مايو 11, 2024

د. وليد البني: كلنا شركاء
يلتقي وزيري خارجية الولايات المتحدة وروسيا في الشهر أكثر من مرة ومنذ عام تقريباً للبحث عن حل في سوريا يوقف القتال ويفسح المجال لحل سياسي كما يقول الطرفان.  تلك الإجتماعات التي اسفرت عن وقف اطلاق نار واحد سمي وقتها بوقف الأعمال العدائية تم خرقه آلاف المرات وكانت نتيجته تدمير حلب ثم حصارها. 
أستطيع أن أتفهم الدور الروسي وأهميته في أي وقف لإطلاق النار أو هدنة أو حتى حل سياسي في سوريا ، فروسيا هي أكثر من يطلق النار في سوريا وطائراتها هي التي ُتنزل النابالم والقنابل الفوسفورية والعنقودية على مدن السوريين ومنازلهم ورؤوسهم ، وهي من تزود النظام وحلفاؤه،(الميليشيات الطائفية اللبنانية والعراقية التابعة لإيران، الحرس الثوري والجيش الإيراني )بحاجتهم من الاسلحة اللازمة لإستمرار حربهم في سوريا، وبالتالي هي قادرة فعلاً على فرض وقفاً لإطلاق النار على نفسها وحلفاءها الذين سيلتزمون بما تتفق عليه مع الولايات المتحدة في حال حصول اي إتفاق .   لكن ما لا أستطيع تفهمه هو كيف ستتمكن الولايات المتحدة من الزام أطراف المعارضة وحلفاءهم بأي اتفاق بعدما  خسرت حلفاءها في المعارضة المسلحة السورية التي تقاتل النظام وساءت علاقتها مع القوى الداعمة لهذه المعارضة.  لقد نأت الإدارة الأمريكية بنفسها عن حلفاءها التقليديين في المنطقة وفضلت اتفاقاً نوويا مع ايران (حليف النظام والتي ارسلت قواتها وميليشياتها الطائفية للقتال معه داخل سوريا )، على علاقات تحالفية مع كل من تركيا الحليف التاريخي لها في المتطقة والناتو،  والسعودية التي طالما عرفت بعلاقتها الوثيقة مع الولايات المتحدة الأمريكية وتحالفهماالدائم  فيما يخص امور الشرق الاوسط  ، واكتفت بالتحالف مع قوات الPYD الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني  التركي الذي  يقاتل الحكومة التركية منذ عقود والذي يشكل تهديداً للأمن القومي التركي، ما جعل تركيا تفضل الإتجاه نحو روسيا وايران بعدما خذلتها إدارة اوباما ولم تبدي اي اهتماما بتحذيراتها حول مدى خطورة دعم هذه الإدارة لل PYD الذي قد يشكل دويلة على حدودها تكون منطلقاً لهجمات الإنفصاليين الأكراد ضدها، ورفضت الطلب التركي المتكرر لإقامة منطقة عازلة على حدودها تمنع هجمات الإنفصاليين الأكراد وتحد من هجرة السوريين الى تركيا هرباً من براميل النظام وقنابل الروس وظلم داعش. 
الكثير من المراقبين يعتقدون ان اللقاءات المتكررة بين روسيا والإدارة الأمريكية لن تؤدي إلى اتفاق حول سوريا ، بل يذهب البعض ان الهدف منها هو إدارة  الخلاف بين الطرفين حول الملف السوري بما يحفظ مصالح الطرفين  واستراتيجياتهما في سوريا،  وليس التوصل الى وقف حمام الدم السوري والبحث الجدي عن حل سياسي يسفر عن مرحلة انتقالية تمهد لإنتقال سياسي حقيقي في سوريا يضعها على عتبة الإستقرار واستعادة وحدتها والبدء بإعادة بناء ما تهدم من بنيتها التحتية والوطنية والإجتماعية. 
لو ارادت الإدارة الأمريكية التوصل فعلاً الى نهاية لهذه الحرب لما عدمت الوسيلة بالتأكيد،  ولتصرفت بطريقة مختلفة ، فالقدرة على ايجاد حل لمسألة يتطلب الإنخراط الإيجابي فيها وليس النأي بالتفس وترك الآخرين يتحكمون بمجريات الأمور فيها  بعيداً عن أي محاولة للتأثير في احداثها ، لذلك فإن  كل ما يحكى عن محادثات امريكية روسية حول سوريا وإمكانية التوصل الى تفاهم مشترك حول ايقاف الحرب والبدء بتنفيذ حل سياسي يؤدي الى انتقال حقيقي من الاستبداد والفوضى الى الاستقرار وإعادة البناء ، ليس اكثر من طبخة بحص سيستمر الحديث عن قرب نضجها من الان وحتى وصول الادارة الامريكية الجديدة،  وعندها إما ان تستمر الإدارة الجديدة بنفس استراتيجة اوباما القاضية بالابتعاد عما يحري في الشرق الأوسط وترك سوريا تحترق  ، او يحدث تغيير يؤدي الى  استعادة الدور الأمريكي في المنطقة مما يؤدي الى توازن قوى على الساحة السورية يسمح بجلب النظام الى حل واقعي يؤدي الى  وضع حد للمقتلة السورية.



المصدر: د. وليد البني: اللقاءات الأمريكية الروسية والملف السوري

انشر الموضوع