مايو 15, 2024

د. وليد البني: كلنا شركاء
بعد روسيا التي زارها منذ مدة قريبة يعتزم الرئيس التركي القيام بزيارة الى ايران بعد ايام قليلة ، وكان قد سبق ذلك زيارة وزير خارجية ايران الى تركيا والتصريحات التي ادلى بها حول تقارب تركي ايراني فيما يخص المسألة السورية، وزيارة إخرى مفاجئة قام بها وزير الخارجية التركي الى طهران. 
أضحى من الواضح أن تغييراً قد طرأ على السياسة التركية منذ أُعلن في أنقرة عن تقارب تركي مع كل من روسيا وإسرائيل ، الكثيرون يعتقدون ان اردوغان يريد ان يعود الى قاعدة (صفر مشاكل) مع جميع دول الجوار والتي شكلت اساسا لسياسة تركيا قبل الثورة السورية ، الأمر الذي يتطلب  تغيراً أكيداً في السياسة التركية تجاه مجموعة القضايا الني سببت توتراً في العلاقات التركية مع الجوار والتي تشكل الثورة السورية والأحداث الجارية في سوريا أهمها. 
جميع القراءات التي حاولت تحليل نتائج زيارة الرئيس اردوغان لروسيا توقعت أن تدفع العلاقة الجديدة بين الدولتين ذات التأثير المحوري على الأحداث في  سوريا الى محاولة  التوصل الى مقاربة مشتركة للقضية السورية وآلية جديدة  لتنسيق جهودهما على الساحة السورية مع الحفاظ على قاعدة المواءمة بين مصالح الطرفين، وقد تكون الاشتباكات المندلعة في الحسكة بين ميليشيات الPYD وقوات نظام مافيا الأسد إحدى النتائج السريعة لهذه المقاربة المشتركة والإشارة الأولى للتفاهمات الجديدة بين تركيا وروسيا والتي قد تكون ايران ليست بعيدة عنها ، فقرار النظام فك تحالفه مع الفرع السوري لحزب  العمال الكردستاني التركي والدخول في معارك دامية معه يتطلب موافقة مشتركة روسية إيرانية،  بعد أن أصبح من الواضح أن حصة طاغية دمشق في القرار السوري تكاد تكون منعدمة، كما أن لكل من إيران وتركيا مشاكل مشابهة فيما يتعلق بالمسألة الكردية في المنطقة، وستدرك قيادات الPYD قريباً   أنها لم ولن تكون أكثر من بيدق آخر على رقعة الشطرنج السورية يمكن التضحية به في أي لحظة على مذبح المصالح الإقليمية والدولية . 
إن التقارب التركي الإيراني الذي سيتوج بزيارة قريبة  للرئيس أردوغان الى طهران وما سيرشح عن الزيارة من نتائج ، ستجعل صورة الوضع السوري أكثر وضوحاً ، فمن المعلوم أن الأوضاع في سوريا وتطوراتها تتأثر بقوة بنوع العلاقة التي ستقوم بين كل من تركيا وايران من جهة،  وتركيا وروسيا من جهة أخرى ، إذ من المعلوم أنه ورغم التحالف العسكري الوثيق بين روسيا وايران ، إلا أن مصالح الطرفين ليست متطابقة بالضرورة ، بل قد تكون هناك تباينات عميقة بينهما ، وخاصة حول النفوذ والقدرة على التحكم بشكل سوريا مابعد الحرب وعلاقاتها مع جوارها والعالم ، كما أن لإسرائيل أيضاً علاقة وثيقة  مع روسيا والتي لم يكن لروسيا ان تتدخل عسكريا في سوريا  دون موافقتها ،  دورها أيضاً في الحد من إمكانية وقوع سوريا تحت الهيمنة الإيرانية المطلقة ، فإيران تشكل منافس قوي لإسرائيل على المنطقة العربية ودولها المتفككة والمتهالكة   . 
إن على السوريين الذين لا يزالون قادرين  على التفكير والعمل بعيداً عن الأجندات الإقليمية والدولية، أن يعوا ما يجري، فمن الواضح أن من يدافع عن النظام ، لا يدافع عنه إعجاباً بعيون الأسد الزرقاء ولا نتيجة قناعته بأن نصرته للنظام  ستكسبه رضا الإمام الحسين عليه السلام وستدخله الجنة يوم القيامة بل هو يستغل ضعف النظام وهزالته واستعداده لمقايضة استقلال سوريا ووحدة شعبها وحريته على  بقائه في السلطة ولو مجرد تابعاً او ملحقاً بدول أخرى ،  وفي الجهة المقابلة فإن داعمي المعارضة السورية المسلحة لايقدمون هذا الدعم نصرة للحق وابتغاء مرضاة الله ، بل لكل داعم هدفه المتعلق بمصالحه الإستراتيجية خلف هذا الدعم . 
ليس المطلوب من السوريين  الدخول في نزاع مع الجميع ، بل المطلوب نخبة سياسية سورية  قادرة على تحديد مصالح السوريين أولاً ، ثم تحديد مصالح كل دولة متورطة في سوريا بدقة والتعامل مع هذه الدول آخذين بعين الإعتبار هذه المصالح وإختيار أكثرها ملاءمة  لتخليص سوريا والسوريين من الكارثة التي تضربهم  وتهددمصيرهم ، دون اي اعتبارات أخرى. 
علينا ان نتعلم بعد كل تلك الدماء التي نزفناها ، وبعد كل تلك التحارب المحبطة التي خضناها مع من نعتبرهم أصدقاءً أو أعداءً أن للدول وحكوماتها وأنظمتها الحاكمة مصالح تشكل اساسا لكل تصرفاتها ، وعلينا أن نحدد بدقة مصالح كل دولة صديقة كانت ام خصماً من أجل مخاطبتها بلغة المصالح بعيداً عن العواطف من اي نوع ، دينية كانت ام قومية أم انسانية. 




المصدر: د. وليد البني: ايران بعد روسيا.. ودروس الانعطافة التركية

انشر الموضوع