أبريل 19, 2024

 
د.يحيى العريضي: كلنا شركاء
لا ينكر عاقل أهمية سورية “الجيوبوليتيكية”. الصراع على سوريا يكاد يسبق التاريخ والتأريخ؛ من يسيطر عليها يمتلك قولاً فصلاً في قضايا الشرق الأوسط باتجاه الأفضل أو الأسوأ؛ ولكن أن تدّعي الأبواق الاعلامية لنظام الأسد بأن القيادة السياسية تلعب دوراً مفتاحياً في العلاقات الدولية ربما يتجاوز حدود المنطق والتصديق.
يصف أحد أبواق النظام تلك القيادة بانها مساهم أساسي في القضاء على أحادية قطبية عالمنا. يدعي هؤلاء بانه لولا قيادة الأسد لكان عالما وحيد القطبية، والولايات المتحدة تتحكم بالعالم بالطريقة التي تشاء؛ فالمسلك “الحكيم” لقيادة الأسد كان وراء إعطاء السيد بوتين الفرصة ليتصدى لأمريكا، ويقف في وجه غطرستها أكان ذلك في ليبيا أو تونس أو مصر. برأي تلك الأبواق, أعطى نظام الأسد الفرصة لروسيا أن تقول للعالم: ها نحن هنا, والعالم لم يعد وحيد القطبية, وليس بامكانكم أن تتحكموا بمصيره.
لا يعتبر هؤلاء ما حدث في تونس وليبيا ومصر أكثر من منصّة استخدمها الغرب ومؤامرته للقفز إلى سورية والانقضاض عليها. لا يمنح هؤلاء المصريين والليبيين والتونيسيين شرف نشدان الحرية والسعي للتخلص من دكتاتورية أنظمتهم القمعية, تماماً كما ينظرون إلى الحالة السورية معتبرين ان ما يحدث في سورية ليس أكثر من مؤامرة بأبعاد عالمية.
في أذهانهم ما يؤكد هذه الحقيقة المتخيّلة عن نظامهم “العظيم” انه جذب قوى عظمى كروسيا و إيران والصين؛ وانه لو لم يكن هذا النظام صاحياً ومجتهداً لسادت الأحادية في العالم ولما كانت تعددية القطبية التي يتمنون, ولكان لأمريكا اليد العليا في كل ما يحدث. من جانب آخر يتصور هؤلاء ان أصدقاء أمريكا يتعثرون وينفضّون عنها ويُحَيّدون؛ وكل ذلك يعود لتأثير نظام الأسد وقوته.
ما تغفل عنه تلك الأبواق الاعلامية, هو انه لو لم تكن الولايات المتحدة الأمريكية راغبة بأن تقوم روسيا الفدرالية بالأعمال القذرة عالمياً, لما تجرأ بوتين أن يحرك أو ينبز ببنت شفه, ولما كان لقوة في العالم أن تمكنه من فعل ذلك, ولما سُّلم بفضلهم الملف السوري الدموي برعاية وبفعل نظام القتل في دمشق.
ينسون من جانب آخر, انه ما كان بقدرة روسيا أن تفعل ما فعلت دون تنسيق مطلق مع اسرائيل صديقة أمريكا وحامية النظام، لان لها مصلحة كبرى في الابقاء على نظام أراحها لعقود.
الأمر الثالث الذي يفوت تلك الأبواق انه بعد أن فعل “جورج دبليو بوش” ما فعل في المنطقة وكلّف أمريكا تلك الكلفة الباهضة – في وقت كان السيد بوتين صامتاً دون حراك- وجد أوباما المثالب والفجوات في تلك المنهجية, فاتبع أخرى يكون فيها بوتين متعهداً للأعمال القذرة؛ حيث أن هاجس بوتين الأساس أن يُنظرَ إليه كانسان مهم؛ ما يمكّنه من تقديم نفسه لشعبه كقيصر يحكمه أبدياً.
فوق كل ذلك يبرز السؤال القائل: من قال لتلك الأبواق أن أمريكا تريد أساساً تغيير ذلك النظام الذي يستقتلون في الدفاع عنه واظهار أهميته؛ وخاصة أن هاجس أمريكا و اسرائيل طيلة الوقت الحفاظ على هكذا نظام أراح اسرائيل لعقود؟
لا أدري ان خطر لتلك الأبواق ان “الانجاز الوطني” الأهم لذلك النظام هو تدمير سورية و أهلها من أجل كرسي الدم. حقيقة لا ندري ان كان بقاء الأسد في السلطة وراء تعددية القطبية.
صحيح أن لسورية أهمية جيوبوليتيكية حقيقية, لكن بوجود نظام كهذا، وبالممارسات الاجرامية لعصابات الأسد, فانها فقدت تلك الأهمية بعد ارتكاب نظام الأسد لكل تلك الجرائم التي هزت ضمير الانسانية.
ليعلم هؤلاء ان هذا العالم, للأسف, لايزال وحيد القطبية؛ وسورية يمكن أن تستعيد أهميتها الجيوسياسية حال الخلاص من هكذا نظام وهكذا أبواق. أما السيد بوتين – الحامي الحالي لنظام العصابة- فسيتم تكليفه بمهمة قذرة جديدة، ولن يكون في عداد القوى, لانه يشبه كثيراً نظام الأسد في الاستئجار والدور الوظيفي. وروسيا- لكن دون بوتين- يمكن ان تساهم بتعدد القطبية.
اقرأ:
د. يحيى العريضي: (ما بعد حلب).. نعمة ام نقمة؟!
د. يحيى العريضي: الواقعي والممكن والمُتَوَقَّع
د. يحيى العريضي: ترامب؛ بين مطرقة بوش وسندان أوباما
د. يحيى العريضي: كيف (تنسى) إجرام إسرائيل بخمس سنوات
د. يحيى العريضي: السوريون مختلفون…. كفى!
د. يحيى العريضي: الطحّان والكلاّس
د. يحيى العريضي:الحقائق مخاليق عنيدة لا بد من مواجهتها
د. يحيى العريضي: هكذا تكلم عُمران!



المصدر: د.يحيى العريضي: (القيادة الحكيمة) وتعدد القطبية

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك