أبريل 18, 2024

د. يحيى العريضي : كلنا شركاء
في الميدان السوري أمراء حرب بحجوم مختلفة تبدأ بروسيا وتنتهي بميليشيا أفغانيةجُلِبَت إلى سورية كي تقتل لتعيش. تتصادم تلك الحجوم ببعضها البعض على خطوط تحالفات وصراعات تتذبذب على إيقاع مناسيب الدم والمصالح بمختلف أشكالها: الروسي يحتاج الإيراني على الأرض كقوة نارية مدعمة لناره الجوية ونكاية بأمريكا مستخدِمِ الجميع وبأوربا المرتعدة من الجميع.  إيران بدورها تشعر باضطرارها لهذه القوة الروسية الغاشمة كي تعزز وضعها ووضع من تصدّت لحمايته في دمشق كجبهة متقدمة للدفاع عن داخلها حسب آخر تصريحات مرشدها. إيران تحالف روسيا مجبرة وتسلّم بيدها العليا لغايات أكبر.
 يتنافر الروسي في الوقت ذاته مع الإيراني الذي يعتبر نفسه من أهل البيت في سورية بعد استثماره بالسياسة والدم والمال والديموغرافيا، وهناك من أتى لينكّد عليه إتمام مشاريعه وثمرها المنتظر برعاية “المهدي”؛ /لتصبح تماماً كمن اتى بالدب إلى كرمه/.
وفي الوقت ذاته يرى الروسي نفسه بحاجة للتركي نكاية باوروبا وكضابط لإيقاع الفصائل وكممراً للغاز والاقتصاد. وتراه أيضاً يتنافر مع التركي الذي يحرجه بتذبذبه بين الغرب والشرق ويعتبر نفسه بوابة روسيا الى الشرق اقتصاداً وديناً واستراتيجيةً. وللتركي أيضاً غصة مشابهة، فهو يحمل ثلاثة ملايين من أهل بلد له معها الحدود الأطول والوشائج الدينية الأعمق والرعاية العسكرية والسياسية الأقوى؛ وها هو الروسي يخترق البحار ويقفز من فوق حدوده الطويلة  محاولاً أن يحوّله إلى تابع.
هناك أيضاً تناقض على خطوط استراتيجية بين تركيا وإيران. مَن يستثمر بالصراع السني-الشيعي يجد ضالته في تنصيب تركيا رأساً للأولى وإيران للثانية؛ وما هو خط أحمر لإيران أمر مستباح وضروري خرقه بالنسبة لتركيا (مصير الأسد المثال الصارخ). اقتراب موسكو من أنقرة مصيبة لإيران ؛ والتحالف الأيراني الروسي على الأرض السورية يماثله بالنسبة لتركيا.
تشترك الإثنتان بالموقف تجاه المسألة الكردية، وفي الوقت نفسه تتسابقان في نصب الأفخاخ لبعضهما البعض عبر استخدام التشرذم الكردي في استغلال مجموعات لإيذاء واحدتهما الأخرى، والتنغيم مع قوى خارجية /روسية –أمريكية/ في استخدام تلك الأداة لوخز بعضهما البعض.
في المحرق تقع إمارة نظام الأسد؛ فهي شبّكت مع الجميع. أضحت حاجة لكل من إسرائيل وأمريكا وضرورة لبعثرة وتدمير سورية بحيث لا تقوم لها قائمة. طالما بقي ما تسميه المد الإسلاموي التعصبي والذي نعتته بالارهاب والذي تجلى بداعش والنصرة، فلا استغناء عنه ولا زوال له، طالما بقي ذلك الشبح الإرهابي يلوح في أفق الجميع. هذه المعادلة (النظام-إسرائيل-أمريكا) تمكن النظام حتى من مناكفة روسيا التي أبقته على قيد الحياة. بغض النظر عمَّن خلق الحالة الإرهابية على الأرض السورية، إلا أن بقاء منظومة الأسد قيد الحياة مرتبط عضوياً ببقاءئها..
كل المناكفات الأخرى ثانوية ومقدور عليها من قبل النظام، ودورها تمديد عمر النظام عبر محاولات إعادة تكريره، وإخراجه من حالة إمارة الحرب إلى الحالة السلطوية الطبيعية. عصابة الأسد تدرك ذلك تماماً؛ وتتعامل مع الجميع بطريقة ابتزازية لمعرفتها حاجتهم إلى دناءتها: هي تدرك أن الدول العربية  (من يقف إلى جانبها ومن يناصبها العداء يستفيدون من وجودها باعطاء شعوبها درساً يمنعهم من أي إزعاج لحاكميهم( فالمصير السوري لا يريد أحد أن يكون مصيره).. يعرف النظام مواجع إيران، وحاجتها الماسة إلى المنصة السورية في إنجاز مشروعها، كما يعرف تطاولها على صلاحياته ودعسها على سيادته متى شاءت، ومصافقاتها مع الكبار وابتزازهم مستخدمةً قضيته وحاجته لها. وهي تدرك حتى تطاول حزب الله وتمرر له تشدقه بأن النظام لولاه لسقط.
أمين سر مجلس شعب النظام لا ينطق عن غي عندما يقول إن مخابرات النظام على علم بعمليات داعش الارهابية في الأردن وتركيا؛ ذلك التحدي الابتزازي الوقح له مفاعيله بتثبيت الدور المنوط بعصابة النظام. يفيد النظام أن تصفه بالشيطاني. فبحكم انعدام حيائه وفقدانه أي قيمية لا يضيره ذلك طالما أنه يحقق رعباً وإحباطاً لدى الآخر. من كل شيء يستفيد طالما استفاد من قطع الماء والكهرباء وأي سبل عيش للسوري، كي يستسلم لإرادته الإجرامية بالمطلق
في المحرق الموازي للنظام تأتي المعارضةبخبرتها السياسية المحدودة وتشرذمها وتناقضاتها؛ تأتي  مواجع السوريين من قتل واعتقال وتشريد واقتلاع و “مصالحات” مهينة؛ تأتي مئات الفصائل بضعف رؤيتها ولعب الأخرين بها وابتزازها وتنافر اجندات بعضها؛  وكل ذلك يصب في ضياع القضية السورية وتهشيم ثورة نبيلة.
الكل يفكر بالكل ويحسب له حساب ويوازن أجندته معه ويعمل معه سياسة ودبلوماسية؛ أما عندما ياتي الأمر للإنسان السوري وحقه في العيش بحرية وكرامة وإنسانية،فهذه لا تؤخذ بأي اعتبار، إلا إغاثة وشفقة وكلام معسول وشحاذة على ظهر السوري اللاجئ أو المشرد.
 في ظل كل ذلك، وأمام تعدد إمارات الحرب كبيرها وصغيرها، وأمام ما يشبه طبخة البحص السورية الإقليمية العالمية؛ هل من مخرج للسوريين؟ نعم؛ ولكن بجهد ابداعي لم يألفوه بعد. إبداعية هذا الجهد تكمن بأمرين: عدم فتح “دكاكين” جديدة للمعارضة تحت يافطة /النقد الذاتي/ وتكلرير المكرر بعدم الإنجرار وراء تلك الجهود الروسية الخبيثة التي تسعى بكل ما استطاعت إلى بعثرة كل مَن قال ويقول “لا” لنظام الأسد. المطلوب وقف تلك الجهود الخبيثة (وأكررها) بتمييع القضية السورية. لا بد من إعادة القضية إلى جوهرها الأساس: مرجعية جنيف لا تزال موجودة ومقرّة أممياً. انتقال سياسي بكامل الصلاحيات. نقطة. إذا كانت روسيا جادة، فهذا هو المنهج؛ وهذا هو الحل.
في السطر 14 يوجد هذه العبارة: “محاولاً أن يحوّله إلى يحوّله إلى تابع ” أرجو تصحيحها لتصبح: “محاولاً أن يحوّله إلى تابع”


المصدر: د. يحيى العريضي : (إمارات الحرب) و(طبخة البحص) والحل

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك