عشرات المدن والبلدات الرئيسية كان من بينها القامشلي والمالكية وعامودا ورأس العين، وسمح لعناصره بإقامة حواجز التفتيش وحمل الأسلحة على مداخل المدن ،غير أن نظام دمشق أبقى على حواجزه داخل القامشلي والحسكة أيضاً. وفي شباط من العام 2012 أصدر النظام أوامر لقواته في الحسكة بتفويض الحزب بتسيير دوريات في المنطقة الحدودية دون أي قيود.
وقبل الثورة على نظام الأسد، كان للحزب الديمقراطي الكردي أتباعه في شمال شرقي البلاد ذات الغالبية الكردية، لكن هذا الحزب لم يكن سوى واحد من بين أحزاب المنطقة، وكانت توجهات العديد من الأكراد هناك لصالح الحزبين الكرديين الرئيسيين في كردستان العراق، بيد أنه اختل توازن كل الأحزاب التي تم تأسيسها جراء الانتفاضة الوطنية والمظاهرات المحلية ضد نظام الأسد والتي قادها شباب نظموا أنفسهم بلجان تنسيق، أما الحزب الكردي الأقرب للمتظاهرين فكان حزب المستقبل والذي كان يقوده مشعل التمو المهندس الزراعي المحبوب لدى الجماهير.
وعلى الفور، أصبح التّمو وغيره من الأكراد المعارضين لنظام الأسد، الهدف الأول على قائمة عمليات القمع التي شنتها وحدات حماية الشعب. جرت اعتقالات بالجملة واغتيالات للقادة وكان أولهم التمو حيث قُتِلَ في تشرين الأول/ أكتوبر من العام 2011، تلاه محمد والي في أيلول/ سبتمبر من العام 2012 وأحمد بنجاك في 2013.
و قال القاضي الكردي إبراهيم حسين :”مما لا شك فيه أن وحدات حماية الشعب كانت تعمل بأوامر من النظام”. وبحسب حسين فقد اختفى العديد من معارضي نظام الأسد والذين قيل إنهم كانوا مُدرجين على قوائم المطلوبين، وجرى اعتقال آخرين أو طردهم. وبحلول نهاية العام 2013، وفي مؤتمر صحفي له، قال جوان إبراهيم قائد قوات شرطة الأسايش العسكرية، إن قواته اعتقلت 5100 شخص من الخارجين عن القانون وتجار المخدرات في المناطق الخاضعة لسيطرتها.
كان ضباط المخابرات السورية يدركون أن وحدات حماية الشعب كانت تنفذ سلسلة من الاغتيالات. وقال ناصر والذي كان كما أسلفنا مسؤولاً رفيعاً في مخابرات النظام شمال شرقي البلاد:” لقد تلقينا الأوامر بعدم التدخل في حال قيام حزب العمال باغتيال أي شخصية، ولهذا السبب فقد تم اغتيال الكثير الكثير من الناشطين من دون أن نفتح أي تحقيق”.
وقع الهجوم الأكثر إثارة ضد معارضي النظام في أواخر حزيران من عام 2013 عندما أطلقت قوات الأمن التابعة للوحدات الكردية، النار باتجاه مظاهرة في مدينة عامودا فقتلت ثلاثة متظاهرين ومن ثم ثلاثة آخرين في نفس المنطقة. كان المتظاهرون يطالبون حزب الاتحاد الديمقراطي بإطلاق سراح الناشطين المعارضين للنظام والذين كانوا معتقلين لدى الحزب، غير أنه وفي اليوم التالي عمد الحزب إلى اعتقال 100 شخص آخرين وأغلق جميع مكاتب الحزب المعارض في المدينة. وأدى هذا الهجوم وغيره من الهجمات والاعتقالات التي طالت قادة الحزب الكردي المعارض لحزب الاتحاد الديمقراطي، إلى نزوح عشرات الآلاف إلى كردستان العراق حيث يعيش هناك اليوم حوالي 300 ألف كردي من روج آفا، وإلى تركيا ويعيش فيها 200 ألف آخرين على الأقل.
ووفقاً للشبكة السورية لحقوق الإنسان ، فقد بدأت اعتداءات وحدات حماية الشعب الكردية على العرب في أواخر العام 2013 وذلك عندما ارتكبت هذه الوحدات 3 مجازر، الأولى في بلدة الأغبيش في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام ذاته وراح ضحيتها 6 أشخاص، تلتها مجزرة أخرى في تل براك أواخر شباط من عام 2014 وراح ضحيتها 43 مدنياً والثالثة في الحجية وتل خليل في منتصف أيلول/ سبتمبر من عام 2014 وخلفت 42 قتيلاً.
وبدأت عمليات تدمير القرى في الحسكة وطرد أهلها منها أواخر العام 2013 حيث اكتسبت قوة كبيرة بعد أن شرع سلاح الجو الأمريكي بتنفيذ ضربات جوية لصد هجوم تنظيم الدولة على مدينة كوباني شهر أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2014. وتصاعدت هذه العمليات العام التالي مع سيطرة الوحدات الكردية المدعومة بغطاء جوي أمريكي،على مدينة تل أبيض الحدودية والتي كان تنظيم الدولة قد انسحب منها دون قتال.
وأعقبَ عمليات تدمير القرى وطرد أهلها منها مطلع العام 2014، أنموذج مدهش للتعاون الواضح بين الوحدات الكردية والدولة الإسلامية ونظام الأسد بهدف طرد فصائل الثوار المعتدلة من المعابر الحدودية الرئيسية والمدن الكبرى في المنطقة. ومن جديد، ففي المدن التي واجهت فيها الوحدات الكردية نقصاً في الرجال أو السلاح لطرد الثوار منها، دائماً ما كانت قوات تنظيم الدولة وبشكل غير متوقع بفيالق انتحارييها تحاصر المنطقة وتسلمها فيما بعد للأكراد على طبق من ذهب. بعد ذلك تقوم الوحدات الكردية بطرد السكان العرب منها.
ولنأخذ مثالاً على ذلك، بلدة تل حميس الواقعة جنوب مدينة القامشلي كبرى مدن روج آفا، فقد انتزع الثوار من اللواء 313 بدعم من فصيل أحرار الشام الإسلامي، البلدة من أيدي قوات النظام في شباط من العام 2013، ولم تتمكن الوحدات الكردية حينها من السيطرة على البلدة. ووفقاً لناصر ومصادر أخرى أنه ومع نهاية العام، وفي خضم القتال، وصل بشكل مفاجئ من شرقي سوريا رتل مؤلف من أكثر من 100 مركبة تحمل عناصر مسلحة من تنظيم الدولة، وهزم لواءين من الثوار وهما اللواء 114 ولواء الصقور. بعد ذلك، انسحب مقاتلو تنظيم الدولة إلى منطقة تبعد عن البلدة 20 ميلاً باتجاه الجنوب وسلموها للوحدات الكردية في شباط من العام 2015,
حينها بالذات باشرت الوحدات الكردية بتدمير منازل العرب، وفقاً للشبكة السورية لحقوق الإنسان، وبدأت بحرق وتجريف عشرات البيوت في البلدة ذاتها ثم سيطرت على 29 قرية في المنطقة بعد انسحاب تنظيم الدولة منها. وقالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان إن الوحدات الكردية اقتحمت هذه القرى ودمرت تسع منها بشكل كامل.
وقال سامر الأحمد وهو صحفي عربي من الحسكة و مقيم في تركيا وعايش الأحداث عن قرب:” اعتقد الناس أن تنظيم الدولة جاء لمساعدة الجيش السوري الحر، لكنه وبدل ذلك، جال التنظيم في عموم المحافظة طارداً قوات الجيش السوري الحر من جميع مواقعه فيها”. وبحلول آذار من العام 2014، كان الجيش الحر قد خسر جميع معاقله في الحسكة.
وإليكم هنا دليل آخر على تواطؤ تنظيم الدولة مع نظام الأسد:  خلال الأشهر الثلاثة التي أعقبت سيطرة التنظيم على تل حميس مطلع عام 2014، سرق عناصره حوالي 90 ألف طن من القمح المخزن في البلدة وباعوه للنظام وجرى تسليمه بقوافل طويلة من الشاحنات، في اللاذقية التي تبعد أكثر من 30 ميلاً على ساحل المتوسط. هذا ما جاء على لسان محمد المهدي رئيس مركز الحسكة للتوثيق في شانلي أورفا التركية.
ويبدو أيضا أن تنظيم الدولة عمل في خندق واحد مع وحدات الحماية الكردية، عام 2015 في الحسينية قرب تل حميس.والتي كان الثوار من اللواء 313 ومجموعات أصغر قد سيطروا عليها في شباط من عام 2013. هاجمت القوات الكردية البلدة في وقت متأخر من ذلك العام وفشلت في طرد الثوار منها، وعلى أي حال فقد نجح تنظيم الدولة بهذه المهمة في آذار من عام 2014. وبعد حوالي عام سلم التنظيم البلدة للأكراد دون قتال وبعد ذلك بشهر أحرقوا بدورهم وجرّفوا معظم منازل البلدة. وفي منتصف 2015،أظهرت الصور الملتقطة بالأقمار الصناعية 14 منزلاً فقط مقارنة بـ 225 منزلاً في صور قبل عام، بحسب منظمة العفو الدوليةـ غير أن سيهانوك ديبو المتحدث باسم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي PYD قد وصف تقرير المنظمة بأنه غير احترافي.
ويقول الصحفي السوري مضر الأسد /الذي لا تربطه علاقة بالرئيس الأسد/، والذي أرَخَ القتال في محافظة الحسكة، إن هناك المئات من الأمثلة عن سيطرة تنظيم الدولة على القرى وطرد الجيش الحر منها قبل تسليمها للأكراد دون قتال، حيث لم تقتصر هذه الأمثلة على الحسكة وحدها.
ولنأخذ شيوخ مثالاً: شيوخ بلدة عربية يقطنها 45 ألف نسمة وتقع شمال محافظة حلب على الضفة الشرقية لنهر الفرات على بعد حوالي 13 ميلاً إلى الغرب من تل حميس.سيطر الثوار العرب من أحرار شيوخ وكتائب الشهيد عبد العزيز غزال على البلدة من أيدي قوات النظام في تموز من العام 2012، غير أنهم وبقرار مشؤوم قرروا تقاسم السيطرة عليها مع الوحدات الكردية. في آذار من العام 2014 ومن دون سابق إنذار، تخلى عناصر القوات الكردية عن مواقعهم لصالح تنظيم الدولة الذي سحق فيما بعد دفاعات الثوار العرب. بعد عام، خطط الثوار والأكراد لإعادة السيطرة المشتركة على البلدة،ولكن حينها ووفقاً لعصام النايف القائد في كتائب أحرار شيوخ،والذي قال: “اقتحم حزب العمال الكردستاني البلدة دون إخبارنا بذلك”، مشيراً إلى وحدات حماية الشعب الكردية، وهي الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني.
وقال النايف، شَكَلَ هذا بداية عمليات التدمير، إذ فرَ السكان من مناطقهم خوفاً من المعارك فيها ولكن بعد تخلي تنظيم الدولة عن البلدة، تابعت الوحدات الكردية تدمير المزارع وإحراق البيوت بالإضافة إلى 3 آلاف دونم من بساتين الزيتون. كما ودمر الأكراد قريتين مجاورتين. وإلى يومنا هذا، لا يزال سكان شيوخ غير قادرين على العودة إليها.
وإذا كانت تصرفات الوحدات الكردية لا تتفق مع الصورة الواسعة الانتشار لهذه الميليشيات على أنها الخصم البطل لتنظيم الدولة في سوريا، فهذا قد يرجع إلى كون هذه الصورة ملفّقة. إنّ الأسطورة التي تقول بأنّ الوحدات الكردية هي القوة البرية الفعالة والوحيدة في مواجهة تنظيم الدولة، قد بدأت عندما حاصر التنظيم بلدة كوباني الكردية الحدودية في خريف العام 2014 . وبعد أشهر من القتال، أنقذ المدينة بواسل الوحدات الكردية بدعم جوي أمريكي، أو كما تقول الأسطورة.
غير أن للأكراد الذين فرّوا من منطقة كوباني والمُقَدَر عددهم بعشرات الآلاف، رواية مغايرة حول حقيقة ما جرى ، تقول إن الوحدات الكردية سلّمت تنظيم الدولة دون قتال خطوط الإمداد الخلفية للمدينة، أمّا النظام السوري وهو الشريك الصامت للأكراد، فبقي متفرجاً على الأرتال المسلّحة لتنظيم الدولة، والتي شقت طريقها إلى كوباني عبر مناطق الريف.
وبحسب القاضي الكردي إبراهيم حسين، فإن العداوة بين الوحدات الكردية وتنظيم الدولة إنما هي مزيفة وظاهرية فحسب. وقال حسين إنه حتى قبل أن يصل تنظيم الدولة إلى حدود مناطق إمداد المدينة، كانت الوحدات الكردية تقول إن داعش وهو الاسم المختصر للتنظيم، قد بدأ هجومه على كوباني. وأضاف حسين أنه عندما أصر السكان على الدفاع عن قراهم أجبرتهم الوحدات على المغادرة تحت تهديد السلاح.
ما حدث بعد ذلك كان عبارة عن هجرة ضخمة للأكراد إلى تركيا. قبل هجوم تنظيم الدولة على المدينة، كان هناك 400 ألف كردي في منطقة كوباني، غير أنه كشف إحصاء رسمي للسكان بعد انتهاء المعارك وجود 200 ألف كردي فقط. وتساءل حسين والذي يعيش اليوم في جنوب تركيا عن الـ200 ألف كردي الآخرين؟! ويقول إنهم فروا قبل وصول تنظيم الدولة إلى المدينة”.
وقال عبد السالم أحمد، وهو متحدث باسم الوحدات الكردية إنّ انتقادات كهذه لا تستحق الرد عليها متهماً الذين يحطون من قدر الوحدات، بالعمل لصالح المخابرات التركية، وقال إن همَّ هؤلاء الوحيد هو تشويه صورة البطولات التي سطرتها وحدات حماية الشعب الكردية، على حد تعبيره.
كان هذا هو الظهور الأول للتعاون الأمريكي المشؤوم مع الوحدات الكردية. وفي الوقت الذي احتفلت فيه إدارة الرئيس أوباما بالنصر الذي حققه تدخلها في كوباني، انتهزَ الأكراد الفرصة للسعي وراء أجندات أكثر شراً وفساداً. وتزامناً مع تزايد التعاون مع الولايات المتحدة عام 2015، زادت الوحدات الكردية من وتيرة عمليات تهجير العرب من المنطقة الحدودية الشمالية. وبحسب سعد شاويش الرئيس المنفي للمجلس المحلي لمحافظة الرقة، فقد بلغت هذه العمليات ذروتها منتصف العام ذاته بطرد أو إنكار عودة 60 ألف عربي على الأقل إلى قراهم بعد سيطرة الأكراد على تل أبيض على الحدود التركية.
و ساقَ شاويش الذي يعيش اليوم في تركيا، وغيره من المراقبين عن كثب من الذين فروا من روج آفا، بالإضافة إلى منظمة العفو الدولية والشبكة السورية لحقوق الإنسان، عشرات الأمثلة عن قيام الوحدات الكردية بطرد العرب من منازلهم عبر تهديدهم بالتعرض لغارات جوية أمريكية.
كانت قرية بير محلي شمال شرق حلب إحدى هذه الأمثلة، حيث طلبت الوحدات الكردية من القرويين ترك منازلهم وهدّدتهم بأنها سوف تزود طيران التحالف الأمريكي بإحداثيات القرية ليتم قصفها في حال رفض السكان الخروج. وفي الثلاثين من شهر نيسان/ أبريل من العام 2015 طلبت الوحدات الضربات الجوية الأمريكية فَقُتلَ 64 قروياً جميعهم من المدنيين بحسب إيروورز وهي مجموعة  مقرها في بريطانيا وتراقب قصف طيران التحالف للمدنيين.
مثال آخر هو عربيد، القرية (المزرعة) الصغيرة التي يقطنها البدو، حيث رفض 500 من سكانها ترك منازلهم بعد سيطرة الوحدات الكردية في حزيران من العام 2015 على تل أبيض إلى الشمال. وقال شاويش إن الوحدات هددت بتزويد طيران التحالف بإحداثيات القرية. وعندما بدأت مروحيات الأباتشي بالتحليق فوق القرية على ارتفاعات منخفضة، قرر السكان المغادرة إلى قرى أخرى، ولم يعودوا أبداً، أما الوحدات فأحجمت عن التعليق على الأمر.
ومع جنوح عمليات تهجير السكان، يقول شاويش إنّ الوحدات الكردية كانت تصادر الممتلكات الخاصة بشكلٍ روتينيّ، ويَنُصُ القانون الذي يُعرف بقانون الكفيل، على أنّ السلطات لن تسمح لأي شخص بالعودة ما لم يكفله أحد الأكراد الذين يمكن أن يشهدوا لصالح من يرغب بالعودة. غير أنه ليس من السهل إيجاد مرجعيات كهذه في منطقة مثل شمال الرقة، حيث يشكل الأكراد نسبة 10 % فقط من إجمالي السكان.
 إبراهيم أبو عمر، 61 عام، عربي سوري مع عائلته متحدّثاً عن طرده وعائلته من منزلهم في بلدة تل أبيض العام الفائت على يد ميليشيات وحدات حماية الشعب.
ووفقاً للقانون الإنساني الدولي، فإن طرد المدنيين من مناطقهم عندما لا يكون هناك تهديد وشيك بنشوب صراع، هو جريمة حرب. وإذا ما كانت عمليات الطرد هذه ممنهجة وممتدة على نطاق واسع، فيمكن اعتبارها جريمة ضد الإنسانية. ولهذا السبب وحده، تثير عمليات التهجير التي انتهجتها الوحدات الكردية عامي 2014 و2015، تساؤلات عن مسؤولية الولايات المتحدة.
وهنا يطرح السؤال التالي نفسه: هل كانت الإدارة الأمريكية على علم بعمليات التهجير وقت حدوثها، وهل سعت لإيقافها؟! وهل كان من الحكمة تحريك سلاح الجو الأمريكي لصالح الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني ـــ وهو جماعة لها أجنداتها السياسية الخاصة في سوريا وتركيا  ــــ بهدف مهاجمة تنظيم الدولة عسكرياً ولكن من دون نتيجة سياسية متفق عليها؟!.
لقد رفض البنتاغون وكذلك وزارة الخارجية الأمريكية مناقشة هذه التساؤلات أو غيرها حول السياسة الأمريكية في منطقة روج آفا، ورفض  بريت ماكغورك المبعوث الخاص بإدارة الرئيس أوباما عدة طلبات لإجراء مقابلة معه حول ذات الموضوع. طلبت وزارة الخارجية أسئلة مكتوبة، غير أنّها رفضت الإجابة عليها.
وبعد أسبوعين من تَلَقيها  أسئلة من صحيفتنا ،قالت وزارة الخارجية في مؤتمر صحفي لها إن الإدارة الأمريكية تُبقي على تواصلها مع وحدات حماية الشعب الكردية وغيرها من الكيانات السياسية المعنية، عبر عدة قنوات اتصال. وتتراوح جهات الاتصال هذه ما بين ممثلين خارجيين رفيعي المستوى وأعضاء في الإدارة المدنية مسؤولين عن عدة وظائف في الحكم من تلك غير المتعلقة بالأمن. كما ونتواصل أحياناً مع أعضاء في الكيانات المتعلقة بالإدارة المدنية، /وهي اسم بديل لإدارة الوحدات الكردية/، ومسؤولين عن الشؤون الإدارية المدنية في المناطق ذات الغالبية العربية في سوريا. وتستخدم وزارة الخارجية هذه القائمة من جهات الاتصال بغية دعم وتعزيز قيام سوريا موحدة وغير طائفية تحترم حقوق الإنسان والتنوع وغيرها من القيم الديمقراطية، وتشدّد على التزام مشترك بهزيمة تنظيم الدولة.
تراجعت حدة عمليات التهجير في العام الماضي، غير أنها تحولت لتصبح أكثر قسوة في أحد الأمثلة على الأقل. كانت التصرفات المعيارية مسبقاً خرقاً فاضحاً لقانون النزاعات المسلحة، لأنه لم يكن هناك عملية قانونية وراء أمر الوحدات الكردية السكان بمغادرة منازلهم، والتخلي عن سبل عيشهم ومعظم ممتلكاتهم الدنيوية، وعادة ما كان يصل مسلحون ملثمون في منتصف الليل ويُباغِتون السكان من ثم يتبعهم أشخاص منظّمون متخصصون بالسلب والنهب فَيُحيلون المكان خاوياً على عروشه ويفرغونه من محتوياته تماماً.
ولكن حتى هذه الانتهاكات الفاضحة قد انخفضت من جديد في قرية حمام التركمان البالغ تعداد سكانها 15 ألف نسمة مطلع العام الماضي، وتقع إلى الجنوب من تل أبيض، وشمال مدينة الرقة التي يتخذها تنظيم الدولة عاصمة لخلافته في سوريا. ويتخذ تنظيم الدولة من هذه القرية منطلقاً له عندما يريد مهاجمة مدينة تل أبيض مثلما فعل في شباط الماضي.
ولدى دخوله إلى قرية حمام التركمان، قتل تنظيم الدولة 3 مدنيين على الأقل واستخدم آخرين دروعاً بشرية: من ثم وفي تل أبيض قتل عناصره عدداً من مقاتلي وحدات حماية الشعب الكردية. وبدعم من سلاح الجو الأمريكي، تمكنت القوات الكردية من طرد تنظيم الدولة من تل أبيض وحمام التركمان، وحينئذٍ شرعت بمعاقبة القرويين نظراً لافتقارها لحسن الاستعداد للحرب.
و قال الناشط الإعلامي نسيم التركماني إنه في مطلع آذار، وصل قادةٌ من قوات حماية الشعب الكردية إلى البلدة وأمرت السكان بالتجمع في باحة المدرسة واتهمتهم بالخيانة والوقوف بصف تنظيم الدولة، وبعد عدة أيام، عادت شرطة الأسايش العسكرية وبحوزتها قوائم مطلوبين زعمت أن أبناءهم كانوا يقاتلون مع تنظيم الدولة، وأمرت قوات الأسايش 10 عائلات بالتوجه سيراً على الأقدام إلى الرقة الواقعة على بعد أكثر من 40 ميلاً إلى الجنوب. وينبغي ملاحظة أن للوحدات الكردية سجلها الخاص بالفشل في الدفاع عن القرى والبلدات التي تسيطر عليها ومن ثم التضحية بأخرى فيما بعد، ففي أواخر حزيران من العام 2015، هاجم تنظيم الدولة مدينة كوباني وقتل 286 شخصاً، حينها ألقت الوحدات الكردية باللوم على تركيا لسماحها بدخول المقاتلين من أراضيها، ولكن في الحقيقة أن الوحدات كانت قد أعادت نشر قواتها المدافعة عن البلدة، وأرسلتها إلى تل أبيض.
انطلق حوالي 100 من الرجال والنساء والأطفال تحت جناح الليل، وبعد قطعهم مسافة حوالي 15 ميلاً وإكمال بقية الرحلة عبر إيقاف السيارات العابرة للطريق، وصلوا إلى أولى حواجز التفتيش التابعة لتنظيم الدولة، ولحسن الحظ فقد صَدَقَ عناصر التنظيم روايتهم وسمحوا لهم بدخول المدينة ووفروا لهم المأوى في بيوت الأكراد الذين كان قد طردهم منها، وزار الناشط تركماني بعض هذه العوائل هناك.
وحدثت إحدى عمليات التهجير الأكثر نموذجيةَ والأقل قسوة هامشياً، لأبي عمر وأسرته وهو سوري عربي يملك مزرعة في تل أبيض التي تقابل مدينة أكشكلي التركية على الجانب الآخر من الحدود. في البداية، جاء مقاتلو الوحدات الكردية إلى منزل أبي عمر في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام 2015 ملوحين بأسلحتهم الأوتوماتيكية وطلبوا منه المغادرة. واسترجع أبو عمر سؤالهم عن أولاده، حيث أجاب إنهم جميعاً يعملون خارج البلاد، حينها أخبروه مشيرين للرئيس التركي  رجب طيب أردوغان “إما أن تذهب إلى أردوغان وتحضر أولادك أو تغادر”، غير أن الرجل تجاهل الأوامر.
عاد مقاتلو الوحدات وعددهم يقدر ب50 مسلحاً إلى منزل أبي عمر في  التاسعة من مساء الرابع من نيسان الماضي. اقتحم المسلحون المنزل واحتجزوا ابنه البالغ من العمر 12 عاماً وإحدى بناته وراحوا يضربونهما. ويقول أبو عمر: “أخبروني أنهم سيرجعون في السادسة من صبيحة اليوم التالي وأنهم لا يريدون رؤيتي في المنزل”. تجاهل الرجل تحذيرهم ولكن في الخامسة من مساء اليوم التالي، وصل ضابط من الوحدات وأمره بأن يذهب إلى أردوغان.
واستحضر أبو عمر كلام الضابط الذي قال له: “إذا رأيتك مجدداً في تل أبيض سوف أقتلك، فلتذهب إلى تركيا أو الرقة أو أي مكان آخر”. وتم السماح لعائلته بالمغادرة بملابسهم التي كانوا يرتدونها فقط.
سارت العائلة مسيرة أيّام عبر الحقول والمزارع قبل أن تصل إلى قرية عربية وتتواصل مع أقرباء لها في تركيا. وبعد قضاء أربعة أيام على الحدود، دفعت العائلة المال للمهربين لكي يُدخلوهم إلى تركيا، واليوم تعيش في منزل كان قيد الإنشاء وقت إجرائنا المقابلة معها.
وعندما كانوا يهمون بمغادرة منزلهم في تل أبيض، شاهد إبراهيم الشاحنات وقد أتت لإفراغ محتويات المنازل. فيما بعد، سمع من جيرانه أن وحدات الحماية الكردية استولت على جميع منازله الستة وملحقاتها. وسرقت مضخات الري ومعدات المزرعة الخاصة به وحتى أنها اقتلعت الشجيرات الصغيرة من الأرض.
يقول إبراهيم: “سألت الضابط عن الجرم الذي اقترفته العائلة، فأجابني اخرس”. وقال إبراهيم البالغ من العمر 61 وزوجته جميلة الحسين يوسف 51 عاماً إنهما لم يتعاطيا السياسة ولم يكونا على علاقة بتنظيم الدولة عندما احتل المتطرفون الإسلاميون تل أبيض. يعتقد الزوجان أن جرمهما كان انخراط ابن أخ إبراهيم مع فصائل الثوار المعتدلين.
و بحسب ابن إبراهيم، الشاب أسعد ذي الـ28 عاماً، لا تزال وحدات حماية الشعب الكردية إلى اليوم تأمر العوائل العربية بمغادرة قراها في المنطقة الحدودية ويقول إنه عادة ما تطلب الوحدات من العوائل  إما تسليم أحد أبنائها لتأدية الخدمة العسكرية في صفوف قوات سوريا الديمقراطية التي يشكل الأكراد عمادها والتي هي اليوم القوة البرية الحليفة للولايات المتحدة ، أو المغادرة.
وفي أمكنة أخرى من روج آفا، كانت الوحدات الكردية تعتقل وتعذب وتطرد الأكراد المنتمين إلى أحزاب سياسية والعرب المعارضين لنظام الأسد. وقال الناشط معمر أبو محمد من محافظة الحسكة: “تتابع الوحدات اعتقال الناشطين وأعضاء المعارضة مرة بعد أخرى إلى أن يقرروا المغادرة بأنفسهم”. ويقول أبو محمد إنّ أحد أصدقائه كان قد اعتُقلَ خمس مرات وفي النهاية أوضحوا له أنه كان شخصاً غير مرغوب فيه. ولو أنَّه آثر البقاء لكانوا حاكموه في محكمة الإرهاب وواجه حكماً بالسجن يتراوح بين الـ 5 والـ 10 سنوات، بالتالي رأينا أن الغالبية العظمى قد غادرت بصَمت”.


المصدر: ذا نيشن: هل ارتكبت الجماعات الكردية السورية جرائم حرب؟

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك