مايو 1, 2024

د. وليد البني: كلنا شركاء

أخطأنا عندما دخلنا الى العراق وأخطأنا حين خرجنا منه , هذا الكلام للسيد دونالد ترامب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية  وهي العبارة الاكثر مصدقاية وواقعية التي قالها الرئيس ترامب منذ وصوله الى البيت الابيض.

لقد دخل الامريكيون الى العراق , فككوا مؤسسات دولته القائمة , حلوا جيشه ,ثم وضعوا دستورا يكرس الانقسام الطائفي والعرقي وسلموا ثروات العراق وموقعه الاستراتيجي وشعبه المنقسم طائفيا وعرقيا الى نظام الملالي والتنظيمات التكفيرية وخرجوا تاركين  ورائهم جرحا نازفا وبؤرة لتعميق الفتنة المذهبية ونمو التنظيمات التكفيرية على مستوى المنطقة.

جميع التنظيمات التكفيرية السنية والشيعية في منطقتنا تقريبا  كانت نتاج هذين الخطأين الكارثيين التي ارتكبتهما الولايات المتحدة  الامريكية , ابتداءً من داعش و النصرة وأشباههما من التنظيمات المسلحة الاخرى التي تريد اقامة دولة دينية سنية سلفية  مرورا بحزب الله اللبناني والعراقي وحركة النجباء والوية فاطميون التي تعمل على تعميم مبدأ ولاية الفقيه والدولة الدينية الشيعية التي تتخذ من نظام الملالي في ايران مثالا وداعما وقدوة لها.

لقد عادت الولايات المتحدة تحت ادارة ترامب الى المنطقة وأعلنت عن تواجد قواتها في سوريا واشتراكها في القتال المباشر , فقد صرح وزير الخارجية الامريكي ريك تيليرسون أمس في اجتماع الدول المتحالفة ضد الارهاب الذي يعقد في واشنطن  بأن بلاده   وستعمل على القضاء على داعش في كل من سوريا والعراق  وأن بلاده ارسلت قوات الى سوريا واصبحت قواتها,ستشترك مباشرة في الحرب ضد الا رهاب , وقال ان بلاده ستقوم بحل المشاكل السياسية والطائفية التي أدت لنشوء داعش فور القضاء عليها, وقال ايضا أنهم وفور القضاء على داعش ستتحول حكومة بلاده  لإعادة الإعمار ودعم الاستقرار وستعمل على اعادة الخدمات لسكان المناطق المدمرة وسيعملون على ايجاد الحلول السياسية والديبلوماسية اللازمة لحل مشاكل المنطقة مما سيحول دون استمرار تدفق اللاجئين الى الغرب.

تعتبر هذه التصريحات التي ادلى بها السيد تيليرسون  من أفضل وأكثر التصريحات التي صدرت عن مسؤول امريكي  واقعية وفائدة لسوريا والمنطقة ومستقبل شعوبها  منذ بداية الكارثة السورية حتى الان فيما لو جرى تطبيقها  بحسن نية وبعد دراسة متأنية للتفاصيل  ودون تكرار الاخطاء التي حدثت ابان الإحتلال الأمريكي للعراق.

نعم سوريا والمنطقة لن تستقر وشعوبها لن تشعر بالامان , وتدفق اللاجئين  منها لن يتوقف قبل القضاء على داعش  ومثيلاتها وايجاد حلول للمشاكل السياسية والطائفية التي أدت ال نشوء داعش وقبلها القاعدة وحزب الله والميليشيات الطائفية اللبنانية والعراقية والايرانية والافغانية,  وأيضا بدون اعادة الاستقرار للمنطقة والبدء بإعادة اعمار ما دمره الاستبداد والفساد والقمع  والتطرف الديني على الصُّعد السياسية والاجتماعية والعمرانية والبنى التحتية, ولكن ما هو الضامن أن الولايات المتحدة الامريكية والمجتمع الدولي لن يرتكب أخطاء أخرى تفسد الجهود والنوايا الحسنة ا”إن وجدت فعلا” تجاه شعوبنا ومنطفتنا؟؟ وكيف يمكن لابناء المنطقة وشعوبها ان يساعدوا في منع تكرار هذه الاخطاء ؟؟.

على النخب الفكرية والثقافية والسياسية السورية مسؤولية كبيرة في العمل على  التواصل مع الجميع ومحاولة شرح ما يعتقدون ان سوريا تحتاجه فعلاً لتحقيق الاستقرار والبدء بإعادة البناء وايقاف النزيف المالي والسكاني الذي تعاني منه , عليهم إعداد دراسات واقعية لكيفية تخليص بلادهم من الكارثة التي تضربها منذ ستة سنوات ,دراسات تبتعد قدر الامكان عن الشعارات الجوفاء وتحاول مخاطبة مصالح الآخرين وإمكاناتهم ,مخاطبة أولئك الذين قد تلتقي مصالحهم  مع ارادة السوريين في استعادة بلادهم من فبضة الوحشين اللذين يكادا يقضيان عليها ” وحش الاستبداد المافيوي لنظام عائلة الاسد المتحالف مع ايران وميليشيانها الطائفية , ووحش الاستبداد الديني التكفيري المتمثل بداعش والقاعدة وجيميع التنظيمات الاخرى التي ترفع شعار الدولة الدينية التي يجري تمويلها واستغلالها من قبل القوى التي تريد تقويض المشروع الديمقراطي الحداثي في منطقتنا”.  

سوريا والمنطقة تحتاج فعلا الى الاستقرار واعادة الاعمار , وهذا يتطلب فعلاً توجيه ضربات قاصمة للتنظيمات والأفكارالتكفيرية بشقيها الشيعي والسني, كمقدمة لا بد منها لوضع منطقتنا وشعوبنا على سكة التطور واللحاق بركب الحضارة الانسانية , الامر الذي   لن يتحقق بدون القضاء على البيئة القابلة لاعادة انتاج هذه الافكار و التنظيمات , هذه البيئة التي يعتبر الاستبداد السياسي  ووصاية رجال الدين ومافيات العسكر على المجتمع وتقييد حركة وحرية نساءه ورجاله أحد العوامل الرئيسية المساعدة على خلقها واستمرارها.

المصدر : كلنا شركاء

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك