أبريل 26, 2024

لن تتخلى الولايات المتحدة عن نفوذها، بل ستكرّسه وتعمّقه، ولكنها ترى أن المنطقة تحتاج إلى تغيير سيطال حتماً الجغرافيا السياسية وقد بدأ ذلك فعلياً، وما لم يتم المضيّ في العنف حتى نهايته القصوى، سيكون التغيير مشوهاً كذلك الذي نتج عن اتفاقية سايكس-بيكو

تيار الوعد السوري-
يبدو للوهلة الأولى لأي متابع لسياسة أميركا – أوباما حيال الشرق الأوسط والخليج العربي، أن واشنطن تشبه وزير خارجيتها الذي يعقد العديد من اللقاءات والاجتماعات، ليعلّق على الأحداث بدلاً من المشاركة في صنعها.
ومن غير المستغرب أن تقرأ تعليقاً لمتابعٍ نزقٍ يسخر من ترك الحبل للروس لكي يتسيدوا المشهد كما يحلو لهم، وكأنّ اهتمامهم ينصبّ على زيادة وزن روسيا – بوتين.
بعيداً عمّا يظهر على السطح: إنّ الإطّلاع العميق يتيح لنا التعرّف على آلية عمل الإدارة الأميركية، ومعرفة أنها تخطط لزمنٍ طويل، وتطرح سيناريوهات عديدة ومتنوعة، وتقدّم ألفَ إجابة لألف سؤال تبدأ بـ: “ماذا لو؟” ( What if…?).
وما يتيح لواشنطن الإمساك بأغلب الخيوط هي السيناريوهات المرسومة بدقّة، ومرونتها في الانتقال من سيناريو إلى آخر تبعاً للتغيرات.
فقد ترخي أميركا بعض الخيوط، وتبدو الخيوط المرخية وكأنها خرجت من يد الأميركان، ولكن المتابعة توضح أنهم يمسكون الخيوط كلها بقوة.
السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل بإمكان العقل الأميركي المسيطر على الأحداث منذ الحرب العالمية الثانية حتى اليوم، الابتعاد فعلاً عن إدارة أي ملف، والتأثير في مختلف مجريات الصراع سواء في دولة صغرى أو في منطقة تعج بالتغييرات الهامة، والتي تؤثر على أوروبا وروسيا والعديد من بلدان آسيا؟
وما الذي تريده الدولة العميقة في الولايات المتحدة من الشرق الأوسط والخليج؟
في مقاربة تسعى للإجابة عن السؤالين السابقين:
لن تتخلى الولايات المتحدة عن نفوذها، بل ستكرّسه وتعمّقه، ولكنها ترى أن المنطقة تحتاج إلى تغيير سيطال حتماً الجغرافيا السياسية وقد بدأ ذلك فعلياً، وما لم يتم المضيّ في العنف حتى نهايته القصوى، سيكون التغيير مشوهاً كذلك الذي نتج عن اتفاقية سايكس-بيكو (1916).
تريد الدولة العميقة في أميركا تغييراً يطال العمق الثقافي للإنسان العربي المسلم، ومحيطه التركي والإيراني المؤثر به على نحو مباشر.
ولمعرفة المقصود بالعمق الثقافي الذي ينعكس في الحياة العملية.. يمكن أن نقارن بين باكستان التي يقطنها ما يزيد على 170 مليون مسلم والمنطقة العربية، ففي الوقت الذي يقدّم فيه المسلمون الباكستانيون ولاءهم لباكستان أولاً، ثم إسلامهم ثانياً، ثم لطائفتهم السنية أو الشيعية، يبرز الولاءُ في المنطقة العربية للطائفة أولاً، ومن ثم الدين، وبعدها الوطن أو البلاد.
ولا يسمح مجمع الدفاع، وجنرالاته، ومراكز أبحاثه، ودولته العميقة بتحقيق هدف قبل ميقاته المناسب، فهم لا يقطفون ثماراً عجرة، ولكنهم لا يتخلون عن الثمار الناضجة.
بلغة أخرى ينتظر الأميركان التوقيت المناسب لتكون ضربتهم “ضربة معلّم” مؤثرة وفاعلة، وفي سياق سعيهم لإنضاج الظروف، يخبّئون وراء عنجهيّتهم سياساتٍ مرنة، ومتعددة تبدأ بالتسويف، ولا تنتهي عند احتواء واستيعاب الآخرين، كما أنهم لا يهتمون كثيراً بالحديث عن انكفائهم.
ومن ناحية أخرى، تحتاج أميركا حالياً إلى حقل تجارب لاختبار أسلحتها الحديثة (غير النارية) من الأسلحة السايبيرية وغيرها، وتشكل الحرب القائمة بأسلحة نارية الدخان اللازم للتمويه، ولصرف النظر عن استخدام واختبار هذه الأسلحة. وهذا ما سنتناوله بالمزيد من التفاصيل في المستقبل.
يعرف المطّلع على التاريخ القريب أن الانكفاء لا يتماشى مع أميركا، ومن يراقب ما يجري في منطقتنا يعرف أن أميركا ليست منكفئة مع أن ما يبدو هو بروز الدور الروسي والإيراني والتركي بالإضافة إلى دور شكلي تلعبه بعض دول الخليج، ولكن الأميركان سيضبطون الصراع في الوقت الذي يناسبهم على إيقاع ساعتهم.
أي انكفاء هذا الذي يتم الحديث عنه في الوقت الذي أصبح فيه لأميركا قاعدة عسكرية في كوباني – عين العرب، وقاعدة كبيرة جداً يتم بناؤها حالياً في سبت (قرب كوباني)، كما أنها تستخدم مطار الرميلان، وتحضّر لبناء قاعدة مشتركة مع البريطانيين بين التنف والبوكمال، وتزيد عدد قواتها في العراق إلى خمسة أضعاف ما كانت عليه في العام الماضي؟!
تعيش منطقتنا إرهاصات لإعادة التشكل، وتجري فيها حروب متعددة الأطراف، وفي حالات الحرب يعود القرار إلى البنتاغون، ومن يقرر خطوات الولايات المتحدة في سوريا حالياً هو الجنرال “جوزيف فوتيل” قائد سنتكوم (القيادة المركزية الأميركية) مستشيراً البنتاغون فقط.
ويبقى القرار الأعلى محصوراً في دائرة صغرى مكونة من البنتاغون ولجنتي الدفاع والأمن القومي في الكونغرس.
وللدلالة على ما نقول نذكر بما دار في كل العواصم المهتمة والمؤثرة بالشأن السوري، وهو الحديث عن اتفاق أميركي روسي على تشكيل مجلس عسكري مشترك يتسلم السلطة في سوريا، وفي الحقيقة اتفق كيري ولافروف على تشكيل هذا المجلس، الذي سيضم 15 ضابطاً: ثلثهم من ضباط النظام، وثلثهم من المنشقين، وثلثهم من المتقاعدين المحايدين.
وتمت تسمية هؤلاء الضباط على أن تصدر هذه التسمية بقرار من مجلس الأمن، وتم الاتفاق أيضاً على أن يتبع للمجلس مجالس استشارية في مختلف المناطق تتكون من قادة المناطق من عسكريين تابعين لجيش النظام، أو قادة الفصائل المعارضة، ويكون لهذه المجالس مستشارون روس أو أميركان، وتخضع المناطق إما للسلطة المركزية، أو تشكل جزءاً من الفيدرالية السورية القادمة حتماً.
طلب كيري أن يقوم الأسد بتسليم السلطة إلى المجلس الجديد، بحيث يبقى الأسد رئيساً دون صلاحيات، وأصر لافروف على التشاور بين المجلس العسكري المقترح وبين الأسد على تقاسم السلطة.
كاد كيري أن يقبل، ولكن البنتاغون وجنرالاته رفضوا هذا الحل، فعاد إلى الأدراج بانتظار مستجدات الصراع وانتخاب الإدارة الجديدة.
إن فهمنا لآلية العمل الأميركية، والاطلاع على ما تخططه أميركا لدولنا، يمكّننا من نسج علاقاتنا الدولية، ورسم خططنا الداخلية بما يضمن تقليص خسائرنا إلى الحد الأعلى الممكن، بل وتحويلها إلى ربح لمستقبل الانسان السوري، وإلا ستبقى كارثتنا دون حل لسنوات طويلة.



المصدر: تيار الوعد السوري: هل تدير أميركا ظهرها؟

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك