مايو 5, 2024

د. يحيى العريضي:كلنا شركاء

قِيل قديما: “كل الدروب تؤدي إلى روما”؛ ولكن في المسألة السورية اليوم لا بد من أن يصبح القول: “كل الدروب تؤدي إلى موسكو” بعد ان عهّدت إدارة أوباما بملف سورية إلى موسكو. كان أول مَن حجَّ إلى موسكو رئيس وزراء إسرائيل “نتنياهو” ليطمئن على حرية استباحة طائراته للأجواء السورية دون تعكير مزاج؛ وكان له ما أراد. وها هو يحج للمرة الخامسة إلى موسكو لعلمه المحتمل أن تقاسمات النفوذ أضحت في لمساتها الأخيرة؛ فهو لا يريد مساكنة مع الملالي وأداتهم الحزبلاتية على الأقل في الجانب السوري؛ حيث أنه من الجانب اللبناني، لا يزال “نصرالله” يقوم بالواجب كما هو مرسوم له.

حَلِمَ بوتين أن يكون له شراكة في “التحالف الدولي” في محاربة داعش؛ ولكن الأمريكيين حرموه من ذلك؛ فكان أن اغتصب هذا الدور وتحت يافطة “محاربة داعش” عبر دعوة من “حكومة فيشي” الأسدية، ليصبح “قطب الرحى” في الساحة السورية، ولكن احتلالياً؛ ولم يكن ذلك منفراً لإدارة أوباما إلا إعلامياً؛ وما كان الاختلاف بينهما إلا تظاهرياً وإعلامياً؛ فالتنسيق على أشده حتى في مجلس الأمن. وقيل أنه لو لم تستخدم موسكو “الفيتو” لحماية عصابة دمشق، لاضطرت واشنطن إلى استخدامه.

إيران التي تحصي أنفاس الأسد وعصابته وتزودهم بآلة القتل اليومية والنصائح الدموية تسعى لتقديم أوراق اعتمادها جاراً بغيضاً لكن ضرورياً لنتنياهو تفسد على موسكو أكوام الوعود التي أطلقتها الأخيرة لفصائل الثورة في أستانة وجنيف؛ فتراها اللاعب الخفي المتخصص بنسف أي مشروع يوقف النزف السوري، ويحوّل رأس الأسد إلى مزاد خفي حاجتها الأولى منه جواراً مع نتنياهو ووظيفة شرطي مضارب في الخليج. وترامب لم يحسم استراتيجيته بعد رغم العين الحمراء المسماة وزير دفاعه الشريف المربك للملالي بصدق.

في السياق ذاته يحضر الفعل الإنكليزي الخبيث المتمثل بتسجيل النقاط على “قطب الرحى” والذي شهدناه مؤخراً بتقديمهم بصحبة الفرنسيين مشروعاً يدين من يحميهم قطب الرحى من مجرمي نظام الأسد لاستخدامهم أسلحة كيماوية وتحديداً خلال جنيف 4، وهم يعلمون أن موسكو ستنسف المشروع. كل ذلك ليراكموا نقاطاً في سجل موسكو الأسود تجاه القضية السورية.

قطب الرحى المتفلت هذا كان محجاً لبعض الشخصيات التي تعاني من فراغ “أخلاقي” تحسب نفسها على ثورة أهل سورية معتقدة أن موسكو بحكم سطوتها على الوضع السوري يمكن ان تشركهم بحل هي ذاتها غير قادرة على فرضه؛ وإن قدرت لا تريد قبل حلحلة ملفاتها؛ وإذ بهؤلاء يتحولوا إلى مخاليق باهتة اللون والقيمة.

تركيا المترددة والخائفة والمربكة أيضاً تحج الى موسكو ضمن شهر عسلها المر مع موسكو وتتأرجح بين تحالف ناتوي تقليدي رأسه امريكا وود اضطراري مع موسكو ياخذ شكل “النكاية” بالغرب أحيانا، والصبر على “خبصات” الدب الذي قرر أن يلعب سياسة… تركيا هذه تضمن مسلحي الثورة وتفسح في المجال أيضاً اضطراراً لميليشيات تدعمها روسيا وأمريكا وإيران لتقف شوكة في زور حدودها وتعرقل توجهها إلى الحسم في الرقة. تنظر حولها، وإذا بالجميع ينتّف اللقمة التي تكاد أن تصل إلى حلقها

بحكم موقعها الاستراتيجي الأور- آسيوي وبحكم علاقة استراتيجية مع امريكا تبقى تركيا بيضة القبان وهدف السباق الغربي-الشرقي؛ ولا يمكن ان تضحي أمريكا بهذه العلاقة مقابل التجاوب مع طموحات كردية يتنافس الامريكيون والروس والأوروبيون على دغدغتها؛ لكن الحالة السورية التي تدخل اليد الإسرائيلية والإيرانية عبثياً فيها تخلط الأوراق أكثر، فتضيع بيضة القبان بقطب الرحى ضمن قبعة الكاوبوي.

يبقى فلتان قطب الرحى البوتيني وأحماله التي تراكمت بالجرائم التي ارتُكبت في سورية فزادت من ثقل ملفاته في القرم وفي الاقتصاد وفي العلاقات المشبوهة مع بعض رجالات إدارة ترمب قبل وخلال وصوله إلى البيت الأبيض. قطب الرحى هذا قابل أن يكون قفازاً للقيام بالاعمال القذرة وإدارة عصابة تعمل لحسابها تربك مشغلها الأكبر؛ وفي الوقت ذاته محجاً للأدوات المربكة الأصغر التي تنتظر استراتيجية ترامب التي لن تتبلور.

الثورة عندما تكون ثورة لا تلهث وراء أحد وخاصة عندما يتحول أو يُحَوَّل إلى قطب رحى متفلت. الثورة لا تلهث وراء أعداء بلبوس أصدقاء؛ ولا تركن لمن بنى كينونته على مواجهة وقتل شعبه عندما يقول له “لا”؛ ولا هي ترضخ لمن ينتقص من آدمية الإنسان السوري بتشويهه والتضييق عليه كيفما حرك أو حاول النجاة. الثورة هي التي تجمع أبناءها الصادقين الوطنيين الذين يضعون قيمة الوطن فوق كل القيم؛ إنها التي تدعو ألف امراة ورجل سوريين بصمت ليعيدوا رسم خطها ونهجها للخلاص؛ كل واحدة او واحد من هؤلاء بألف. عندها يُلغى دور “الأصدقاء الأعداء” ودور أولئك المتقاتلين على اقتسام الجسد السوري؛ وعندها فقط يُلغى دور قطب الرحى المتفلت ومن يشغله. عندها فقط تبدأ ملامح عودة سورية واهلها إلى الحياة.

المصدر : كلنا شركاء

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك