مايو 2, 2024

د. صياح عزام : صحيفة النور
لاشك في أن ظهور نظرية سياسية يحتاج إلى حقبة زمنية تتبلور فيها، وسياسات رسمية تعتمدها، سواء كان صاحبها زعيماً أو رئيساً أو قائداً.. بالطبع هناك نظريات كبرى مثل الليبرالية والماركسية والفاشية والنازية وغيرها، أما بالنسبة للاستراتيجية الأمريكية فهناك آراء ومبادئ برزت بعد الحرب العالمية الثانية خاصة، إلا أنها لا ترقى إلى مستوى النظريات الكبرى.
مناسبة هذا الكلام (أفكار دونالد ترامب) وآراؤه التي ظهرت خلال حملة ترشحه للرئاسة الأمريكية، فماذا يمكن أن يطلق على هذه الأفكار والآراء؟ وأين تقع؟
إذا عدنا إلى الوراء قليلاً في مجال السياسة الأمريكية نجد أن هناك عدة آراء ومذاهب منها:
– مذهب (ترومان) الذي تبلور في بداية الحربة الباردة، وأساسه (فكرة القوة الضاربة) في المواجهة العسكرية ضد الاتحاد السوفييتي السابق.
– مبدأ (أيزنهاور) الذي تشكل حول (فكرة ملء الفراغ).
– مبدأ (نيكسون) الذي قام على (نظرية الدركي بالوكالة).
– مبدأ (كارتر) المعروف بـ(التدخل السريع والمباشر) وعلى أساسه تحددت (استراتيجية الحرب ونصف الحرب)، وبالتدرج كانت أوربا أولاً، والشرق الأقصى ثانياً، والشرق الأوسط ثالثاً.
– وفي الثمانينيات نشأ مبدأ (ريغان) على أساس (نظرية الحربين ونصف الحرب).. الحرب الأولى في أوربا، والثانية في الخليج، وأنصاف الحروب أو الحروب الصغيرة في أمريكا اللاتينية.
– بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، جرى الترويج لـ(مبدأ بوش الأب)، واستخدام نظرية القوة المسلحة بشكل واسع، والذي طبق في أفغانستان والعراق، أما كلينتون فقد اتبع سياسة (الاحتواء المزدوج)، وسار الرئيس بوش الابن في طريق استخدام القوة العسكرية مقدماً هذه السياسة على سياسة السلم والدبلوماسية.
– ثم جاءت (الأوبامية) القائمة على الانكفاء وعدم التورط بإرسال قوات عسكرية إلى الخارج.
ضمن هذا السياق، ماذا يمكن القول عن آراء ترامب؟ هل تصبح سياسة رسمية، خاصة أنه رجل أعمال وليس لديه خبرة سياسية؟
لاشك أن آراءه وتوجهاته عكست توجهات قوى داخل المجتمع الأمريكي منتشرة في أوساط واسعة، وجاء هو ليحركها.
إذا كانت الولايات المتحدة معروفة تاريخياً بأنها شنت الحروب وحاكت المؤامرات ضد الدول الأخرى، بذريعة حماية قيم العالم الحر وحقوق الإنسان والدفاع عن الديمقراطية، فإن سياستها هذه أصبحت أكثر خطورة بعد تفرّدها بقيادة العالم، لاسيما أنها تدعي أنها تحارب التطرف والإرهاب، الأمر الذي يدفع شخصية مثل ترامب إلى المجاهرة بالعداء والكراهية للعالم.
والسؤال المهم: هل يمكن مكافحة التطرف والإرهاب بمثله؟
ترامب يجيب عن ذلك بنعم، ويدعو إلى ذلك علناً، وهو يدرك أن تصريحاته الفجة تتناغم مع سيكولوجية شرائح غير قليلة في أمريكا.. ولذلك فهو يضرب عصفورين بحجر واحد:
الأول: كدعاية انتخابية، والثاني كتعبير عن فكر عنصري متطرف، وهذا ما قد يوصله إلى البيت الأبيض، خاصة إذا استغل أخطاء منافسته هيلاري كلينتون ومنها فضائح الـ15 ألف رسالة إلكترونية المختفية حتى الآن.
إذاً.. استمرار ظواهر العنف والإرهاب في العالم وتناميها، يجعل مخاطبة المزاج الأمريكي العام مسألة مؤثرة في الدعاية الانتخابية، وهو ما يحاول ترامب العزف عليه.. فهل يُعقل بعد مناداة كلينتون وبوش الابن وأوباما بحل الدولتين ولو بنبرة خافتة، أن يأتي ترامب ليعلن بأنه سيجعل سفارة بلاده في القدس، علماً بأن قرار مجلس الأمن رقم 476 تاريخ 30/6/1980 أبطل ضمّها؟ وهل يعقل أن ترامب سيمنع دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة، وهم أكثر من مليار ونصف المليار؟ وهل يعقل أنه سيبني جداراً عازلاً مع المكسيك؟
الخلاصة.. إن ترامب سواء وصل إلى سدة الرئاسة أم لا، فإن أفكاره وآراءه لها جذور في المجتمع الأمريكي، كما كتبت صحيفة (الغارديان) البريطانية مؤخراً.
اقرأ:
ترامب: سياسة كلينتون بشأن سوريا ستؤدي إلى حرب عالمية ثالثة



المصدر: د. صياح عزام: جذور (الترامبية) في المجتمع الأمريكي

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك