مارس 28, 2024

د. وليد البني: كلنا شركاء

عمل نظام الأسد كل ما يستطيع كي يحول ثورة مطلبية ضد استبداده وفساده واجرامه الى حرب أهلية مذهبية يكون هو أحد أطرافها بحيث يضمن لنفسه مقعداً حول أي طاولة تبحث عن حل يوقف الحرب.

 واجهت أجهزة أمن النظام  المظاهرات السلمية المطالبة بالتغيير الديمقراطي بوحشية مفرطة  ثم استعانت بقوى طائفية لبنانية وايرانية لمحاولة قمع الانشقاقات التي بدأت تتكاثر في صفوف الجنود والضباط السوريين الرافضين لأساليب القمع والتعذيب التي انتهجتها، ترافق ذلك مع الإفراج عن المئات من المقاتلين الجهاديين من السجون واعتقال او اغتيال قادة الحراك السلمي المدني،  مما أدى الى تنمية النزعة الطائفية والمذهبية  لدى السوريين و شكل تربة خصبة لنشوء فصائل مسلحة إسلامية سنية متطرفة في مواجهة الميليشيات الشيعية المتطرفة التي استوردها النظام، مما سهل على منظمتان موضوعتان على قوائم الإرهاب الدولي  كالنصرة وداعش السيطرة على معظم المناطق الخارجة عن سيطرة مافيا الأسد.

احتمال سيطرة داعش والنصرة على سوريا في حال انهيار نظام الأسد والخوف من إمكانية وقوع سوريا بأهميتها الجيوسياسية في يد القاعدة وداعش خفف كثيراً من حماس القوى الدولية (الولايات المتحدة واوربا) تجاه اسقاط نظام الأسد عسكريا، وهذا ما جعل هذه القوى تصمت على التدخل الإيراني المباشر بل وتُشجع التدخل العسكري الروسي في سوريا بعد ان عجز الإيرانيون والميليشيات الطائفية اللبنانية والعراقية عن حماية الأسد ونظامه من الانهيار.

استغل الأسد ومِن وراءه الإيرانيون الدعم الروسي وضعف المعارضة السياسية وتشتتها وتبعيتها المطلقة وعدم اكتراث إدارة أوباما بالملف السوري، وقام بإفشال جميع جولات جنيف التفاوضية  أملا في إحداث نصر عسكري على حساب الفصائل الأكثر اعتدالا والسيطرة على المناطق الواقعة تحت سيطرتها تاركين مناطق سيطرة داعش والنصرة على حالها ليقينهم ان العلم باسره سيتعاون معهما للخلاص منهما ،بحيث لا يكون هناك قوة بديلة تسيطر على تلك المناطق بعد هزيمتهما غير قوات الأسد والمليشيات الطائفية الإيرانية وبالتالي يستعيد الأسد الخاضع تماما للهيمنة الإيرانية  السيطرة على كامل مساحة سوريا بالتعاون مع الروس الذين يريدون  قواعد  عسكرية دائمة في سوريا لا تمانع ايران في وجودها مقابل تأمين هيمنتها على الخط الواصل من طهران الى بيروت عبر بغداد ودمشق.

وصول ترامب الى البيت الأبيض وعودة الدور الأمريكي الفاعل على الساحة السورية من خلال التواجد العسكري المباشر واللهجة الحادة تجاه الأسد خيب آمال إيران والأسد، وجعل الروس أكثر حذرا في السير حسب الهوى الإيراني الاسدي مما دفعهم لمحاولة ابتكار حلول أخرى لا ترق كثيرا للأسد والايرانيين.

لقد شكل الاتفاق الذي توصلت اليه قمة بوتين ترامب حول المنطقة الامنة في الجنوب والذي تضمن ابعاد قوات إيران وميليشياتها وقوات الأسد عن تلك المنطقة وتكليف قوات روسية بمراقبة خطوط الهدنة مما جعلها مناطق آمنة قد تشكل نموذجا يحتذى في مناطق سورية أخرى كالغوطة وريف حمص تقويضا لحلم الأسد وإيران في استعادة السيطرة على كامل الأراضي السورية ومن ثم فرض اعادة تعويم نظام الأسد على الجميع ، كما قامت الولايات المتحدة بدعم قوات سوريا الديمقراطية وتدريب الالاف من المقاتلين الاخرين ليشكلوا القوة الأرضية التي تقوم بمهاجمة مناطق داعش والسيطرة عليها في سباق محموم مع قوات الأسد والميليشيات الإيرانية، مما سيقوض اكثر خطة ايران والنظام في فرض انفسهما كقوة أرضية وحيدة قادرة على الحلول مكان داعش في مناطق سيطرتها، وعلى ما يبدو هناك سيناريو مشابه يتم اعداده لإدلب ومناطق سيطرة النصرة.

في الوقت الذي جرى افشال خطة الأسد وإيران في استعادة السيطرة على سوريا وفرض الأسد كقوة وحيدة على الأرض وإيفائه في السلطة تحت الهيمنة الإيرانية عقود أخرى، الا أن مقولة المعارضة وداعميها حول ان لا مكان للأسد في المرحلة الانتقالية واعتبار رحيله شرطا مسبقا لقبول أي حل سياسي قد سقط أيضا.

لا أحد من القوى الفاعلة اليوم (روسيا , الولايات المتحدة واوربا) يتحدث عن ضرورة رحيل الأسد قبل بدء المرحلة الانتقالية ما عدا وفد التفاوض المعارض الذي لا يملك من امره شيئا، وبالتالي على الوطنيين السوريين البدء بوضع تصور لمرحلة انتقالية تمكن السوريين من وضع دستور عصري لبلادهم يضمن وحدتها والمساواة التامة بين السوريين  ويلغي إمكانية وقوعها تحت نير الاستبداد مرة أخرى. مرحلة انتقالية تنتهي بانتخابات حرة تمكنهم من اختيار حكومتهم بناء على الدستور الجديد ، الامر الذي لا يمكن ان يتم بدون رعاية دولية كاملة للعملية تمنع الأسد وأجهزة أمنه من تهديد السوريين والتحكم بنتائج أي تصويت وهو ما يتطلب تواجد قوات دولية مهمتها ضبط الامن وتأمين عودة اللاجئين وضمان نزاهة التصويت والانتخابات.

إن التمسك بالرعاية الدولية وحيادية الدستور وكف ايدي جلاوزة الأسد عن إيذاء الناس وتهديدهم من خلال تواجد قوات دولية ترعى المرحلة الانتقالية، ستجعل من رحيل الأسد في بداية المرحلة الانتقالية او منتصفها او نهايتها امرا ثانويا يجب عدم التوقف عنده، وخاصة ان ملف جرائم الحرب المرتكبة في سوريا سيبقى مفتوحا وسيطال جميع من ارتكب جرائم بحق السوريين عاجلا ام اجلا.  

المصدر : كلنا شركاء

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك