مايو 4, 2024

د. عامر القوتلي: كلنا شركاء
إن جميع المعطيات الموضوعية العلمية والتقنية المسخرة لخدمة الدراسات الجيواستراتيجية حول الأمن المائي في منطقة الشرق الأوسط تفضي الى نتيجة واحدة غير قابلة للشك تنذر بتفاقم الأزمة المائية في المنطقة ليس فقط نتيجة ندرة الموارد المائية وتراجع جودتها ولكن بسبب تزايد التباين ما بين استنزاف حاد للموارد المائية وارتفاع ملّح في الاحتياجات المختلفة (منها السكانية والزراعية والصناعية…الخ).
وفي هذا الإطار الحرج لابد أن تتقاطع موارد المياه مع غيرها من الموارد الطبيعية التي ستضبط إيقاع التوازن والاستقرار الجيوستراتيجي للشعوب لاحقا بعض النظر عن الزوايا الحادة التي تنظر من خلالها اليوم المنظومات السياسية أو الأيدولوجية (الدينية أو القومية أو العرقية …الخ) لمستقبل المنطقة.
ثلاث مشاريع جيواستراتيجية أساسية مبنية حول الأمن المائي لدول المنطقة في إطار نظام الشرق الأوسط الجديد كبديل عن الأنظمة القائمة:
– المشروع التركي (يعطي فائض المياه ويأخذ حاجته من النفط والاستقرار)
– المشروع العربي بعد إنهيار بعض أنظمته وإصلاح بعضها الآخر (يأخذ حاجته الأساسية من المياه ويعطي نفطه وحسن جواره)
– المشروع الإسرائيلي (يأخذ المياه والأرض والاعتراف بدولة إسرائيل. بالإضافة الى دور استثماري و امتيازي غير واضح المعالم)
طبعا ضمن إطار موضوعي بحت لابد من تحقيق المشاريع الثلاثة معا لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة.
لا شك في أن التكلفة الكبيرة ستقع على عاتق المشروع العربي…الذي سيدفع أكثر بكثير مما سيأخذ (وللأمانة فهو الخاسر لأنه لن يحصل على سلام عادل.. ومن أجل الدقة لأنه لم يبذل جهودا كافية)
اما الميزان التركي فهو متوازن بين أخذ وعطاء،
بينما حساب الأرباح يصب في كفة المشروع الإسرائيلي دون منازع..
الآن اذا افترضنا أن القطب الأمريكي (وهو القطب الاستراتيجي المهيمن على العالم حتى اللحظة) يعمل جادا لبناء هذا الشرق الأوسط الجديد فيوجد حقائق موضوعية علينا أخذها بعين الاعتبار :
1) لا مكان لدولة إسلامية تنافس الفكر القومي العربي المكتفي بإنتمائه الإسمي للمرحلة المقبلة (الإنتماء العربي سيكون إ سمي أو معنوي أو محدود …إذا صح التعبير)
بمعنى ستبقى الهوية عربية لأنها أثبتت جدارتها بالفشل في بناء نظام عربي مستقر منافس للشرق الاوسط في المقابل لن يكون هنالك مكان للإسلام سياسي ولابشكل من الأشكال.
2) لا مكان لدولة انفصالية على حدود تركيا.. لأن الأخيرة قد خضعت الى تجربة الضغط وفك الضغط مرار وتكرارا وأثبتت صلابة وتماسك منقطع النظير (الإنقلاب الفاشل..كان آخر نقطة إمتحان مفصلية وحاسمة)
3) لا مكان لدولة إنفصالية لسبب جوهري إضافي فهنالك من يتجنب إعادة فصول قصة الصراع العربي / الإسرائيلي في صراع ثلاثي عربي وتركي في مواجهة كردي انفصالي
(صداع اضطراب لن يحتمله استقرار منشود في المرحلة المقبلة)
4) لا مكان لذيول البعث في سوريا لأن وجودها يناقض تطورات المرحلة المقبلة .. ولأنها تناقض نفسها أمام شعوب المنطقة … والأهم إرتباطها الإيراني الروسي ودورها الخطر كبذور ممكن أن تعيد إنتاش الإتحاد السوفييتي عن بعد.
إذا من الأرجح أن المشروع العربي هو المشروع الذي سيقع عليه الإختيار وسيكون مفضلا لعوامل داخلية وخارجية وإختياره  مشروط بفك الإرتباط مع الدولة الشيعية الإيرانية من جهة ومع بذور الاتحاد السوفييتي من جهة أخرى من أجل نجاح الإندماج ضمن كيان الشرق الأوسط الجديد.
إن “المشروع العربي المندمج” سيقف بوجه مشروع أسلمة تركيا كوقفته تاريخيا ضد الدولة العثمانية .
على الرغم من التحدي الكبير الذي ينتظر المشروع العربي سيكون بديلا عن أسلمة العرب وفرصة جديدة لأجيال جديدة تنفتح نحو العلمانية . في حين أن خيار الدولة الانفصالية الكردية سيكون في صدام مرير مع المشروع العربي المستنزف أساسا وهذا سيخدم الاستقطاب الاسلامي في الشمال نحو تركيا وفي الجنوب نحو سوريا.
وهذا الاستقطاب الاسلامي هو حالة مرفوضة داخليا (حتى من قبل أغلبية مسلمي المنطقة) لانه حالة تربط الإسلام بالسلاح والعنف والارهاب أما رفضه خارجيا فبالطبع بات غنيا عن التعريف.
وبالمحصلة إذا كان القتال اليوم )على سبيل المثال( من أجل وحدة الأراضي السورية وهنالك مخاوف كبيرة من التقسيم فهذا يعني أن سايكس- بيكو كانت تشكل في لحظة تاريخية معينة  فرصة وقد أضاعتها الأجيال السابقة، ولم تستفيد من مئة عام لبناء دولة المواطنة الصحية المتطورة .. إذا يبدو أن على الأجيال المقبلة أن تستفيد من فرصة الشرق الأوسط الجديد ! ، ومن الحكمة أيضا أن تثبت جدارتها في الإندماج وبناء الاستقرار و تطوير مؤسساتها ضمن هذه المنظومة الجديدة التي يفرضها الواقع ومحدداته.
اليوم ما يمكن فعله فقط هو العمل من أجل التفاوض بأمانة  وبحنكة وإنجاز السلام بشرف.
اقرأ:
د. عامر القوتلي:تأميم بيانات الفيس بوك أم حرب إلكترونية مقدسة!؟


المصدر: د. عامر القوتلي: لمحة عن دور الامن المائي في بناء الشرق الأوسط الجديد

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك