أبريل 24, 2024

د. يحيى العريضي: كلنا شركاء

يندر أن تسمع اليوم كلمة “مخربين” في نشرة أخبار أو في خطاب سياسي. تلك العبارة اختراع اسرائيلي بامتياز في دلالتها على “الفدائيين” الذين كانوا يقومون بعمليات ضد الاحتلالا الصهيوني لفلسطين. لا تخلو جملة في أخبارصوت اسرائيل من هذه العبارة حتى منتصف الستينيات. ذلك الفلسطيني الذي احتل الاسرائيلي بيته أصبح مخرباً. وبذا نجحت إسرائيل بسحق خصمها معنوياً وأخلاقياً بتلك العبارة. لم تعد تلك العبارة في الاستخدام، واحتلَّ مكانها عبارات مثل “إرهابي” أو “إرهابيين” أو “الإرهاب”؛ لتصبح من جديد الوصفة السحرية التي يسبغها القوي على الضعيف المُراد استلاب حقه؛ ولتكون منظومات الاستبداد الاقليمية والعالمية الأخبر في استخدامها لتبرير جرائمهم بحق من يحكمون.

منذ بداية الثورة السورية 2011، حرصت منظومة الأسد على الاستفادة القصوى من هذه العبارة السحرية في سحق الخصم؛ فبالاضافة إلى الحديث عن “المؤامرة” حرصت على وصف من انتفض في وجه استبدادها بـ”الإرهاب”؛ وكان أن حوّلت /محكمة أمن الدولة/ إلى ما سمّته بـ “محكمة الإرهاب”

بعد أسابيع من انتفاضة أهل سورية، أطلقت منظومة الأسد سراح ما لا يقل عن ستين ألف معتقل معظمهم محكوم بقضايا تتعلق بما اصطُلِحَ عليه بـ “الإرهاب” وكانوا البذرة الأساس لتكوين جبهة /الارهاب الاسلامي/ التي سيحاربها النظام. وبذا تهيأ له من يدعم سرديته بأنه يقاوم الإرهاب، ليأتي المزاج العالمي السائد بعد 11 أيلول، ويتفهم ويدعم هذه السردية التي كان أول ضحاياها انتفاضة حرية طاهرة في وجه استبداد منظومة الأسد وممارساتها الإجرامية بحق شعب سورية.

كان المثال الصارخ على ذلك “جبهة النصرة” السابقة لداعش بظهورها. بفعل أمريكي في مجلس الأمن، تم تصنيف “جبهة النصرة” إرهابية، ولم يكن عشرات من الشعب السوري قد سمع بها؛ ليشعر المراقب أن الأمر مبرمج سلفاً.

تردد إسم “الجولاني” على مسامع السوريين. تحوّل بقدرة قادر إلى لغز زاد منسوب الحيرة تجاهه ظهوره مقنعاً في مقابلة تلفزيونية مع الجزيرة. خفّ وقع اللغز وزاد تبلوره في مقابلة ثانية ظهر فيها سافراً عن وجهه. في المقابلتين أتى خطابه وكأن منظومة الأسد ومن يحميها قد برمج كل كلمة قالها. بعظمة لسانه قدّم الرجل نفسه كعضو في “منظمة القاعدة” /الإرهابية/ التي يرتعش العالم لمجرد ذكر اسمها. بذلك ثبّت الرجل للنظام سرديته بأنه يقاوم إرهاب القاعدة مبرراً للنظام بطشه بالشعب وجرائم الحرب التي يرتكبها بحقه.

بعد مقابلات الجولاني، كتبت متسائلاً:

*  إذا كان النظام ذاته يعرف أنه يقمع شعباً ثار عليه؛ وإذا كان قد سعى، ودفع الكثير من أجل إخفاء هذه الحقيقة؛……

*  وإذا كان هاجسه الأساس أن يسوّق ويقنع أهل سورية أنفسهم والعالم برمته أن هؤلاء الذين ثاروا عليه عصابات إسلامية تكفيرية متطرّفة تدعمها قوى وهابية إجرامية تابعة لتنظيم القاعدة………..

*  وإذا كان ترويج وتثبيت مقولاته يمنحه ذريعة ليقتل ويدمّرالمزيد ويفعل ما يشاء بسورية وأهلها……..

*  وإذا كان النظام قد وجد صعوبة كبيرة في تسويق تلك المقولات الجائرة الزائفة، لأن آلاف الأطفال والنساء السوريين ليسوا بعصابات مسلّحة ولا قاعدة ولا وهابيين ولا تكفيريين…………………………..

****  فكيف نوصّف، وماذا نسمّي فعلة من يقدّم نفسه رأساً لذلك ” الخطر” أو “الغول” أو “حالة التعصّب أو التكفير أو الإجرام” هذه – تماماً كما اشتهى أو سعى إليه النظام، وقدّمه لسورية وللعالم كذريعة لارتكاب جرائمه- ومن ثم ينبري  ذلك الرأس  بعظمة لسانه إلى تثبيت مقولة النظام ؟!

مؤخراً، وفي طور المفاوضات لترتيبات ضم محافظة إدلب السورية ومحيطها إلى مناطق خفض التوتر،حاول الجولاني المتمركز في إدلب /والذي حاول ابتلاع الفصائل الثورية السورية اغتيالاً وتدميراُ/ من خلال التواصل مع الايرانيين والروس أن يكون جهة التفاوض بخصوص إدلب؛ وبذا ينصّب نفسه أميراً عليها، ويكرس نظام “القاعدة” الارهابية التي يستهدفها العالم لا الروس فقط. لم تسر الأمور كما يشتهي. واستند الإيرانيون على رهانه بتخريب  أي اتفاق عندما قالوا إن هذا الاتفاق لن ينجح؛ مراهنين على تخريب الجولاني للاتفاق الذي ينسجم مع مخططهم لادلب كمصير حلب أو الموصل. فكان ان شنّ الجولاني  تلك المعركة الوهمية الاستفزازية ببعض القذائف مستثيراً الروس وانسحب فورا؛ وكانت ردة الفعل الاجرامية الروسية، التي راهن الإيرانيون عليها بل حرّضوا عليها، وخاصة إثر قتل الجنرال الروسي. الفصائل حاولت تجنيب ادلب وأرياف المناطق حولها هذا المصير، ولكن خبث ايران وعمالة الجولاني وإجرام الروس وتشغيل مخابرات الأسد للجولاني نفذت ما أرادت.  صحيح أن الروس ولإيرانيين وعصابات النظام لا تحتاج الى ذرائع لترتكب جرائمها ؛ ولكن أن تسهّل لها مهمة إجرامها فهذا ليس غباءٍ وإنما فعل متعمَّد مبرمج يتكرر؛ فهو حدث في مناطق سورية عديدة تتواجد فيه النصرة. الذريعة تتقدم فتفسح في المجال لقوى إجرام النظام وداعميه السيطرة على منطقة كانت تحررت من استبداد منظومة الأسد. كانت الأشهَر والأقسى حلب. وأراد الجولاني جعل مصير إدلب مماثلاً. ها هو الجولاني يفعلها للمرة الثالثة: الأولى بتثبيت مقولة النظام بأنه يحارب الإرهاب والثانية في حلب؛ وهاهي الثالثة في إدلب؛ ولكن الانكشاف والفشل والنهاية ستكون المصير. إنها الثالثة الثابتة أيها الجولاني؛ السوريون يقولون لك: لستَ منا، إرحل عنّا.

المصدر : كلنا شركاء

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك