مايو 7, 2024

لا تقتصر تسمية الشوارع في طهران على وسيلة لتوضيح خارطة طرقات العاصمة الإيرانية وتخليد البعض من الأسماء المؤثرة في تاريخ طهران والعالم، بل هي جزء من سياسة الدولة الداخلية والخارجية، وإحدى وسائل التعبير عن توجهاتها الأيديولوجية، التي وصلت في بعض الأحيان إلى التسبّب في أزمات سياسية وقطع علاقات دبلوماسية.

كلنا شركاء: مهدي العموري- العرب

من بين العادات التي تتبعها الحكومات والمجتمعات لتخليد ذكرى شخصية معروفة ومؤثرة في تاريخها أن تطلق اسمها على أحد الشوارع البارزة فيها؛ وهو أمر معمول به في مختلف بلدان العالم، من ذلك إيران. لكن الفرق بين إيران وبقية بلدان العالم أن توجّهات النظام تطبع أسماء الشوارع. كان هذا من أبرز الأشياء التي لاحظتها خلال جولة في شوارع العاصمة طهران، فمن شارع “الشهيد همت” (أحد الذين قتلوا في الحرب العراقية الإيرانية، إلى شارع “الشهيد مطهري (أحد تلامذة الخميني الذين قلتوا أثناء الثورة).

كنت كلّما أسأل عن اسم ما يجيبني صديقي الإيراني الذي كان مرشدي السياحي في الرحلة إنه “شهيد الثورة الإسلامية” أو “شهيد حرب الثماني سنوات”. تتكرر نفس الإجابة في كل مرة لدرجة أني سألته باستغراب ألا توجد في إيران شخصيات معروفة غير “شهداء الثورة”؟ فأجابني ساخرا حتى الشهداء ليسوا كلهم شخصيات معترفا بها لدى النظام، فالأسماء التي سألت عنها هي فقط لأتباع آية الله الخميني فقط، أما شباب التيارات اليسارية مثل قتلى حزب تودة، الذين سقطوا في المواجهات مع قوات الشاه، فلم يرتقوا في أعين النظام إلى مرتبة “الشهداء”.

ويضيف رفيقي “لم يكتف “رجال الثورة” بنشر صورة المرشد الأعلى الراحل آية الله الخميني وخلفه الحالي آية الله علي خامنئي في مختلف شوارع البلاد، بل لعبوا أيضا على وتر المشاعر الإنسانية عبر تسمية الشوارع والأحياء بأسماء من قتلوا أثناء الثورة أو في الحروب الإيرانية الخارجية، على غرار الحرب الإيرانية العراقية، وأيضا الحرب الدائرة في سوريا اليوم”.

تسميات خاصة

يعلّق البعض من الأصدقاء الشباب الإيرانيين الذين رافقونا خلال جولتنا في طهران، بسخرية، “النظام عمد إلى تسمية الشوارع بأسماء الذين قتلوا في الثورة، لإجبار المواطنين، والمعارضين بالأساس، على تدوين أسماء “الشهداء” في مختلف مراسلاتهم ومعاملاتهم البريدية، أي اعتراف قسري بهم وبما قاموا به، هذا دهاء من النظام”.

وتضبط قوائم الأسماء الملائمة لتخليدها في الشوارع وفق مقاييس الثورة الخمينية ومعاييرها، وهي تتجاوز السياسة الداخلية للنظام القائمة على التذكير بالثورة في مل تفاصيل حياة الإيرانيين، بل تتعداها لتكون أيضا إحدى أدوات إدارة السياسة الخارجية للدولة الإيرانية.

تنطوي قوائم الأسماء المنتقاة بعناية على رسائل سياسية تحمل صدى الدبلوماسية الإيرانية وتوجهات النظام الذي قام بعد الثورة سنة 1979 بتغيير أسماء الكثير من الشوارع، حيث تم مسح كل الأسماء التي لها دلالة بحقبة الشاه والغرب، وتعويضها بأسماء تتماشى وأيديولوجيا النظام.

ويحمل أحد شوارع العاصمة اسم الشهيد عماد مغنية، القيادي البارز في حزب الله اللبناني الذي قتل عام 2008 بتفجير سيارة مفخخة في العاصمة السورية دمشق. وفي قمة الأزمة الإيرانية أطلقت إيران اسم القائد الحوثي حسين بدر الدين الحوثي على أحد شوارع طهران، بل وذهبت وسائل إعلام إيرانية تابعة للنظام إلى المطالبة بتغيير اسم “شارع اليمن” في العاصمة الإيرانية إلى شارع “شهداء صعدة”.

شوارع وأزمات

أطلق النظام الإيراني بعض الأسماء العربية، ذات الدلالة السياسية الخاصة، على شوارع طهران؛ وأبرز الأمثلة على ذلك إطلاق اسم خالد الإسلامبولي، الذي اغتال الرئيس المصري أنور السادات، على أحد الشوارع الرئيسية للعاصمة الإيرانية. وتعتبر إيران الإسلامبولي “رمزا” لأنه اغتال السادات الذي لم يدعم الثورة الإسلامية في إيران فحسب، وإنما وفّر ملجأ أمنا لمحمد رضا بهلوي الشاه الإيراني.

ويشكل تغيير اسم الشارع الواقع في قلب العاصمة طهران أحد مطالب مصر الرئيسية لإعادة العلاقات الدبلوماسية مع إيران. ويحظى سيد قطب، منظّر جماعة الإخوان المسلمين، بأكثر من شارع باسمه في إيران، بالإضافة إلى وضع صورته على عدد من الطوابع البريدية.

ويمكن لزائر طهران أن يمرّ من شارع يحمل اسم الداعية المصري عبدالحميد كشك الذي يعتبره البعض من بين أكثر الأشخاص تأثيرا في تاريخ “الدعوة”، وكان الشيخ كشك من معارضي سياسة عبدالناصر، ثم عارض خليفته الرئيس الراحل محمد أنور السادات، ويشتهر بخطبته التي ينكر فيها على العراق حربه ضد إيران، ويتهم الرئيس العراقي بأنه “عميل لأميركا وقتل علماء الدين الإيرانيين”.

وفي مسعى للظهور بحلّة التسامح والانفتاح الديني أطلقت السلطات المعنية سنة 2016 اسم الكاتب والشاعر اللبناني المسيحي جورج جرداق على أحد شوارع طهران بدعوى تكريمه واحتفاء بالآداب والفنون الإنسانية. لكن هذا التكريم لا يخلو في حقيقته من انتقائية ونزعة طائفية بالنظر إلى تمجيد جرداق للتراث الشيعي وأدبياته وتأليفه عدة مراجع عن شخصية الإمام علي أبرزها موسوعة “الإمام علي صوت العدالة الإنسانية” و”علي والقومية العربية”.

وإبّان إعدام السعودية لمواطنها رجل الدين الشيعي نمر باقر النمر، في يناير 2016، لم يكتف الإيرانيون باقتحام السفارة السعودية في طهران، وقنصليتها في مدينة مشهد شمالي البلاد، وإضرام النار فيهما، بل دعا مجلس مدينة طهران، إلى إطلاق اسم رجل الدين السعودي على أحد شوارع العاصمة القريبة من السفارة السعودية، لكن طهران تراجعت عن تفعيل التسمية، لحسابات سياسية خارجية.

المصدر : كلنا شركاء

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك