مايو 1, 2024

د. سميرة مبيض: كلنا شركاء

من المفيد دوما النظر الى نتائج أي أمر قبل أن نبحث في الطرق التي أدت للوصول الى هذه النتائج، يسمح ذلك بأن نكتشف أي خلل في الطريقة المتبعة للحصول على النتائج او تأثيرها الغير مباشر في ماهية هذه النتائج وذلك مهم عندما نبحث عن حقيقة أي امر، فالنتائج الخاطئة هي محصلة طرق خاطئة بالضرورة.
يراود السوريون اليوم يقين بأن النتائج التي يسعون للوصول اليها بدولة حرة، مدنية تعتمد على القانون والديمقراطية ليست هي النتائج التي تُفرض اليوم على ثورتهم. والا فان الستة أشهر السلمية الأولى من الثورة كانت طريقا كافية للوصول لأهدافهم المحقة و أنها حصلت أي بلد يمتلك فيه الشعب استقلاليته لأسقط الحكم فيه دون رجعة.

يلوم الكثيرون أنفسهم و يشعرون بالذنب لأنهم تعاطفوا مع من طالب بحرية و كرامة الانسان السوري، متجاهلين جوهر الأمر فالخطأ ليس بالنهوض بثورة سورية وهي أقل رد ممكن على خمسين عاماً من الظلم والهوان لمن امتلك كرامته و انسانيته، بل الخطأ هو الانحرافات التي فرضت قسراً على طريقنا و أدت الى نتائج اليوم.

 لنفترض أن النتائج مغايرة لما نحن فيه، السيناريو البديل هو أن الحكم في الأماكن المحررة، و التي وصلت لأكثر من نصف الأراضي السورية في مرحلة ما، هو حكم سوري محرر من أي تمويل وتبعات خارجية و طبّق مبادئ دولة المواطنة و المساواة التي نادت بها الثورة و قدّم الخدمات التي تحقق الاستقرار للمواطن السوري و كان مثالاً عن ما يحلم به السوريين بالحد الأدنى مما هو متوفر للمواطنين في بلدان تحترم الإنسانية.

و لنفترض أنها مناطق آمنة فرضت عليها الحماية الدولية من الأمم المتحدة، كانت الثورة منتصرة اذا في طريقها الأساسي و نتائجه البديهية المنتظرة.

العوامل التي نقصت للوصول لهذه النتائج إذاً ليست في خطأ بمفهوم الثورة أو في تقاعس من السوريين الوطنيين أو الطريق الذي اختاروه بل في عاملين خارجين عن إرادة السوريين تماماً و هما

أولاً المال، العسكري، السياسي و المدني و الإعلامي، الخارجي المصدر، الذي لم يكن ساعيا لدعم السوريين الساعين للحفاظ على سوريا أرضاً واحدة و العبور بها و بشعبها للحرية و الديمقراطية، على العكس مثل هؤلاء كان التخوف منهم كبيراً، فكان يتم استبعادهم نهائياً من مواقع القيادة ضمن الأراضي المحررة من سلطة الأسد فتسلم المقاليد هناك لأغلبية ينقصها الوعي و يجرها التطرف و تطيع المانحين في شروطهم و يوضع الأخرون تحت امرتهم بقوة السلاح و المال. فالعامل السوري الوطني كان مغيبا تماما من هذه المعادلة.

ثانياً العامل الدولي، هو الذي يُفترض أن يلعب دور الجهة القادرة على فرض الأمان و السلم لكنه تخلى تماماً عن الشعب السوري و رضخ لأداة تجميد قاتلة و هي الفيتو في كل مرة كانت تطرح، و لو بشكل بروتوكولي، محاولات ادانة مجازر الأسد ضد السوريين.

مما جعل جميع أطراف الصراع غريبة عن الشعب السوري وباتت سوريا محتلة، من داعش و من يقاربها بالفكر بتمويل غير سوري و عناصر غير سورية، و محتلة من قوات تنظيم بتمويل غير سوري و عناصر غير سورية، و محتلة من قسد بهدف اقتطاع الشمال السوري بتمويل غير سوري و قوات غير سورية.

الثابت الأكيد اليوم هو أن سوريا محتلة والسوري فيها يدفع للرحيل عبر الهجرة النظامية بفيز وطلبات لجوء، أو عبر الباصات الخضر الى الحدود السورية، أو عبر البحر وقوارب الموت. الهدف هو أن يخرج السوريون من سوريا وهي النتيجة التي يدفع نحوها الجميع.

لنبدأ من هذه النهاية اذاً، علّنا نحفظ دماء سوريين لا زالوا على قيد الحياة وعلّنا نبقي بعض البيوت التي لم تتهدم فوق رؤوس سكانها ونبقي على أطفال سوريا يبنون المستقبل. لنبدأ من النهاية التي تدفع لها ثورة السوريين عبر كل هذا الانحراف، الخارجي المنشأ حصراً، لنبدأ من النهاية في مفاوضات بين الشعب السوري والعالم لنصل الى ضمان حقوقهم في الحياة على أرضهم المستباحة، لضمان مصالحهم في هذه النهاية التي تسعى لها جميع الأطراف عبر شخوص تصنعها في مواقع سياسية او تصالحية أو مدنية أو غير ذلك. لتكن مكاشفة صريحة بين السوريين ومن يعبث بمصائرهم، للإجابة على سؤال كاف وواف، لماذا حُرّفَ طريق ثورتنا، ما هي النتيجة المطلوبة من طريق التطرف المذهبي والقومي و المناطقي الذي يزرع قسراً في الأرض السورية؟

المصدر : كلنا شركاء

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك