أبريل 28, 2024

د. عامر القوتلي: كلنا شركاء
بما يخص الكارثة الغير مسبوقة وخطر العواقب التي لا يمكن تداركها من جراء استهداف البنية الطبيعية لنبع الفيجة وحوض وادي بردى و محيطه الحيوي.
نبع الفيجة يصنف كثالث أكبر نبع مياه عذبة في العالم والأول في منطقة الشرق الأوسط التي يواجهها التحدي الكبير بمشكلة عوز المياه. 
كما أن الأهمية المحلية لهذا النبع تأتي من كونه المصدر الأساسي للمياه لمدينة دمشق (اقدم مدينة عاصمة بالتاريخ) وما حولها، حيث تشير الأرقام إلى أن نبع الفيجة يخدم ما يقارب خمسة ملايين نسمة قبل اندلاع الثورة السورية ومن المتوقع أن الرقم اليوم يفوق الضعف
. في ظل ظروف الحرب التدميرية في سوريا التي تأخذ تارة طابع حرب المدن وتارة أخرى حرب تشنها قوى دولية لدعم نظام يواجه ثورة داخلية منذ اكثر من نصف عقد من الزمن تشهد المنطقة تدهور غير مسبوق وخروج كامل عن قوانين السلم وخروق فاضحة ومتعمدة لقوانين الحرب. 
يظهر ذلك واضحا من خلال استخدام الاسلحة الكيميائية المحظورة دوليا واستهداف المدنيين من قبل النظام بشكل  أساسي. 
ومن المعروف ان النظام وحده المسؤول عن الهجمات الجوية العشوائية والبراميل المتفجرة التي باتت صنعة مسجلة باسمه بامتياز بغاية تدمير المدن السورية وبنيتها التحتية والطبيعية كتطبيق لسياسة الأرض المحروقة.
وربما سيذكر التاريخ كيف أن تكلفة بقاء ديكتاتورا في سلطته لعدة سنوات جاءت على حساب تشرد الملايين ودمار مدن بأكملها. ولم ينجو من همجية التمسك بالسلطة لا ارث حضاري تاريخي ولا إرث طبيعي يربط الانسان بمحيطه وموارده ومستقبل بقائه.
ويضاف إلى ذلك سياسة التغيير الديموغرافي التي يطبقها النظام كخطوة لاحقة لأي تقدم عسكري ينجزه من خلال تهجير ما نجى من السكان من جراء القصف الجائر أو فرض الحصار المائي والغذائي. 
ورغم ذلك كله فقد اثبت التاريخ (الذي شهدنا) فشل النظام وحلفائه وعدم تمكنهم من تركيع الثورة السورية هذا لان عامل الزمن يقف بصف الثورة والى جانب حق الشعب السوري بالحرية.
إذا كلما زاد شعور النظام بالفشل كلما زاد من شمولية ردات فعله الانتقامية والتدميرية للمحيط الذي يتمكن منه.
وهنا والإطار ذاته من فقدان التوازن والتخلي التام عن العقلانية وتجاوز كل ما يمكن تجاوزه من قوانين الحرب من قبل النظام جاءت الهجمات بالبراميل المتفجرة على منطقة عين الفيجة في وادي بردى.
إلى جانب الضحايا البشرية من المدنيين والخسائر المادية والتقنية الجسمية التي خلفها القصف على المركز الفني لإدارة النبع فقد تم قطع المياه بشكل كامل عن مدينة دمشق ولفترة زمنية مازالت غير محددة.
من الناحية العلمية والتقنية وفي ظل غياب المعطيات اللازمة لا يمكن حتى هذه اللحظة التنبؤ بحجم هذه الكارثة ولا حتى بمدى العواقب المتردية من هكذا عمل إجرامي خارج عن كافة القوانين.
ما يمكن قوله من خلال بعض الشهادات والصور المأخوذة من قبل السكان المحليين وما يوحي به الانقطاع التام للمياه بالإضافة الى حدوث فيضان استثنائي لمجرى نهر بردى فان :
– ضررا جسيما قد أصاب البنية الطبيعية والتركيبة الهيدروجيولوجية في المحيط البيئي لنبع الفيجة جراء القصف. 
– ان حجم هذا الضرر قد يتطور بشكل دراماتيكي مما يؤدي الى احداث خلل كامل بالآلية الطبيعية (النموذجية) لعمل هذا المورد المائي.
– ستتأثر الطبقات الجوفية الحاملة للمياه مما سينعكس سلبا على كمية المياه وجودتها.
– الضرر سيطال آلية التواصل الهيدروديناميكي بين الخزانات الجوفية للمياه فيما بينها ويحد من فعاليتها.
– ستتغير مسارات المياه الطبيعية التي تنقل المياه السطحية الى باطن الارض مما سيهدد المخزون المائي بشتى سيناريوهات التلوث المحتملة. 
 – الخطر الأكبر والكارثي الذي يخشى حدوثه ولا يمكن استدراكه تقنيا بسهولة هو انهيارات كبيرة متتالية في باطن الأرض مما سيؤدي الى عزلة كاملة بين الخزانات او غوران المياه الى أعماق كبيرة. 
بالمحصلة نحن أمام واحدة من أكبر الكوارث “الغير طبيعية” والمتعمدة التي يشهدها القرن. كما أن السيناريوهات والتنبؤات المرتبطة بتطورها مفتوحة نحو الأسوأ. 
خصيصا في غياب كامل لإدارة الأزمة البيئية وعدم إمكانية تدخل فرق العلماء والمختصين والتقنيين.
ومما يزيد الأمر سوء ويخشى من عواقبه هو انكشاف ظهر الموقع المتضرر (عين الفيجة وما حولها) لمزيد من براميل النظام المتفجرة في ظل غياب تدخل وحماية اممية لأغنى عنها. 
 إذا لابد من التحرك على الصعيد الدولي والشروع بتحمل المسؤوليات الأخلاقية التي يمليها الوجدان الانساني كما يفرضها الواجب المهني.
هذا النداء يهدف عمليا الى:
التحذير من الكارثة المتوقعة الغير محدودة الأبعاد على كافة المؤسسات والهيئات العلمية والقانونية الدولية و معالجته  فورا كمسألة إرث طبيعي عالمي.
يحتم الواجب اعلى كل من يملك خبرة علمية، فنية، تقنية و قانونية التوجه بهذا الملف إلى وجهته الصحيحة والعادلة. 
للأسف، جميع المعطيات العلمية تنذر بأن هذه الكارثة (الناجمة عن جريمة حرب كما تنص عليه القوانين والمعاهدات الدولية) أكبر بكثير من التوقعات التي يخمنها البعض.
فنحن امام حاضر يطحن به الابرياء ومستقبل تهجر منه الأجيال تكشف عنه هذه الكارثة البيئية والإنسانية والتاريخية الغير مسيوقة.



المصدر: د. عامر القوتلي: الكارثة الغير طبيعية التي تهدد حوض بردى- مبادرة الموارد و السلام

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك