مايو 3, 2024

القاهرة- من آن لآخر يتجدد صراع كنسي بين مصر وإثيوبيا على دير السلطان، الواقع داخل أسوار البلدة القديمة لمدينة القدس المحتلة، كان آخرها قبل أيام حين رفع رهبان أحباش علمًا ضخمًا لإثيوبيا داخل الدير واعتدوا على نظرائهم المصريين الذين ردوا بتلوين بوابته الرئيسية بعلم مصر.. فما قصة الدير؟ وما علاقته بسد النهضة الإثيوبي وبإسرائيل؟

بداية فإن دير السلطان الذي تبلغ مساحته نحو 1800 متر، يجاور العديد من المباني الكنسية التاريخية الهامة في القدس، إذ يعد المدخل الوحيد للحجاج الأقباط (مسيحيي مصر) إلى كنيسة القيامة.

وتاريخيًا، تعود أزمة دير السلطان إلى القرن الـ17، حين حلَّ الرهبان الأحباش ضيوفًا على الأقباط بصفة مؤقتة بعدما فقدوا أديرتهم لعدم قدرتهم على دفع الضرائب، ليمر الدير منذ ذلك الحين بمنعطفات دينية وسياسية عدة.

وبلغت الأزمة ذروتها بتمكين إسرائيل الرهبان الأحباش من الدير، رغم قرار محكمتها العليا قبل عقود لصالح الأقباط المصريين، وهو قرار لم ينفذ حتى الآن، خلافًا لاتهامات بالتواطؤ في تغيير معالمه ووضعه القانوني ضمن سياسة تهويد القدس.

كما تصاعد النزاع على الدير في السنوات الأخيرة تزامنًا مع نزاع مائي آخر بين القاهرة وأديس أبابا حول سد النهضة، الذي تبنيه الأخيرة على نهر النيل، وتخشى الأولى تداعياته على حصتها المائية.

وفي هذا الموضوع تسعى الجزيرة نت إلى رصد الصراع الكنسي المصري الإثيوبي على دير السلطان، والإجابة عن تساؤلات تسرد قصته، ولمن يؤول؟ مع عرض حيثيات كل طرف، وما طبيعة الدور الإسرائيلي الذي قد يأتي في سياق دور في صراع آخر على مياه النيل؟

ما قصة الدير؟ وإلى أين وصلت أزمته؟

وفق مراجع تاريخية وتصريحات وتقارير رسمية وصحفية، فقد مرّ دير السلطان بالمراحل التالية:

– يرجع تاريخه إلى عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان (684-705م)، ولذا سمي بدير السلطان.

– بعد نجاح صلاح الدين الأيوبي في وقف الحملات الصليبية على المشرق العربي، تم التأكيد على ملكية الأقباط للدير وذلك في القرن الـ12 الميلادي.

– في القرن الـ17، استضافت الكنيسة القبطية الرهبان الأحباش بالدير لمدة تزيد عن 3 قرون، بعد أن فقدوا أديرتهم في القدس؛ لقلة عددهم وتعثرهم في دفع الضرائب.

– سعى الأحباش طوال تلك الفترة إلى السيطرة على الدير، غير أن محاكم الدولة العثمانية (صاحبة السيادة وقتها) أقرت ملكية الأقباط للدير.

– مع سقوط الدولة العثمانية في بدايات القرن الـ20 تحوّلت الأمور لصالح الأحباش، وعزز ذلك وقوع فلسطين تحت الانتداب البريطاني وقيام دولة إسرائيل عام 1948 ثم احتلال القدس عام 1967 في خضم الحروب العربية الإسرائيلية.

– بعد نكسة يونيو/حزيران 1967، طردت سلطات الاحتلال الإسرائيلي الرهبان الأقباط من الدير، وسلمته لنظرائهم الأحباش.

ما طبيعة الدور الإسرائيلي في ملف الدير؟

– بعد طرد الأقباط من الدير، رفعت الكنيسة القبطية دعوى قضائية أمام المحاكم الإسرائيلية، وحصلت على حكم قضائي يقر أحقيتها في الدير.

– ترفض الحكومة الإسرائيلية تنفيذ الحكم بداعي عدم ملاءمة الظروف الأمنية، وتقول إن القضية لها أبعاد سياسية.

– جاء الموقف الإسرائيلي في أعقاب اتفاق مع إثيوبيا لنقل يهود الفلاشا إلى إسرائيل، بعد وعد بضمان ملكية الدير للرهبان الأحباش.

– في عام 1980 قررت الكنيسة المصرية ردًا على التعنت الإسرائيلي لصالح الأحباش عدم التصريح لرعاياها بالسفر إلى القدس لحين استعادة الدير.

– في السنوات الخمس الأخيرة، نشبت صدامات بين الأقباط والأحباش، ولا تزال الأزمة مجمدة دون حل.

– اعتدت القوات الإسرائيلية عام 2018 على الرهبان الأقباط خلال وقفة احتجاجية نظموها ضد السياسات الإسرائيلية في ملف الدير، كما اعتقلت عددًا منهم قبل أن تفرج عنهم وسط استنكار من القاهرة.

الرهبان الأقباط يرسمون علم مصر على بوابة دير السلطان، وسائل تواصل.jpg
الرهبان الأقباط يرسمون علم مصر على بوابة دير السلطان (مواقع التواصل)

ما أهمية الدير؟ ولماذا يتجدد الصراع؟

تعود أهمية الدير إلى أمور أهمها:

– موقعه الجغرافي، إذ يقع على سطح كنيسة القديسة هيلانة وكنيسة الملاك والممر الموصل بين كنيسة هيلانة إلى سور كنيسة القيامة.

– وقوعه داخل نطاق المنطقة المسيحية المقدسة في القدس الشريف.

– له أهمية خاصة عند الأقباط لأنه طريقهم المباشر للوصول من دير مارانطونيوس حيث البطريركية المصرية، إلى كنيسة القيامة.

– فقدانه عند الأقباط يعني أن تصبح جميع أملاكهم لا تساوي شيئًا، ويضطر الحجاج والزوار إلى المرور بطرق عمومية طويلة ليصلوا إلى كنيسة القيامة.

– من الواقع الجغرافي للدير، تتضح الأهمية البالغة له أيضًا للرهبان الأحباش، الذين فقدوا كل أملاكهم في القدس ولم يبق لهم سوى التمسك بهذا الدير الذي يزيد من أهميته قربه لكنيسة القيامة.

– تحولت الأزمة إلى ما يشبه حرب أعلام في الصدامات التي تتجدد سنويًا خاصة مع حلول المناسبات الدينية، فمن جهة يرفض الأحباش إزالة العلم الإثيوبي، ومن جهة أخرى يرفض الأقباط محو العلم المصري عن بوابة الدير.

لمن يؤول الدير؟ وما حيثيات كل طرف؟

أولا: الرواية المصرية (وفق بيانات لكنيستها الأرثوذكسية) وأبرز أسانيدها:

– تؤكد الكنيسة المصرية أن جميع المحاكم حكمت بأحقيتها في الملكية والحيازة، وأن لديها 23 وثيقة من هذه الأحكام الموثقة دوليًا.

– بعد أن فقدوا أملاكهم في القدس، لم يبق أمام الأحباش سوى اللجوء إلى الكنيسة القبطية باعتبارها الكنيسة الأم لهم.

– استضاف الرهبان الأقباط نظراءهم الأحباش، خاصة وأن عددهم في ذلك الوقت كان قليلاً، لا يتجاوز الثمانية من الكهنة والعلمانيين.

– تؤكد الوثائق أن حق ترميم وتعمير الدير هو لطائفة الأقباط، وهذا يثبت ملكيتهم له.

– عدم وجود وثائق بشأن ملكية الأحباش لدير السلطان، وفشل الكنيسة الإثيوبية في إثبات ملكيتها للدير، مما دفع المحاكم الإسرائيلية للحكم لصالح الأقباط.

ثانيا: الرواية الإثيوبية:

يعتمد الرهبان الأحباش على 3 وثائق في ملكية الدير، وفقًا لمصادر كنسية هي:

1-           مرسوم من الخليفة عمر بن الخطاب.

2-           فرمان من السلطان العثماني سليمان.

3-           وثيقة في المحكمة الشرعية في القدس.

كما نقلت تقارير صحفية عن الكنيسة الإثيوبية أن الدير كان يؤول للأحباش منذ القرن الـ17، لكنهم فقدوا وثائق الملكية خلال حريق شب في مكتبة الدير عام 1838م بعد تفشي طاعون الكوليرا.

ولا يزال الأحباش يستندون على الدعم الإسرائيلي لموقفهم وعدم تنفيذ الحكم القضائي لصالح الأقباط.

هل ثمة علاقة بين تجدد الصراع على الدير في السنوات الأخيرة وبين أزمة سد النهضة؟

حتى أواخر خمسينيات القرن الماضي كانت الكنيسة الإثيوبية تابعة للكنيسة المصرية، ورغم تأكيد الطرفين على أن العلاقات الكنسية أكبر من السياسة، فإنه يبدو أن تجدد الصراع على دير السلطان بات مقرونًا بتأزم العلاقات الذي فاق التوقعات في السنوات الأخيرة حد التهديد باستخدام القوة لحلحلة ملف سد النهضة.

ففي مصر قال بابا الأقباط الأرثوذكس تواضروس الثاني، قبيل جلسة مجلس الأمن التي ناقشت ملف السد صيف العام الماضي، إن بلاده قادرة على حماية حقوقها المائية.

كما ذكر في تصريحات صحفية سابقة أن كل جهود الكنيسة المصرية مع إثيوبيا تتركز في ملف سد النهضة، معتبرًا الكنيسة الإثيوبية لم تعد مؤثرة مثل الماضي نتيجة تغيّر الحياة السياسية في إثيوبيا.

وعلى الجانب الآخر، عادة ما تدعو الكنيسة الإثيوبية مواطنيها إلى مواصلة دعم مشروع السد باعتباره “خطوة للأمام في سبيل رفع الفقر”.

وبناء على المعطيات السابقة تبدو أزمة ملكية دير السلطان ستظل معلقة، خاصة وأن الحكم فيما يبدو بين الطرفين يتمثل في احتلال إسرائيلي لم تكن له سوابق جادة في الاعتراف بالمواثيق أو القرارات الدولية، رغم تقاربه مع مصر ومساعيه لتطبيع العلاقات خصوصا على المستوى الشعبي.

إضافة إلى ذلك تأتي أزمة الدير في سياق تأزم ملف سد النهضة، الذي زاد مسافات التباعد التاريخي بين الكنيستين المصرية والإثيوبية في السنوات الأخيرة.

اقرأ ايضاً: أفضل اشتراكات القنوات العربية (عالية الجودة)

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك