د. أحمد برقاوي: كلنا شركاء
شرّقت وغربت في بلاد العرب وقليلة هي البلدان العربية التي لم أزرها ، وبعضها تعددت زياراتي إليها حتى صارت جزءً من الأمكنة الحميمة بالنسبة لي . و لقد عرفت في هذه البلدان و في البلدان التي لم أزرها كثيراً من أهل الثقافة ،فمنهم الأكاديمي والشاعر القاص و الروائي والمسرحي والصحفي والمفكر والفيلسوف والرسام والنحات والممثل و المخرج و كاتب المقال .و تربطني ببعض هؤلاء صداقة حميمة .
و لأَنِّي جاعل من الثقافة والمثقفين ،دائماً ، موضوع تأمل ، تأمل لوعيهم و آثارهم وسلوكاتهم ، كتبت عنهم مقالات كثيرة ، وضمنت بعض كتبي شيئاً عنهم ، و لم أستنفد القول فيهم و أنا واحد في عدادهم .
و من أكثر أحوال المثقف العربي مدعاة للدهشة سوء الخلق في الموقف من سياسة القتل والعنف التي واجه فيها النظام السوري الحراك السلمي .
دعوني أبدأ من البسيط والواضح و المتميز . هبْ إن مثقفاً ما شاعراً كان أو روائيا ، كاتب مقالات أو مفكراً ، فناناً تشكيلياً أو فناناً ممثلاً ، مؤلفاً موسيقياً أو عارفاً الخ … سمع بأن على كوكب ما في هذا الكون دكتاتوراً أمر بإطلاق النار على المتظاهرين السلميين فقتل منهم الآلاف ، و اعتقل مئات الآلاف وقام بتصفية عشرات الآلاف منهم في السجون . الموقف الطبيعي جداً والذي لا شك في اتخاذه من قبل المثقف هذا أن يعارض هذا الدكتاتور دون تردد . إذ لا شيء يدفعه إلى موقف مغاير أبداً .
وهبْ إن هذا المثقف علم بظهور جماعات بدائية تعادي الدكتاتور وتعادي من تمردوا عليه سلمياً فهل سيغير المثقف موقفه من الدكتاتور وجلاوزته . من الطبيعي الإجابة بلا . بل سيتخذ موقفاً مناهضاً للطرفين معاً .
وهب إننا أخبرنا هذا المثقف الذي عارض دكتاتور الكوكب المفترض بأن الذي جرى لم يجر على الكوكب بل تم في سوريا ، وكانت ردة فعله تغيير رأيه و الوقوف إلى جانب الدكتاتور بحجة مواجهة الدكتاتور لمن هم على شاكلته من الهمجية .
عندها سنطلق حكماً مباشراً على مثقف كهذا بأنه لا أخلاقي لأنه مع القاتل من جهة وكذاب من جهة ثانية .
و السؤال هل يمكن لإنحطاط المثقف الأخلاقي أن يظهر فجأة ، أم كان هذا الإنحطاط هوية متخفية وراء برقع مزخرف؟
إني وأنا أتأمل الأغنام الحقودة ، وأرواح الأرانب ، و بهلوانية القردة ، و بي أنفة من ذكر أسمائهم ، والذين تماهوا تماهياً كلياً مع الشبيحة و وعيهم بالعالم لم أجد بداً من القول : إن هم إلا هويات من الحقد واللؤم استترت وراء حداثة زائفة قوامها كأس عرق ، ونقد سطحي ، ويسارية لم تتجاوز لغوهم الفارغ ، وذاكرة مهووسة بحب الألم ، وشعوراً بالكره لفضاء الحرية .كان عزمي بشارة المفكر العربي الكبير المعزز المكرم عندهم قبل الثورة وأصبح في خطابهم الراهن بعد الثورة صهيونيا ، كان أحمد برقاوي فيلسوف الأنا المحتفى به قبل الثورة وأصبح في أقوالهم فلسطينياً معادياً لسوريا بعد الثورة ، كان صادق العظم المفكر العلماني الجذري رئيس قسم الفلسفة قبل الثورة ثم غدا طائفياً في شتائمهم بعد الثورة . لا لشيء إلا لأن الثلاثة لا يتخذون الموقف من أحداث كوكب مجرد ، بل لأنهم هم أبناء الأرض و المنتمون إلى الحرية قولاً وفعلاً .
اقرأ:
د.أحمد برقاوي: سوريا من المسيرة إلى التظاهرة
المصدر: د. أحمد برقاوي: خلق المثقفين