أبريل 24, 2024

د. يحيى العريضي: كلنا شركاء
هناك مَثَل يتحدث عن حالتين سلبيتين تجتمعا؛ فتكون النتيجة مزيداً من السلبية والخراب ربما؛ ومن هنا قِيل: “التم المتعوس على خايب الرجا”؛ فماذا لو احتوت هذه اللمة ثلاثة؟ روسيا وإيران التمتا على تركيا في موسكو؛ وكلٌ يحمل أزماته المركّبة بعد الغوص في المستنقع السوري.
ترددت تركيا كثيراً في الانخراط بالمسألة السورية. أرادت إدارة أوباما أن تستخدمها بالطريقة التي تشاء تحديداً: دفعاً بالدرجة التي تريدها استنزافياً، ولجماً لتنسجم مع قيادتها من الخلف… وفي ذهنها كل الوقت الموقف التركي تجاه العراق 2003 (رفض استخدام قاعدة أنجرلك). كان لتركيا موقفها الصارم تجاه الأسد. ولا بد ذلك أربك إدارة أوباما ونفّر كلاً من طهران وموسكو. تراقصت تركيا في الفترة الماضية بين الطموحات السياسية للرأس والغليان الداخلي للجسد الصامت الذي بعيش الارتدادات الدائمة المتمثلة بالداء الكردي المزمن، والطارئة المتمثلة بالأزمة السورية والانقلابات السياسية والإقتصادية.  بعد الوصول إلى شفير الهاوية مع موسكو على إثر حادث المقاتلة الروسية، بدأ شهر العسل الاضطراري بين أنقرا وموسكو؛ وكأننا بصبية تغيض خطيبها بمغازلة ابن عمه.
ليست أزمة موسكو أقل من الأزمة التركية؛ ربما تتجاوزها بعشرات المرات. فبين طموح خلبي مغرور لرأس منظومة تحلم بإعادة أمجاد الإمبراطورية السوفيتية عبر التشبيح على الجوار في القرم وأوكرانيا وجورجيا مروراً بعقوبات تهتك بالاقتصاد الروسي وغليان داخلي مقموع وإعلام يمارس “الغوبلزية” بنسختها الحديثة والاضطرار للخوض بمستنقعات الدم التي تركتها فراغية أوباما إلى استعراضات بيع السلاح في المعرض السوري، وصولاً أخيراً إلى رعاية لـ “عملية سلام” في سورية من خلال /إعلان موسكو/ عبر الجمع بين متناقضين؛ ايران وتركيا؛ حرص السيد بوتين قبيل لقاء موسكو على تقديم رسالة إلى العالم بانه يدخل حلب الشرقية على ظهر ميليشيات الخامنئي؛ ويقدّم أردوغان بشكل مواز على أنه يدخل منطقة الباب الحلبية على ظهر الجيش الحر. وفي ليلة الأجتماع اغتيل سفيره في أنقرة لتبيان أهمية اللمة؛ وتمت لفلفة المسألة.
أما إيران، فكل “تقية” الدنيا مضافة إلى خبرتها الفريدة بالتقية، لا تستطيع إخفاء مأزوميتها النادرة. هي التحقت بلقاء موسكو خشية على تفرد “الحليف المضارب” و”العدو الصامت” بتقرير مصير سورية بغيابها. حلمها في الوصول جغرافياً إلى ضفاف الدولة الصهيونية يحول دونه علاقة متينة بين بوتين شريكها ونتنياهو الذي تعاديه علناً؛ وتخطب وده في مخططها. الرماد الذي يخفي جمر علاقتها مع موسكو لا يشبه فقط إختلاف “الحرامية” على الغنيمة في آخر المطاف، وإنما أمر تحوّل عبئاً على موسكو التي تنام في سرير دموي موبوء العالم بمجمله يشتم رائحته؛ وخاصة “المعلم” ترامب. من هنا حضرت موسكو دخول إيران نادي “شنغاهاي” وأخطرت الغرب بذلك، للاستعراض.
إضافة الى التناقضات ثلاثية الأبعاد بين من اجتمعوا في موسكو؛ حيث كل منهم يرى في الأخر عدواً ما من اللقاء معه بدُّ؛ هناك عوامل إقليمية ودولية تجعل من “التمام المتعوس على خايب الرجا” أكثر تعاسة وأشد خيبة.
* إسرائيل التي ما تعودت أن ترتاح إلى أي مركب سائر لن تكون مغرمة باي اتفاق إن لم تكن شبعت بعد من الدم السوري. وبالتأكيد لن يريحها أي تقارب روسي إيراني إلا بقدر ما يكون خادماً لمصالحها في تمزيق محيطها.
* لا ينفع موسكو وأياً ممن لمّتهم الى لقاء موسكو القفز فوق الأمم المتحدة. صحيح انها استخدمت الفيتو ست مرات، إلا أن ذلك كان يخدم إجندات خفيّة لأولئك الراضين عن فعلها الإجرامي في سورية. ولن ينفع كلام رفع العتب للسيد بوتين بذكره لجنيف والقرار 2254. ربما هناك من سيسحبه لاحقاً بخيط ذلك القرار.
* لا ينفع السيد بوتين حديثه عن عدم تأثير أصدقاء سورية. بداية روسيا ضمن المجموعة- كما يأتي في تصريحاتها-، ثانياً، في تلك المجموعة أمريكا وأوربا؛ ولا نظنه يغفل عن ذلك الثقل مهما تغطرس باستخدام الفيتو. معظم هؤلاء يفرضون على موسكو عقوبات؛ وعينهم تجاهه حمراء سلفاً.
* لا يظنن السيد بوتين بانه يهيء لحبيبه ترامب الأمور جاهزة في سورية بعد حلب.حتى ترامب يعرف أن تضميد الجرح على “دغل” يجعله يتعفن وربما يقتل المريض. والمريض سينفجر ليس فقط في وجه بوتين بل بوجه ترامب أيضاً.  إضافة إلى ذلك أستغرب كيف لا يدرك السيد بوتين ذاته بأنه يلعب بالملعب الأمريكي وبالشروط ألأمرو-إسرائلية. ومن هنا ربما استعجاله وإحساسه بالمغطس وبالثقالات على أقدام الدب الروسي.
* بالطبع سيحاول كل من إيران وروسيا استخدام ذريعة الحفاظ على الدولة السورية للحفاظ فقط على رأس النظام، لكن ذلك لن يجديهم نفعاً؛ فليسوا بوارد حمل هذا الوزر الذي انتشرت رائحته العفنة وأزكمت أنوف سبعة مليارات كوكبنا. العالم يهيء نفسه لمحاكمة تلك الزمرة على جرائم الحرب التي ارتكبتها
الشيء الوحيد والمخيف الذي يمكن أن تجتمع عليه تلك “اللمة”هو المزيد من إراقة الدماء في سورية عبر استهداف إدلب؛ فالخشية تكمن بأن من تعود على شيء ما  واستمرأه أن يتابعه. لكن إلى أي مدى ستبقى الأمور كما يرغبها بوتين وخامنئي فهذا غير معروف؛ ولكن الأرجح هو انه لو كان بإمكانهم المتابعة لتابعوا؛ ولهذا كان اجتماع موسكو. إنه مشروع مخرج لا حل؛ ويلزمه ليتحول إلى حل  عملٌ بوتينيٌ منسجم مع القول بان تسوية سلمية مستندة الى انتقال سياسي في سورية هو الهدف. وهنا لا بد لمن التموا في موسكو أن يفترقوا؛ وخاصة روسيا وإيران. وهنا سينال السيد بوتين الثناء، وخاصة إن اتجه نحواعتراف بأن هناك شعباً سورياً يستحق الحرية والحياة. عندها فقط، يُخرِج بوتين نفسه من مآزقه وأخطائه التي لا تمحوها المكابرة و الاستعراضات.



المصدر: د. يحيى العريضي: التمَّ المتعوس على خايب الرجا؛ إعلان موسكو

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك