أبريل 25, 2024

د. حبيب حداد: كلنا شركاء
كما أسلفنا في الحلقة السابقة يشهد التعامل مع الهوية الوطنية السورية اليوم اشكاليات مصطنعة من وجهةنظرنا ، كما انها في الان نفسه لم تكن متوقعة من قبل معظمنا ، ولنقل بصورة أوضح انها تواجه الْيَوْمَ تحديات عدة تتناول ماهيتها ومفهومها
اولا ، وتتناول مدى الإيمان الصادق والالتزام الجاد والعفوي بموجباتها ، في حالة نفسية هي ادعى ماتكون الى شكل من اشكال صراع الذات مع الذات ،
ثانيا ، كما تتجلى في عدم التوافق بين مكونات الحركة الوطنية السورية وهيئات ومنظمات المجتمع المدني حتى الان على روءية سياسية موحدة وبرنامج عمل للمرحلة الانتقالية يكفل إنقاذ بلدهم من محنتها الراهنة وإعادة إعمارها وتحقيق مطالب شعبهم في صيانة وحدة دولتهم وبناء نظام ديمقراطي عصري .
ثالثا . الشعب السوري وجود وواقع يعود الى آلاف السنين وقد تضافرت في تكوين بنية هذا الشعب الاجتماعية والإثنية والثقافية والحضارية مكونات عديدة منذ أرام وكنعان والفينيقيين مرورا بالحقب التاريخية المتعاقبة حتى يومنا هذا . اما الهوية الوطنية السورية فهي قبل كل شيء الشعور الفطري الموحد لابناء الشعب السوري بان لهم تاريخا وماضيا مشتركا وان ارادتهم الجماعية هي ضمانة مصيرهم ومستقبلهم الواحد . لكن الهوية الوطنية لا تقف عند حدود الشعور والإيمان المشترك ولكنها قبل ذلك حافز من اجل الفعل والحركة والتطور والكفاح من اجل التقدم والتوحيد والحداثة ومواكبة مسار العصر . وتتجسد دوما سلامة الهوية الوطنية في واقع الوحدة الوطنية ، لذا فان هويتنا الوطنية السورية الْيَوْمَ ليست في أحسن احوالها لان وحدتنا الوطنية تعيش الان وضعا معتلا خطيرا ينذر اذا ما استمر باوخم العواقب . نرى من المناسب هنا ان نعيد التوكيد ان الهوية الوطنية السورية ليست صفة تمييزية تسجل في جوازات السفر وبطاقات التعريف الشخصية لتمييز أفراد مجتمع عن اخر ولكنها وعي وشعور ووجدان حي وارادة للعمل والفعل الجماعي حماية للوجود وتعزيزا للمصيرالمشترك للجماعة الوطنية والقومية كفاعل تاريخي مستقل له استقلاليته وخصوصيته في الإطار الإنساني الواحد .
من جانب اخر علينا ان لا ننظر لماهية الهوية الوطنية السورية ومقوماتها كجوهر ثابت في الزمان والمكان لا يتبدل اويتطور عبرمراحل التاريخ ووفق بنيةالمجتمعات الاقتصادية والاجتماعية وشكل الدولة التي تحكمها ، ذلك ينطبق على مفهوم الأمة والعناصر الروحية والمادية المكونة لها ، وكذلك الحال بالنسبة لمفهوم والعناصر المكونة للهوية الوطنية اذ ان الهوية الوطنية في وضعية تجدد وتطور دائمين حسب طبيعة كل مجتمع اذ انها تطرح وتتجاوز عناصر أضحت بالية و فاتت صلاحيتها وتكتسب عناصر حيوية جديدة يفرضها منطق التطور كما يؤكد ذلك علم الاجتماع السياسي . لكن الامر الأساس الذي ينبغي عدم إغفاله هنا انه لا يمكن تصور وجود وحدة وطنية أو هوية وطنية جماعية بدون دولة . وبحسب طبيعة هذه الدولة فيما اذا كان النظام الذي يحكمها يعود الى العصور الوسطى اَي نظاما مملوكيااوسلطانيا أو قبليا أو شموليا استبداديا كما هي حال أنظمة معظم بلداننا العربية ، أو انه حقق بعض الإصلاحات التحديثية السطحية في بعض جوانب المجتمع دون اكتساب مقومات عملية الحداثة بجوهر قيمها وطرائقه وطرائقها أو إنجاز متطلباتها ، بحسب ذلك يمكن لنا ان نحكم على متانة وسلامة كل من الوحدة الوطنية والهوية الوطنية في مجتمعاتنا العربية وخاصة في الدول التي شهدت خلال السنوات الاخيرة الانتفاضات الشعبية المطالبة بالإصلاح والتغيير و التي طالبت شعوبها بالتحررمن واقع التهميش والاستبداد والفقر والتخلف والانتقال الى حياة العصر .
وكما ذكرنا في الحلقةالسابقة ، ونتيجة لمرحلة الضعف والتشتت والهوان التي تمر بها المنطقة العربية ، والازمات المتفاقمة التي تعيشها أقطار الأمة الاساسية : مصر وسورية والعراق والجزاير فان في مقدمة التحديات التي تواجهها الهوية الوطنية لبلداننا العربية هو اشتداد حمى ذلك التناقض المصطنع بين الهوية الوطنية والهوية الوحدوية العروبية والذي يرجع من وجهة نظرنا اما الى قصور في الوعي أو الى سلوك اتجاهات خاطئة لن تكون نتائجها في مصلحةاي من شعوب الأمة . وإذ سنخصص الحلقة القادمة لمناقشة هذا الموضوع فإننا نود ان نختتم هذا المقال بتأكيد قناعتنا بانه لا يمكن ان يكون هناك على الإطلاق صدام أو تناقض بين الهوية الوطنية السورية والهوية العروبية التوحيدية الحضارية فهمًا تتكاملان ولا تلغيان بعضهما بعضا اذا ما فهمتا على حقيقتهما وما تستلزمان من روابط على صعيد المصلحة المشتركة . فالهوية الوطنية السورية بوصفها تعبيرا عن إرادة الشعب السوري وخصوصيته وفِي انفتاحها على الكل الإنساني الأشمل لا بد ان تكون عروبية في روحها وثقافتها وخصوصيتها وإمكاناتها في المساهمة الحضارية الانسانية . وهذا الامر هو ما اتفق معه وأكد عليه انطون سعاده مؤسس الحزب السوري القومي الاجتماعي بقوله : انه لا يوجد تناقض بين الأمة السورية والعروبة فالقومية السورية هي التي ستقدم للعالم العربي أمة سورية هي أمة عربية ، لان العروبة هي بالضرورة صفة المجتمعات العربية وليست بالضرورة صفة أفرادها .
(سلسلة التعريف بالحزب السوري القومي الاجتماعي – العروبة الواقعية ص 10)
يتبع
اقرأ:
د. حبيب حداد: كيف تعاملنا نحن السوريون مع هويتنا الوطنية حتى الآن (3-1)



المصدر: د. حبيب حداد: كيف تعاملنا نحن السوريين مع هويتنا الوطنية حتى الآن (2-3)

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك