مايو 8, 2024

د. عامر القوتلي: كلنا شركاء
مبادرة الموارد والسلام
سد الفرات السوري وبحيرته الوطنية
يعتبر سد الفرات ثاني أكبر سد مائي في المنطقة العربية  بعد السد العالي ويشكل عصب استراتيجي واقتصادي أساسي لإدارة وتنمية الموارد المائية السورية وما يرتبط بها من تنمية للموارد الزراعية والثروة الحيوانية والسمكية بالإضافة الى دوره الأساسي بتوليد الطاقة الكهربائية. تقدر التكلفة الإجمالية لتنفيذ السد حوالي 1.2 مليار ليرة سورية بين عامي 1966 و 1978, بينما احتاج بناء السد من الموارد البشرية السورية إلى ما يزيد عن 13000 ألف نسمة بالإضافة الى عدد كبير من الأيدي العاملة و الخبرات الأجنبية.
في 15 من الشهر الجاري حذرت الأمم المتحدة من كارثة إنسانية وبيئية من جراء انهيار وشيك لسد الفرات وما قد ينجم عنه من فيضانات عارمة. لقد أوضح التقرير أن الانهيار سيكون بسبب ارتفاع قياسي لمنسوب المياه في البحيرة خلف السد الناجم عن تساقط الأمطار والثلوج بغزارة في المنطقة بالإضافة إلى الأعمال التخريبية العشوائية لتنظيم داعش. كما أشار التقرير إلى تضرر مدخل السد بفعل الضربات الجوية التي شنها طيران التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة على تنظيم داعش، وفقا للتقرير الأممي.
كمختص بعلوم الأرض وإدارة الموارد المائية  أقدم  رأي علمي داعم لتقرير الأمم المتحدة  المحذر من انهيار محتمل لسد الفرات نتيجة العوامل الطبيعية المتزامنة مع سوء الإدارة والأوضاع الأمنية المتدهورة في محيط السد.
هذا الرأي مبني على نتائج  الدراسة الأولية  للموارد المائية والمعطيات المتاحة  لمنطقة حوض الفرات للفترة ما بين 2013 – 2017 من أجل تخمين حدوث الفيضانات. اعتمد البحث على نمذجة بيانات الأقمار الاصطناعية و الاستشعار عن بعد للتنبؤ بمعدلات مستقبلية للمحددات الهيدرولوجية للمنطقة عبر قراءة المعدلات في السنوات السابقة واختبار تقاطع البيانات وعلاقة المعطيات فيما بينها.
أفضت هذه الدراسة إلى تقدير احتمالية عالية (لا يمكن اهمالها) تنذر  بفيضان محتمل بين شهر  نيسان وأيار المقبل وهذا بحد ذاته يشكل تهديد كبير لسكان المنطقة ومحيطهم البيئي وتحدي كبير للمنظمات الدولية المعنية ولصناع القرار بإدارة أزمة الفيضان المتوقعة التي قد تضاف الى قائمة الأزمات الراهنة.
وتشير الدراسة إلى الخشية من أن الفيضان المحتمل بالأشهر المقبلة سيشكل  تهديدا حقيقيا لثبات وتماسك سد الفرات واستيعاب بحيرته للفائض المائي خصيصا اذا ما تم الاخذ بعين الاعتبار الأضرار التي لحقت بالسد مؤخرا وسوء الإدارة وغياب الصيانة.
و تم تحديد نطاق يحيط بسد الفرات بنصف قطر يزيد عن  120 كم كمنطقة مهددة ذات احتمالية عالية لفيضانات الربيع المقبل وستتأثر بشكل مباشر وكارثي بقسمها الشرقي والجنوبي في حال انهيار محتمل للسد كما هو موضح بالبيانات والخرائط والنماذج المرفقة. كما تكشف الدراسة عن المعطيات التي تؤكد ارتفاع منسوب المياه في محيط السد.
لا شك بأن المواصفات الهندسية لسد الفرات التي صمم عليها تشير إلى متانته وتزيد من فرص مقاومته للانهيار في حال حدوث  الفيضان المتوقع .  فهو سد ترابي ذو بنية هيكلية هرمية مؤسسة من نواة غضارية كتيمة تشكل ما يقارب 20 % من البنية الأساسية المكسية بركام من الحصى والرمل حوالي 80 % من جسم السد. شكلت الردميات 46 مليون م3 والحفريات الترابية 20 مليون م3. بينما يشكل البيتون المسلح 1.6 مليون م3 مدعوم بما يقارب 44 ألف طن من الهياكل المعدنية. يدعم السد وجود ميول إسمنتي مسلح من جهة جسم السد لكن الميول الخلفي ترابي وصمم ليعتمد على الأعشاب والنباتات لتثبيت التربة. يبلغ طول السد 4500 م ويبلغ ارتفاعه 60 عند المنسوب 308 م والعرض الأعظمي في القاعدة 512 م والعرض في القمة 19 م. بينما تشكل البحيرة الوطنية خلف سد الفرات مسطحا مائيا طوله 80كم وتبلغ مساحته 640 كم.2 و حجم استيعاب 12.5  مليار متر مكعب، ارتفع بعد التوسعة إلى 14.5 مليار متر مكعب. إن منسوب التخزين الطبيعي في البحيرة 300م بينما منسوب التخزين الفيضاني 304م ومنسوب التخزين الأدنى 285م. على الرغم من دلالة وأهمية تلك المعطيات إلا أنه يعد من المجازفة والإهمال التسليم لهذه المواصفات الهندسية و تجاهل الوضع الراهن و المخاطر المتعددة التي تهدد سد الفرات.
حيث لا بد من الأخذ بعين الاعتبار العوامل الأساسية التي تبرر أهمية الإنذار المبكر للأمم المتحدة لانهيار وشيك لسد الفرات وأولوية التجاوب معه والتي يمكن توضيحها على الشكل التالي:
عوامل طبيعية قد ينجح السد في الصمود أمامها ضمن حدود وجودة المواصفات الهندسية الأساسية التي أسس عليها ولكن نسبة الخطورة تكون مرتفعة في حال حدوث:

فيضانات متوسطة الى كبيرة متوقعة نتيجة  ارتفاع منسوب المياه في المنطقة الناتج عن زيادة في معدلات تساقط الأمطار والثلوج.
الخوف من التزامن مع حدوث هزات زلزالية وانزلاقات أرضية في محيط الفوالق المرتبطة بنظام انهدام حوض الفرات النشط تكتونيا.

عوامل غير طبيعية تهدد بنية السد بشكل مباشر وتأتي على جودته الهندسية بشكل دراماتيكي وتجعله عرضة لانهيار كارثي بشكل استثنائي وغير متوقع، و يندرج تحتها:  

تضرر السد نتيجة الأعمال التخريبية للتنظيمات الإرهابية والممارسات التدميرية لتنظيم داعش.
استهداف السد من قبل النظام بشكل مباشر من خلال القصف الجوي العشوائي بالبراميل المتفجرة. في إطار استهداف النظام الممنهج للموارد المائية ونذكر منها قصف وادي بردى ونبع عين الفيجة بريف دمشق و قصف محطة باب النيرب وسليمان الحلبي بحلب.
الأضرار الناجمة عن الضربات الجوية التي يشنها طيران التحالف الدولي.

يضاف إلى ما سبق سوء إدارة السد من ناحية الموارد المائية والفنية وغياب عمليات الصيانة الدورية.
من الواضح أن اجتماع جميع تلك العوامل أو بعضها يشكل خطر كبيرا يهدد سلامة البنية الهندسية لسد الفرات. ومن اللافت للنظر من تحليل تلك العوامل أن ثلثي المخاطر الراهنة التي تهدد سد الفرات والتي قد تؤدي إلى انهياره ترتبط بأسباب يمكن تفاديها من خلال حل النزاع بالمنطقة والتخلص من الإرهاب والحفاظ على البنى التحتية والتنمية المستدامة للموارد وصولا للسلام.
بينما تجاهل  تقارير الأمم المتحدة من قبل النظام ومؤسسات المعارضة وعدم التجاوب مع إنذارها المبكر لوقوع كارثة إنسانية وبيئية سيقود مصير سد الفرات (بأحسن الأحوال)إلى كتلة ترابية متضررة  نتيجة الصراع المسلح وغياب الإدارة، أو نحو المصير الكارثي المتأرجح لسد الموصل على نهر دجلة حيث دخل عمليات الترميم والإصلاح المستمرة لتفادي كارثة الانهيار منذ 2014 ومازال يهدد مصير 20 مليون نسمة حتى اللحظة. وهنا تجدر الإشارة الى أن أي خلل او كارثة تحل بسد الفرات بسوريا لن تقتصر فقط على سكان المدن السورية ومحيطهم الحيوي بل ستترافق بمتتالية كارثية (إن صح التعبير) تتعلق بالأمن المائي والبيئي تمتد انعكاساتها السلبية المتقهقرة لدول الجوار وخاصة الدول المتشاطئة لنهر الفرات وأولها العراق.
إن دروس الماضي القريب تؤكد مغبة تجاهل الدراسات والأبحاث العلمية وتقارير المنظمات الدولية فيكفي أن نعلم أنه ما بين 2003 و 2009، فقدت منطقة الجزيرة السورية حوالي 144 كيلومتر مكعب من المياه العذبة، أي ما يعادل حجم البحر الميت حسب دراسة باستخدام الأقمار الصناعية قدمتها وكالة الفضاء الأمريكية ناسا وأنذرت في حينها (للمفارقة) من فترة جفاف كارثية. لكن للأسف تجاهل النظام السوري بسياساته الفاسدة وقصيرة النظر تلك الدراسة ذات القيمة الاستراتيجية العالية.  وقام النظام رغم التحذير من الجفاف بضخ مياه الفرات الى مجرى نهر قويق و انعكس هذا في جفاف أدى إلى تضرر أكثر من 800 ألف نسمة من سكان الجزيرة فقدوا موارد رزقهم بالكامل بين العامين 2006-2009 وترافق ذلك بعملية “نزوح داخلي ما قبل الثورة” (حسب مصادر من الأمم المتحدة). حيث هاجر مئات الآلاف من السوريين من مناطق استقرارهم في موجات هجرة صبّت في ريفي حلب ودمشق وزادت من معاناة وفقر المجتمع السوري مما تطورلاحقا إلى واقع الثورة.
بالمحصلة هذه الدراسة تدعم تقرير الأمم المتحدة  المحذر من انهيار محتمل لسد الفرات وتكشف عن نطاق يمتد حوالي 130 كم حول سد الفرات كمنطقة مخاطر عالية وتوصي بضرورة التدخل تحت غطاء أممي من أجل حماية السد وإدخال فرق المهندسين والمختصين لإجراء عمليات الصيانة اللازمة واتخاذ القرارات المناسبة لتفادي حدوث الكارثة وحماية المدنيين ومحيطهم الحيوي وتمكينهم من إدارة مؤسساتهم التنموية والاستراتيجية.

 

 

 


المصدر: د. عامر القوتلي: دراسة داعمة لتقرير الأمم المتحدة حول التحذير من انهيار سد الفرات

انشر الموضوع