مايو 5, 2024

د. وليد البني: كلنا شركاء
بعد ان عادت القوات الايرانية والميليشيات التابعة لها وحاصرتها بتغطية جوية روسية  واستعادت  جميع المناطق التي خسرتها في معركة فك الحصار الأولى، انطلقت معركة تحرير حلب الثانية .
لقد  أدى فرض الحصار على حلب في المرة الأولى الى دمار هائل شمل البنية التحتية والمشافي والاسواق والمدارس ، والمئات من الشهداء من سكان حلب المدنيين نساءً وأطفالاً وأطباءً وعاملي إغاثة ،واستطاعت قوات  النظام قطع طريق الكاستللو ليتم عزل حلب الشرقية تماما عن العالم الخارجي بقصد حسم المعركة في حلب كمقدمة لحسم عسكري يفرض حلا سياسيا يناسب الروس والايرانيين  .
 لكن القصف الروسي توقف فجأة دون تفسير واضح لسبب هذا التوقف (ما عدا الاحوال الجوية ربما!!!!؟؟)  ثم  تم  تشكيل جيش الفتح  الذي ظهر انه أصبح أكبر عدداً وأكثر تسليحاً وبدأت  معركة فك الحصار الأولى،  حيث تمكنت  المعارضة المسلحة من احتلال الكليات العسكرية والراموسة والتوغل في أحياء حلب الغربية وتم  الاعلان عن فك الحصار  في إحتفالية كبيرة ،حيث التقت قوات  المعارضة القادمةمن خارج حلب مع تلك الموجودة داخلها في الراموسة .  جميعنا يذكر دخول المحاسني الى داخل مدينة حلب دخول الفاتحين وخطابه المشهود عن الاف الانغماسيين الذين سيكملون تحرير حلب بالكامل  وحديثه عن نصر مبين سيؤدي الى إخراج  ايران وميليشياتها وشراذم جيش بشار الاسد من حلب وبدء معركة  تحرير الشمال بالكامل .  
لم يمر سوى ايام قليلة  ولم يكاد سكان حلب يتنفسون الصعداء وبعد تقارب مفاجئ بين روسيا وتركيا يعود القصف الروسي على حلب مرة أخرى  وبوحشية أكبر بكثير،  وسط صمت كامل اقليمي ودولي في البداية  ،  وتعود قوات ايران والنظام والمليشيات التابعة لها لتفرض الحصار على حلب من جديد مستعيدة جميع المواقع التي كانت قد خسرتها في عملية فك الحصار( لتذهب وعود المحاسني وتهديداته ادراج الرياح )  دون اي تفسير منطقي لا للتقدم السريع لقوات المعارضة اثناء فك الحصار ولا لخسارتها  السريعة لتلك المناطق     . 
لقد استهدف القصف الجوي الروسي والأرضي الإيراني هذه المرة كل مقومات الحياة و كل شيء ممكن ان يساعد المدنيين  المحاصرين على الاستمرار  بالحياة،  فقصفت المشافي  والمستوصفات والاحياء المدنية  والاسواق  ، وكان واضحاً أن القصف الروسي والهجوم الايراني يستهدف  السكان المدنيين بشكل مباشر دون اي اكتراث بأرواح الابرياء  بهدف إجبار المعارضة المسلحة على الانسحاب من حلب تحت ضغط السكان المدنيين وحاجاتهم الى الأمان والغذاء  و تسليمها للإيرانيين وميليشياتهم   ، ومن ثم الاعلان  عن انتصار يُمكِّن بوتين من فرض تصوره للحل السياسي في سوريا ، لقد قام الروس بكل ما يمكنهم القيام به  لدفع   المقاتلين للخروج من حلب الشرقية، إلا ان محاولاتهم باءت بالفشل، وتسببت  الجرائم الجديدة التي ارتكبوها ضد المدنيين والمرافق الصحية والمدارس والاسواق في  المزيد من الضغوطات والعقوبات من قبل المجتمع الدولي والإتحاد الأوربي ،كما تقدم  الفرنسيين بمشروع قرار لوقف قصف حلب  يتيح وادخال المواد الإغاثية إليها ويمنع تهجير سكانها  ، ورد الروس بالتقدم بمشروع قرار آخر يتيح لهم الاستمرار بقصف حلب بحجة وجود مقاتلين للنصرة فيها بهدف زيادة الضغط على سكان حلب لاجبارهم على الخروج منها   ، لكن المشروعين فشلا،  الفرنسي بسبب الفيتو الروسي ، والروسي بسبب عدم حصوله سوى على اربعة اصوات فقط، ليعود القصف وتتكرر المجازر اليومية   . 
منذ ثلاثة أيام أعلن جيش الفتح عن معركة حلب الثانية لفك الحصار عن المناطق المحاصرة وقام بهجوم واسع  على مواقع ايران وميليشياتها في مناطق سيطرة النظام حيث حقق نجاحات  ملحوظة الى حد الآن مع انخفاض ملحوظ في كثافة القصف الجوي الروسي. 
الأمر  الذي  من الصعب ايجاد تفسير واضح له حتى الآن هو انخفاض  كثافة القصف ، هل هناك ما يهدد الطائرات الروسية؟؟؟ ، أم أن بوتين اراد توجيه رسالة للإيرانيين إثر خلاف نشب بينهما بأنهم سيخسرون بدون دعمه وبالتالي عليهم أن يبدوا ولاءً أكبر له وفعل ما يأمرهم به دون الكثير  من  النقاش؟؟؟؟؟؟؟ ، جواب هذا السؤال سيساعد في الاجابة على الكثير من الاسئلة . 
أستبعد ان تكون هذه المعركة هي  الأخيرة في حلب ، واستبعد ان تتمكن المعارضة من حسمها لصالحها وأتوقع بقاءها وسكانها المساكين في دائرة النار لفترة ليست قصيرة   ، لأن ذلك لو حصل  سيعني  هزيمة للمشروع الروسي ، وهذا ما لن تقبل به روسيا ولا تريده  الولايات المتحدة  الآن ، على الأقل ليس  قبل تحقيق الغرض من التورط الروسي الإيراني  في سوريا . 
الأمر أيضاً قد لا يتعدى  أن يكون أكثر من مجرد رسالة لإيران وروسيا بأن حسم المعركة في حلب يتطلب أكثر بكثير من مجرد الرغبة الروسية الإيرانية في حسمها ، وأن هناك لا عبين آخرين في الساحة السورية لا يزالون قادرين على التأثير في مجريات الأمور .  
رحم  الله شهداء حلب وكان في عون أكثر من ربع مليون من سكانها بقيوا في دائرة النار التي لايريد  لها اللاعبين الكبار ان تنطفئ بعد .
اقرأ:
د. وليد البني: عقدة حلب والخطة الروسية الإيرانية
 



المصدر: د. وليد البني: حلب ودائرة النار

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك