مايو 5, 2024

حمزة رستناوي: موقع جيرون
بدأت الثورة / الحرب السورية بصراع سوري سوري , و لكنّها سرعان ما انتقلت الى صراع إقليمي مع بعد طائفي سنّي شيعي , و من ثم إلى صراع دولي مفتوح. تبادل الطرفان طرف السلطة و طرف الثورة / المعارضة الاتهامات بإدخال الأجانب والاستعانة بهم و خيانة الوطنية السورية, في البداية كانت سياسة الإنكار لدى الطرفين هي السائدة , و من ثم من ازدياد حجم التورط الأجنبي أتّبع الطرفان سياسة التقليل من شأنّه, فمن جهة السلطة السورية جرى تبرير تدخل حزب الله اللبناني بكونه لحماية القرى الشيعية على الحدود اللبنانية السورية و تأمين خاصرة حزب الله , و من ثم استخدمت حجّة حماية المُقدسات الشيعية  و مقام ( السيدة زينب) و غيرها من المقامات التي اكتشفها السوريين أنفسهم مؤخرا!  و أخيرا مع الانخراط الكامل لحزب الله في القتال على كامل الجغرافيا السورية أعلن عن تحالف” جبهة المقاومة في وجه التكفيريين و العدو الصهيوني” و فسّر الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في احدى خطبه  تدخّل قوات حزب الله في سوريا بكونه لتحرير القدس و فلسطين  ” طريق القدس يمر بالقلمون والزبداني والسويداء والحسكة في سوريا.. لا يمكن أن تكون مع فلسطين إلا إذا كنت مع إيران…فهي الأمل الوحيد المتبقي بعد الله لاستعادة فلسطين[1] و كذلك جرى تبرير تدخل مليشيات المتطوعين الشيعة العراقيين و الأفغان بحماية المقدسات الشيعية , و جرى تبرير التدخل الايراني بكونه ذو دور استشاري فقط, و جرى تبرير التدخل الروسي العنيف و الوحشي  بكونه جاء من قبل الحكومة السورية الشرعية وفقا للقانون الدولي, و من جهة روسيا تمّ تسويق هذا التدخل تحت شعار مكافحة الارهاب و حماية الأقليات في سوريا و نصرة المسيحيين الأرثوذكس.
أمّا من جهة الثوار/ المعارضة و في الأعمّ استندتْ استراتيجيتهم  لإسقاط النظام على فرضيّة استدعاء التدخل الخارجي على غرار التدخل الأمريكي الأطلسي في ليبيا , فقد أعلنت بسمة قضماني أحد الأعضاء البارزين في المجلس الوطني السوري في مؤتمر صحفي في باريس  في 22 شباط 2012 ” أن المجلس يرى أن التدخل العسكري هو الحل الوحيد لإنهاء الأزمة المستمرة منذ عام والتي أسفرت عن مقتل الآلاف في سورية, هناك شران: إما التدخل العسكري أو حرب أهلية طويلة [2] و من ثمّ جرى التعويل على تدخل عسكري تركي أو تدخل عسكري سعودي تركي” التحالف الاسلامي ” لم يحدث بسبب الهيمنة الروسية المتزايدة على سوريا و تعقيدات الوضع الدولي. من جهة أخرى فقد وجدتْ التنظيمات الجهادية الأممية في الثورة/ الحرب السورية فرصة مناسبة لتمكين مشاريعها في اقامة “دولة الخلافة الاسلامية” وهي تنظيمات لا تؤمن أصلا بالوطنيّة السورية و تتحاشى حتّى استخدام مصطلح سوريا,  و لقد كان دخول المتطوعين  الجهاديين السنة عبر العالم الى سوريا أمرا مرغوبا به من طرفي الصراع , فهذا يساعد السلطة السورية على تحويل الثورة الشعبية  الى ثورة اسلامية طائفية سنّية , و بالتالي تحويل الصراع الى حرب على الارهاب و قطع الطريق مسبقا على امكانية وجود بديل حقيقي للنظام , مقبول إسرائيليا و إقليميا و دوليا , و من جهة أخرى هو يساعد الثوار/ المعارضة على الصمود و  تجنب امكانية سحقها من قبل السلطة , لما عرف به هؤلاء الجهاديون من بأس و شجاعة في القتال. 
يتبيّن من العرض السابق  أنّ طرفي الصراع سواء السلطة السورية أو الثوار / المعارضة السورية  – باستثناء الناشطين السلميين و العسكريين المنشقين في المراحل الأولى من الثورة السورية- كانوا راغبين لا بل و يراهنون على تدخل ” الغرباء الطيبين  المفيدين ” كلا لجهة مصالحه, و سواء أكان هؤلاء الغرباء أفرادا أو مليشيات أو حتى دول, فعقب مجزرة الكيماوي بالغوطة التي ارتكبتها السلطة السورية  آب 2013  و الاستعدادات الامريكية لقصف مواقع و قوات السلطة وجدنا حملة احتجاج كبيرة في الأوساط المؤيدة للسلطة  لرفض التدخل الخارجي  و الروح الوطنية السورية هو عنوانها الأبرز, و لكن مع مجيء القوات الروسية و قصف الطيران الروسي لمواقع الثوار/ المعارضة  وجدنا حملة ترحيب كبيرة في هذه الأوساط المؤيدة للسلطة نفسها, لا بل و ضمن أوساط المثقفين الغير منتفعين من السلطة , حيث كتب  الشاعر أبو عفش  على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» ما يلي: «أجمل قصيدة… مسامحة القتلة مسؤولية الله أما إرسالهم إلى الله… فتلك مسؤوليتي. فلاديمير بوتين أبو عفش[3]
مما سبق نستنتج أنّ طرفيّ الصراع كان يستخدم ما سوف نطلق عليه اسم  ” أسطورة الغريب النجس” بشكل براغماتي و للتسويق الاعلامي  و للانتقاص من قيمة الخصم , السلطة تتهم الثوار/ المعارضة بالخيانة الوطنية و الاعتماد على الغرباء, و كذلك الثوار/ المعارضة يقابلونها بالمثل تقريبا ! الغريب في نظر الموالين للسلطة هو قريب في نظر الموالين للثوار/ المعارضة و العكس ! و النجس في نظر الموالين للسلطة هو ملاك في نظر الموالين للثوار/ المعارضة. إنّ هذا المثال يخفي هشاشية الوطنية السورية , و وجود صراع هويّاتي بين السوريين , صراع ذو طبيعة جوهرانية , بحيث يصبح ليس فقط غير السوريين الداعمين  للثوار/ المعارضة  هو الغرباء  الأنجاس , بل و أيضا السوريين الموالين للثورة / المعارضة أنفسهم هم الغرباء الأنجاس! و العكس كذلك , و يكاد يكون شعار” الأسد أو نحرق البلد ” و كذلك  الشعار الضمني ” نحرق البلد و لا يبقى الأسد” كلاهما من تعبيرات الشرخ الهويّاتي بين السوريين, و قصور النخب السياسية و الثقافية السورية في العموم.
ليس تفسيرات  التدخل الاجنبي في سوريا ممثلا بدول و مليشيات و أفراد بالتعبير الوحيد عن ( أسطورة الغريب النجس) و لكن يمكن رصد أشكال متنوعة  للتعبير عن هذه الأسطورة, منها على سبيل المثال لا الحصر :
أولا- سيناريوهات تخوين سوريين لبعضهم البعض , حيث ينظرون الى فئويتهم القومية أو الدينية  على أنّها سوريّة أصيلة الوطنية,  بينما الفئويات الأخرى طارئة غريبة وافدة من خارج الحدود مشكوكة الانتماء الوطني.
ثانيا- تقديم الاسلام الشامي المعتدل بشكل طهراني و عزو التكفير و التطرف الديني الى غزو الاسلام الوهابي البدوي لسوريا أو وفود الاسلام الإخواني العنفي من مصر! و هذا ما تعرّضنا له في مقال سابق ( الاسلام الشامي المعتدل ! شبكة جيرون 14 أيلول  2016 )
ثالثا- محاولات اثبات أصول يهودية أو فارسية لعائلة الأسد !                                        
رابعا- المقولة الاسدية الشهيرة في الجراثيم , و تبرير الابادة الجماعية و المجازر  بكونها فقط  تطهير و قضاء على جراثيم غريبة!
هوامش المقال :
[1] نصر الله طريق القدس يمر بالزبداني و القلمون, الجزيرة نت, تاريخ 10-7-2015, الرابط:
http://www.aljazeera.net/news/arabic/2015/7/10
[2] المجلس الوطني السوري: التدخل العسكري هو الحل الوحيد لإنهاء الأزمة السورية, موقع روسيا اليوم عربي- تاريخ 22 شباط 2012, الرابط 
https://arabic.rt.com/news/579147
[3] بالصورة نزيه ابو عفش يثير غضب «المعارضة», موقع آسيا نيوز, تاريخ 22-11-2015, الرابط:
http://www.asianewslb.com/?page=article&id=7030
اقرأ:
حمزة رستناوي: أسطورة ..الاسلام الشامي المعتدل !


المصدر: حمزة رستناوي: قميص عثمان السوري! و التدخل الأجنبي

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك