مايو 16, 2024

د. يحيى العريضي: كلنا شركاء
عندما يكون كل شيء في عالم المخابرات سريّاً وخفياً؛ وعندما تتم أفعالها في الدهاليز المظلمة كي تحمل بعداً إرعابياً يبعدها عن المألوف والمعروف الذي لا يخيف أو يردع لمجرد ذكره أو الإخبار عنه. وعندما يكون حتى ذكر مواعيد الصلاة في الإعلام محرما،ً كي لا يقول الغرب إن هذا النظام وإعلامه ليس علمانياً بالمطلق، أو أن تُلْصَقَ به تهمة الإسلاموية. وعندما تكون سورية في حالة حرب، حيث تتم التعمية الكلية على تحركات حتى أصغر المسئولين ولا تلقى أية تغطية إعلامية وصولاً إلى درجة تكذيبها حتى ولو رؤيت بالعين المجردة. وعندما يُجري رأس “النظام” لقاءاته في سراديب تم تحوليها إلى ما يشبه صالونات الإستقبال حفاظاً على السرية والكتمان والتشويه. وعندما يختار الطاقم الإعلامي لبشار الأسد راقصة تعرّي لتجري معه لقاءً تلفزيونياً إبعاداً لأي شبهة دينية، واستعراضاً للـ “علمانجوية” لتقديمها للغرب بلغة انكليزية تافهة (لكن على الأقل أجنبية برنجية)؛ لماذا بعد كل هذه الاستفسارات والشرطيات يتم الإفصاح عن زيارة قام بها رئيس استخبارات “نظام” بشار الأسد “علي مملوك” إلى القاهرة، و”الطنطنة” بها؟ ولماذا يتم بثها ونشرها وكأنها إعلان تلفزيوني في كل وسائل إعلام “نظام” بشار الأسد؟؟!!
كان من المفترض ان تكون تلك الزيارة غاية في السرية. وكان من المفترض أن يتم تكذيب أي خبر حولها إن أتى من أي إعلام معاد للـ”نظام” حتى ولو كان ذلك الإعلام قد وثّق الزيارة بالصوت والصورة حفاظاً على سرية الحدث وعلى سمعة نظام السيسي المصري  بانه يتواصل مع شخص مطلوب بجرائم حرب ومطلوب من أي دولة إلقاء القبض عليه تنفيذاً للحضر الدولي. المتوقع من إعلام  “نظام الأسد” أن ينكر ذلك تماماً كما ينكر استخدامه للبراميل المتفجرة حتى ولوكان ملايين الناس قد رأوا ذلك بأم أعينهم.
لا يُتَوَقَّعُ من إعلام “نظام” دأب على تشويه الحقائق ونكران ما يحدث في سورية في انفصام كامل عن الواقع ان يتحرك بسلاسة وبساطة وينبري إلى  إعلان زيارة رئيس استخباراته إلى القاهرة مالم تكن قيمة الإفصاح والعلنية ونشرها تفوق بكثير قيمة الإخفاء أو التشويه أو الإنكار، كما درجت العادة؛ فالنظام وصل إلى قناعة بانه أصبح نظاماً مارقاً مجرماً يتصرف فقط كعصابة هاجسها حماية نفسها أطول وقت ممكن، وان إعادة تأهيلها أضحت مستحيلة رغم كل المزاودات والمكابرة والنفاق، وأن كل من تلتصق به يتم تشوهه (طبعاً باستثناء بوتين المفطور على البلطجية طبعاً ومسلكاً).
بالمختصر؛ “نظام” الأسد يدرك تماماً أن السيسي في ورطة لا يُحسَد عليها. السيسي أصبح مُحرَجاً ومحرِجا لأقرب حلفائه. إنه يسعى للبقاء بأي ثمن؛ وحاله- بفارق منسوب الدم- يشبه تماماً “نظام” الأسد. لا بد أن السيسي اعتقد أن سر النجاة والبقاء يكمن بالتقرب من الروس، فصديقه بشار فعلها؛ وها هو ينجو حتى الآن، ومن هنا نراه يعتبر ان الطريق إلى قلب بوتين يمكن أن يكون عن طريق الأسد، فاستقبل مملوك. وكان قبلها قد أيّد الروس في مجلس الأمن، فلم يجلب له ذلك إلا المزيد من /البهدلة/؛ ومن هنا سلك الدرب غير المباشر عن طريق الأسد. ولكن الأمر الذي لم يحسب حسابه السيد سيسي هو أن آخر ما يفكر به نظام العصابة في دمشق هو أن ينقذ السيسي. فإن كان آخر ما يتوقعه السيسي هو الإعلان عن زيارة مملوك، إلإ أن ذلك كان أولوية بالنسبة لعصابة دمشق.
هل يمكن أن يكون السيد السيسي مغفلاً لدرجة أنه لا يدرك أن كشف الحقائق أو إخفائها أو تشويهها أمور متشابهة تماماً بالنسبة لعصابة دمشق بغض النظر عمّن يتم تشويهه أو ذبحه بهكذا أفعال.  على كلِ إن الطيور على أشكالها تقع. لا ندري ما يمنع السيسي حتى الآن من تقليد دموية زميله الأسد؛ ولكن حَشْره شعبياً أكثر قد يدفعه بذاك الاتجاه. نأمل ألاّ يحدث ذلك؛ ولا ندري إن كان باستطاعة الطحّان أن يغبّر على الكلاس! لننتظر ونعتبر.



المصدر: د. يحيى العريضي: الطحّان والكلاّس

انشر الموضوع