مايو 16, 2024

د. أحمد برقاوي: كلنا شركاء
شرّقت وغربت في بلاد العرب  وقليلة هي البلدان العربية التي لم أزرها ، وبعضها تعددت زياراتي إليها حتى صارت جزءً من الأمكنة الحميمة بالنسبة لي . و لقد عرفت  في هذه البلدان و في البلدان التي لم أزرها  كثيراً   من أهل الثقافة ،فمنهم الأكاديمي  والشاعر  القاص  و الروائي والمسرحي والصحفي والمفكر والفيلسوف   والرسام والنحات والممثل و المخرج و كاتب المقال .و تربطني ببعض هؤلاء صداقة حميمة . 
و لأَنِّي جاعل من الثقافة والمثقفين ،دائماً ، موضوع تأمل ، تأمل لوعيهم  و آثارهم وسلوكاتهم ، كتبت عنهم مقالات كثيرة ، وضمنت بعض كتبي شيئاً عنهم ، و لم أستنفد القول فيهم  و أنا واحد في عدادهم . 
و من أكثر أحوال المثقف العربي مدعاة للدهشة   سوء الخلق  في الموقف من  سياسة القتل والعنف التي  واجه فيها النظام السوري   الحراك السلمي   . 
دعوني أبدأ من البسيط والواضح و المتميز . هبْ إن مثقفاً ما شاعراً كان أو روائيا ، كاتب مقالات أو مفكراً ،  فناناً تشكيلياً أو فناناً ممثلاً ، مؤلفاً موسيقياً أو عارفاً الخ … سمع بأن على كوكب ما في هذا الكون دكتاتوراً أمر بإطلاق النار على المتظاهرين السلميين فقتل منهم الآلاف ، و اعتقل مئات الآلاف وقام بتصفية عشرات الآلاف منهم في السجون . الموقف  الطبيعي جداً والذي لا شك في اتخاذه من قبل المثقف هذا أن يعارض هذا الدكتاتور دون تردد . إذ لا شيء يدفعه إلى موقف مغاير أبداً . 
وهبْ إن هذا المثقف علم بظهور جماعات بدائية تعادي الدكتاتور وتعادي من تمردوا عليه سلمياً فهل سيغير المثقف موقفه من الدكتاتور وجلاوزته . من الطبيعي الإجابة بلا . بل سيتخذ موقفاً مناهضاً للطرفين معاً .  
وهب إننا أخبرنا هذا المثقف  الذي عارض دكتاتور الكوكب المفترض بأن الذي جرى  لم يجر على الكوكب بل  تم   في سوريا  ، وكانت ردة فعله  تغيير رأيه و الوقوف إلى جانب الدكتاتور بحجة مواجهة الدكتاتور لمن هم على شاكلته من الهمجية . 
عندها سنطلق حكماً مباشراً على مثقف كهذا بأنه لا أخلاقي  لأنه  مع القاتل من جهة  وكذاب من جهة ثانية . 
    و السؤال هل يمكن لإنحطاط المثقف  الأخلاقي أن يظهر فجأة ، أم كان هذا الإنحطاط  هوية متخفية وراء برقع مزخرف؟ 
إني وأنا أتأمل الأغنام الحقودة ، وأرواح الأرانب ، و بهلوانية القردة ، و بي أنفة من ذكر أسمائهم ، والذين تماهوا تماهياً  كلياً مع الشبيحة  و وعيهم بالعالم  لم أجد بداً من القول : إن هم إلا هويات  من الحقد واللؤم استترت وراء حداثة زائفة قوامها كأس عرق ، ونقد سطحي ، ويسارية لم تتجاوز لغوهم الفارغ ، وذاكرة مهووسة بحب الألم ، وشعوراً بالكره لفضاء الحرية .كان عزمي بشارة المفكر العربي الكبير المعزز  المكرم عندهم قبل الثورة   وأصبح في خطابهم الراهن  بعد الثورة صهيونيا ، كان أحمد برقاوي  فيلسوف الأنا المحتفى به  قبل الثورة   وأصبح في أقوالهم فلسطينياً معادياً لسوريا بعد الثورة   ، كان صادق العظم المفكر العلماني الجذري  رئيس  قسم الفلسفة قبل الثورة  ثم غدا طائفياً في شتائمهم بعد الثورة   . لا لشيء إلا لأن الثلاثة  لا يتخذون الموقف من أحداث كوكب مجرد  ، بل لأنهم  هم أبناء الأرض و المنتمون  إلى الحرية قولاً وفعلاً . 
اقرأ:
د.أحمد برقاوي: سوريا من المسيرة إلى التظاهرة



المصدر: د. أحمد برقاوي: خلق المثقفين

انشر الموضوع