مايو 15, 2024

د . حبيب حداد: كلنا شركاء
إذن لا يمكن لكل من الهوية الوطنية السورية والوحدة الوطنية للشعب السوري ان ينتقلا من حيّز الشعور والارادة الى حيّز الواقع والفعل الا بوجود الدولة القوية المجسدة لارادة المواطنين السوريين الأحرار بكل مكوناتهم الاقوامية والثقافية والدينية . وهنا اذاكانت الدولة هي التي تنقل شعبا ما أو أمة ما من حال القوة والإمكانية الى حال التحقق والواقع والفعل فان الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة التي تستجيب لتطلعات كل من الشعوب العربية ، قد أضحت ، كما ذكرنا سابقا وفِي ضوء التطور التاريخي العام ووعي دروس ونتاج تجارب حركة النهضة والتحررالعربية منذ قرن ونصف ، هي دولة للأمة وقاعدة الانطلاق التي لا قاعدة غيرها نحو توحيد مجتمعاتنا بصورة تدريجية ، حسب توفر الظروف الملائمة ، في كل الميادين الاقتصادية والدفاعية والثقافية والدستورية اَي الوصول الى الكيان الموحد الذي كافحت من اجله اجيال هذه الأمة والمتمثل بتحقيق دولة الأمة ، ان التطلع الى أفق التكامل والتوحيد بين الكيانات العربية الحالية ليس وليد رغبة عاطفية أو نظرة مثالية تقفزان فوق صعوبات وتحديات واقع التجزئة والتبعية والتخلف والفساد والانفجار الديمغرافي الذي تعيشه بلداننا العربية في عصر العولمة ، بل هو ضرورة حياتية لمصلحتها جميعا .فهل يمكن تصور ان قطرا عربيا واحدا بإمكاناته الذاتية وبسياساته المنتهجة حاليا يمكن ان ينجح في تحقيق اَي مستوى من مستويات التنمية البشرية المستدامة التي تكفل له استقلاله وتوءمن لمواطنيه العيش الكريم كما في بلدان العالم الاخرى المتقدمة ؟
لقد تحجّمت وضمرت الى حد كبير وسحبت من ساحة التداول السياسي تلك النظرة التي كان يطرحها الفكر القومي العربي التقليدي العصبوي والتي كانت ترى ان الكيانات العربية القائمة تفتقد الى المشروعية لانها جاءت تنفيذا للاتفاقيات بين الدول الاستعمارية ، وان استمرارها يشكل عائقا في طريق الوحدة العربية . وأما على الصعيد السيميولوجي والمعرفي فان استخدام مصطلحي الهوية الوطنية والهوية العربية يعود الى واقع امتنا المجزأة بخلاف دول العالم الاخرى التي تستخدم مصطلحا واحدا يعبر عن الانتماء الى دولة وكيان سياسي واحد . لكن ورغم هذا القدر من التطور الهام الذي احرزه الوعي السياسي العربي خلال نصف القرن الماضي فلا يزال يواجه بعض المشكلات البنيوية التي تحول دونه ودون امتلاكه القيم العقلانية واستخدامه المنهج العلمي في تشخيصه وتعامله مع معطيات الواقع وهذا مانجده لدى تيارات سورية رئيسية فيه على نظرتها وموقفها من الهوية الوطنية وفِي هذا الصدد ولتوضيح وجهة نظرنا بصورة مناسبة نود ان نسجل الملاحظات التالية :
اولا – ان الأمة العربية ليست حصرا أمة مكون قومي واحد في مجتمعاتها ونعني بذلك مكون القومية العربية بل هي أمة جميع المكونات القومية والثقافية والدينية في كل من هذه المجتمعات والامرنفسه ينطبق على كل بلد عربي بحد ذاته . لذافان العديد من المفكرين العرب وعلماء الاجتماع العرب العلمانيين أصبحوا الْيَوْمَ يفضلون استخدام رابطة العروبة كهوية حضارية تجمع شعوب الأمة وتعبر عن ماضيها المشترك ومصلحتها في بناء مستقبل موحد وذلك بديلا لمفهوم القومية العربية التي تحمل من الدلالات ما لا ينسجم مع غايات واهداف والأفق الإنساني للمشروع الحضاري النهضوي لمجموع كيانات هذه الأمة .
ثانيا – ضرورة تجاوز ونبذ تلك الفكرة المهيمنة منذ قرون في ثقافتنا السلفية ومعظم برامج تاريخنا بان تراثنا القومي والديني الوحيد هو التراث العربي الاسلامي ،اَي ضرورة اعادة الاعتبار للتراث العربي الحضاري الذي سبق الحقبة العربية الاسلامية ، في كل برامج الثقافة والتعليم حتى تشعر كل مكونات مجتمعاتنا بحقيقة انها جزء مكون واصيل في تاريخ هذه الشعوب وثقافتها وهويتها . وإذا كانت الحضارة العربية الاسلامية تمثل الأوج الذي بلغته الحضارة العالمية في العصور الوسطى فهل يمكن لأحد ان ينكر ان هذا العمران الحضاري في كل الميادين كان حصيلة مساهمة العرب مسلمين وغير مسلمين وفِي مقدمتهم السريان والصابئة من جهة ، ومساهمةالمسلمين عربا وغير عرب من جهة اخرى .
ثالثا – لقدسبق لنا وفِي اكثر من مناسبة ان تحدثنا عن صراع الهويات القاتل الذي تتعرض له مجتمعاتنا انما يعود الى عاملين :أولهما اخفاق المشروع النهضوي الديمقراطي التوحيدي في تأسيس دول المواطنة الحرة المتساوية في الأقطار الرئيسيّة للأمة مصر وسورية والعراق والجزاير ، اما العامل الثاني فيتمثل في عدم تحررالفكر العربي وخاصةالفكر السياسي من صراع الثنائيات التي شلت قدرته حتى الان على اكتساب مقومات العقلانية. فحتى وقتنا الراهن ما يزال هذا الفكر يطرح على نفسه العديد من الإشكاليات التي لم يتحرر من قيودها . مثل هل الانسان مخير أم مسير ؟ هل الدين اَي الاسلام يتوافق اويتناقض مع الديمقراطية والعلمانية والحداثة ؟ هل تحرير فلسطين اولا أو بعد تحقيق خطوات توحيدية بين الأقطار العربية المعنية ؟ هل هويتنا وطنية قطرية اولا أم عربية وحدوية أم عالمية ؟ولا نستغرب هنا اذا كنا نحن السوريين الْيَوْمَ وبعد مرور حوالي ست سنوات على انتفاضة شعبنا ظللنا نطرح على أنفسنا بعض الثنائي..
اقرأ:
د. حبيب حداد: كيف تعاملنا نحن السوريين مع هويتنا الوطنية حتى الآن (2-3)



المصدر: د. حبيب حداد: كيف تعاملنا نحن السوريين مع هويتنا الوطنية حتى الآن (3-3)

انشر الموضوع