أبريل 19, 2024


جوان سوز: النهار الكويتية
إذا أرادت النخب السورية والعربيّة أن تمدح الكُتّاب الكُرد الّذين يكتبون باللغة العربيّة، فيتكلمون عن الكاتب والروائي الشهير، سليم بركات، وهو أديبٌ كُردي من بلدة عامودا الكردية السورية وهو أيضاً رائد وسفير اللغة العربيّة في الوقت الراهن وكاتبٌ مهم لا تخلو دراسة نقدية عن الأدب واللغة العربيين من ذكر اسمه، له تجارب عديدة في الكتابة الإبداعية كالرواية والشعر والنقد، لكنه يخلع زيّه الكُردي ويكتب بزّي عربي، أي أنه يتخلى عن خصوصيته الكُرديّة في مقالاته السياسية المنشّورة في الصحف العربية كصحيفتي «الحياة» و«القدس العربي» اللندنيتين والّتي يذّيل فيهما مقالاته تلك دائماً بـ «شاعر سوري مقيم في السويد».
ربّما من هذا التعريف السابق أعلاه، يدرك القارئ الكُردي أن بركات لا تعنيه الهويّة الكُرديّة، أو فلنقل أنه يتجاوز العقدة القومية، ليقدّم نفسه كاتباً أممياً، لكن ألا يصعب على الكُرد أن يصدقوا خدعته وهو الّذي يرفض التعامل مع الإسرائيليين بحجة ممارسات حكومة اسرائيل واحتلالها لدولة فلسطين وهو موقف إيجابي من سليم بركات، لكن كيف يمكن أن يستوعبوا منه هذا الأمر وهو الّذي أرسل رسالة ـ تكاد تكون غراميّة ـ للرئيس العراقي الأسبق صدام حسين قبل عقود، حملت توقيعه وتوقيع الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش. لماذا لم يعتذر بركات من الشعب الكُردي على خلفية توقيعه على تلك الرسالة وهو الّذي يعترف المدافعون عنه، أنه أكثر من كتبَ عن البيئة الكُرديّة من خلال سرد مراحل شبابهِ وطفولتهِ، أو بصيغة أخرى، كيف لمن يدافع عن القضية الفلسطينية أنّ يغازل صدام حسين الّذي قتل الآلاف من الكُرد، بل وارتكب مجازر جماعية بحقهم ؟!
أن يكون سليم بركات مع القضيّة الفلسطينية وفلسطينياً أكثر من الفلسطينيين أنفسهم، فهذا شأنه الشخصي ومن حقه أن يقف مع من يشاء، لكن حين يصبح دفاعه عن القضية الفلسطينية مهيناً بحق الكُرد، عليه أن يتوقف عن هذه الإساءة، فمن يرفض التعامل مع صحافية اسرائيلية نتيجة موقفه من سياسة حكومة إسرائيل، عليه في الطرف الآخر ألا يتعامل على الأقل مع الصحافيين العرب بسبب سياسة الأنظمة العربية في سورية والعراق والجزائر ضد الكُرد، وأنّ كان بركات يعمم هذه الحالة على الإسرائيليين كشعب معادي للإنسانية، فكيف يحتمل كل هذا التناقض وهذه الازدواجية وهو الّذي يعترف بهذا الأمر في مقال بعنوان «مصادفاتٌ لا تَثِق بتدبيرها مصادفاتٌ أخطأت في الحساب» نشره في صحيفة القدس العربي منذ فترة وجيزة تكلم فيه عن رفضه لإجراء حوار صحافي مع صحافية إسرائيلية، بل وأنه أضاف في ذلك المقال، إنّ الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، قد طلب منه زيارة تونس لحمايته، لا أدري كيف حماه الرئيس عرفات وهو ينتمي للفصيل الّذي يرد السؤال بالسؤال، فحين طالب رجال الدين الكُردستاني إدانة مجزرة حلجبة التي ارتكبها صدام حسين ضد الكُرد في عام 1988 في اجتماع منظمة التعاون الإسلامي في الكويت، رد عليهم مسؤول عربي كبير «وهل على صدام أن يرشّ الكُرد بماء الورد ؟!». هذا السؤال الأخير، استفسرت عنه من قيادي كُردي كان مقرّباً من بعض الزعماء العرب بعد إجراء حوار صحافي معه قبل عامين لكنه اعتذر مني قائلاً «إن العلاقات العربية ـ الكُرديّة لا تحتمل جواب هذا السؤال في الوقت الحالي». المثير للقرف والجدل في آنٍ واحد، في مقالة سليم بركات هذه، أنّه يخشى على مشاعر الشعب العربي بشكل عام والفلسطيني بشكلٍ خاص، كما لو أنه يقول لهم إنه أداة جاهزة للاستخدام بيدٍ العربي ومن يود ذلك، فأهلاً به، دون أن يبالي بمشاعر الملايين من الكُرد الذين يعارضهم أصدقاؤه العرب وأنظمة الدولة الشقيقة له، كما لو أنّه يعترف بخجل شديد، أنّه سكينٍ حاد في خاصرة الكُردي.
البعض من مدافعي سليم بركات عن موقفه هذا، يمكن تبرير دفاعهم بشكل أو بآخر، فالفلسطيني بحاجة لصديق لقضيتهِ ومن واجبه أن يبرر لسليم بركات هفواته التي لا تنتهي، والعربي السوري بحاجة لمن يتخلى عن قوميته ليحمي نفسه من نزعة الانفصال الكُردي عن البلاد (الاستقلال في إقليم كُردي)، لكن ما ذنب الكُردي السوري أن يبتلي بمثل هذا الكاتب ويدافع عن موقفه المشؤوم هذا ، فالنظام السوري حاول تعريب الكُرد وبعض نخب المعارضة السوريّة تسأل باستغراب اليوم، لماذا تكتبون بالعربيّة يا قوم، ألستم كُرداً ؟؟!!
حين يأتي الكردي، ليشرح ماذا تعني له اللغة العربيّة، لا تود النخب العربيّة أن تفقه من كلامه شيئاً، ففي سوريا، أراد النظام السوري إخراج الكُرد من جلودهم، ليصلوا فيها لمرحلة لا يستطيعون التعبير فيها إلا بلغة أمهاتهم كما قال لي روائي كردي ذات يوم، بل أن الكُرد في سورية، كانوا مرغمين على تعلم اللغة العربية حين كانوا يدخلون المدارس السورية وهم لم يكونوا ناطقين بها قبل ذلك الوقت ومحرومين من التداول بلغتهم الأم بكل الأشكال. إذاً لماذا تستغرب النخب السورية المعارضة والموالية حين يرون الكُردي يكتب بالعربيّة أفضل منهم، وهم يسألون، كيف يولد الكُردي ولا يتكلم العربيّة، بالفعل يجب على هؤلاء أن يدركوا أن تعلّم الكُرد لهذه اللغة، كانت بمثابة احتلال في ظاهرة مشابهة لتصرفات زوجة الأب غير الوفية لليتامى في حال وفاة أمهم ؟؟!!
بعض النخب العربيّة السورية المعارضة والموالية، تظن أن اللغة العربيّة لغة إلهية، يتكلم بها كل العالم، متجاوزين بذلك خصوصية الإنسان الكُردي، فالكُردي يتكلم بالكردية ويقرأ بالكرديّة ويفكر بالكردية ويكتب بالكُرديّة، حتى أنه يمارس الجنس بالكُرديّة ويخاطب فتاته بالكُرديّة، الكُرد ليسوا من المريخ واللغة العربيّة في سوريّة بالنسبة لهم على سبيل المثال، هي مشابهة للغة الفرنسية في الجزائر بعكس نظرة سليم بركات للغة العربيّة، فكلاهما محتلان، الفرنسيين والنظام السوري الّذي عمل على تعريب هواء الكُرد خلال عقودٍ طويلة وها هي المعارضة تستكمل ما بدأ به هذا النظام. الطريف في الأمر أن السوريين يؤيدون تمسك الجزائريين مثلاً في فرنسا بخصوصيتهم العربيّة والإسلامية في بلاد أجنبية ويرفضون هذا الأمر بالنسبة للكُرد في بلدهم.
نعم، ان هؤلاء يناقضون أنفسهم حين يتعلق الأمر بالكُرد ولغتهم وكتابتهم، فسليم بركات كاتبٌ وروائي كبير من وجهة نظرهم اليوم، حين يتهجم على الكُرد ويدافع عن العرب، لكن حين يعود لأصله غداً ويقف مع شعبه، فسيكون كُرديٌ صغير، وهو الآن كذلك بالفعل.
* جوان سوز
* كاتب وصحافي كُردي





الخبر كاملا هنا: جوان سوز:سليم بركات.. كاتبٌ كبير – كُرديٌ صغير

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك