مايو 14, 2024

د. محمد مرعي مرعي: كلنا شركاء
يرمز مصطلح الخيبة الذي نعيش ممارسته ونتائجه إلى عدم الإتقان وفهم مخاطر المرحلة،أوعدم اغتنام الفرص بل وتضييعها، وهذا حال الشعوب العربية التي تعيش الخيبات منذ استقلال بلدانها مع فرض حكاما عليها ،مما سبّب هجرة النخب وأصحاب الكفاءات للخارج أو تهميشها وسجنها وقتلها في حال بقائها، الأمر الذي أدام حالة التخلّف والفشل بل الدمار الذاتي والتفكّك أمام القوى الطامعة بأرضها وثرواتها وموقعها . والخيبة تختلف عن اليأس فهي لا تكون إلا بعد أمل لم يتحقّق،أما اليأْس فقد يكون قبل الأمل وقد يكون بعده.لذلك خطرالخيبة أشد وأثرها قاتل لحاضر ومستقبل الشعوب والأمم.هذه الخيبات التي تعيشها الشعوب العربية هي نتيجة حروب وأزمات بالوكالة عن القوى العالمية الأخرى (الغائبة/الحاضرة) المتحكّمة برقاب العرب، لذلك يصف مفكرين ومثقفين كثر المشهد العربي النظامي ب (الظاهـــرة الصوتيــــة)، لأن العرب دولا وشعوبا تتصف فقط بفوائض الشجب والاستنكار. لكن بعد الثورات العربية غاب الصوت، ولم يعد يبقى من تعريف للدول العربية غير كونها (ظاهرة جغرافية)،أي أناس في مكان ما، مع تضييع بوصلة الزمن، وصارت عبارات التنمية والتقدم وغيرها ممجوجة يستحي العلماء والمفكرين من ذكرها، وأضحى التخلف سمة لصيقة بالعرب. يغضب حكام العرب إذا تم مس كرسي حكمهم أو عائلتهم ويشنون حربا على شعبهم ويدمّرون بلداهم ، بينما لايحرك أحد منهم إصبعا لاحتلال العراق وسوريا ولبنان واليمن من قبل ايران وقبلها فلسطين وبعدها …، والسبب مفهوم، إذ لم يعد من فارق بين النظم العربية التي تحكم ،على اختلاف أشكالها الجمهورية والملكية، فكلها نظم تحكم بالحق العائلي، ولا قيمة للأوطان والشعوب عندها،لأنها من اختصاص وزراء الداخلية ورؤساء أجهزة الأمن ومصالح السجون والمعتقلات ومشايخ الحكام وفتاواهم ، كما لا دور للشعوب في اختيار الحكام وتقييم أدائهم كون النظم العربية مجمّع انتخابي عائلي بل افتراضي من خارج الجغرافيا العربية كلها( الرعاية الأمريكية/الإسرائيلية،ومجددا الروسية /الأيرانية). وهكذا تستمرشعاراتهم العلنية بتصنيع الأعداء ( اسرائيل / ايران أو غيرها) لكن عدوهم الحقيقي هو الشعوب العربية ، وتتخذ قرارات الحكام بزيادة المجهود الحربي والتعبئة السياسية ضد الأعداء المفترضين بالخارج ، بينما يجري الاتفاق مع أمريكا وقوى تصنيع السلاح على دفع المليارات من خزائن بلدانهم مقابل صفقات سلاح لا يستخدم سوى ضد شعوبها الثائرة مقابل ضمان حماية تلك النظم من مخاطر تلك القوى الشعبية.
لماذا وصلت الأمة إلى هذه الحالة ؟ الحقيقة معروفة حيث ساد التحوّل العائلي في النظم الحاكمة وتحوّل الحكم إلى عائلات معلّقة فوق مراكز تعذيب أمنية في العواصم والمدن العربية، واتحدت طبائع استبداد النظم،واندمجت في ممارسة النهب العام المستند لعصا القوة القاتلة، وتحويل الأوطان إلى مزارع وإقطاعات انتفاع، وغاب معنى الوطن والشعب والأمة،وضاعت حرمة المقدسات الوطنية، وسقطت النظم ومعها العرب في ثقب التاريخ الأسود، دون أن تتوقف حفلات الخطب بإسم الأمة العربية ورسالتها.هكذا،عاشت الشعوب العربية تناقضا تضليليا طيلة 60 عاما كان كيان الاغتصاب الإسرائيلي العدو المسلم به وكان دعم المقاومة المسلحة الشعار الدائم، لكن النهوض بالعلم والتصنيع والاختراق التكنولوجي والتنمية فقد كانت شعارات طنانة مستدامة عبر توزيع الأدوار بين دول المواجهة ودول الدعم، وكانت كلها مخادعة لاستدامة نظم الحكم وبقاء الشعوب في حالة غيبوبة ،والمحصلة البادية للعيان هي الخيبة واقعا معاشا ومستقبلا.
في عالم القيادة والإدارة الحديثة يتم التركيز على تقييم النتائج استنادا إلى المعايير والمقاييس،ويتم تداول «مؤشرات الأداء الأساسية أوالفرعية» كأحد المفاهيم الأساسية لتحديد مستوى الأداء في كل نظام حكم أو دولة أو أمة . لقد رأينا جميعا النتائج المحقّقة الخائبة طيلة عمر النظم العربية منذ الاستقلال ، وبدأت تباشير الخيبة تطفو بعد الثورات العربية بسبب سوء أداء وفساد واجهاتها. لذلك،هناك ضرورة ملحّة الآن لوضع مقاييس للخيبة العربية، فهل سينجز العرب ابتكارا عالميا يستحقون عليه (جائزة) يخص « مقاييس الخيبة ومؤشراتها» ،لنطبّقها على حياتنا وثوراتنا ونتائجها ؟.
اقرأ:
د. محمد مرعي مرعي: سوريا الثورة تطلق الجيل الخامس من الحروب الدولية



المصدر: د. محمد مرعي مرعي: هل وصلت الثورات الشعبية العربية والأمة حد الخيبة!

انشر الموضوع